ها قد مضى شهر رجب، ودخلنا في شهر شعبان، الذي يعد من الأشهر العظيمة المباركة المليئة بالحسنات والبرکات والخيرات، لکن السؤال الذي يتبادر إلي أذهاننا هو :لماذا يعتبر شهر شعبان مقدمة لشهر رمضان المبارك الكريم ؟ فالسبب الواضح والعبرة المستوحاة، هي أنّ هذا الشهر يعد فرصة ذهبية لنا كمسلمين للاستعداد الروحاني التام كما يجب قبل البدء في عبادة الصيام ، فهو يمهد الطريق لجلب السعادة والبرکة التي تکثر وتزداد في أيام رمضان عن غيره من المواسم والشهور ۔ فإنما سمي شعبان لأنه يتشعب فيه خير كثير للصائم، حتى يدخل الجنة، فيستعد المسلمون فيه لاستقبال شهر رمضان الكريم، والدخول في ضيافة الله سبحانه وتعالى، ويكثر الاهتمام في هذا الشهر العظيم بالعبادة من صوم وصلاة ، وصدقة ، وعمرة إلى بيت الله الحرام وغير ذلك من أعمال البر والصلاح. والاستعداد لرمضان قبل البدء فيه ليس من البدع ، بل تحقق أن الرسول عليه السلام وصحابته الکرام رضوان الله عليهم کانوا ينتظرون هذا الشهر بفارغ الصبر وشوق ، ويستعدون لشهر الصيام من بداية شهر شعبان ويدعون الله أن يبلغهم رمضان قبل ستة شهور من حلوله، کما رواه ابن خزيمة في صحيحه: عن سلمان الفارسي رضي اللہ عنه قال : "خطبنا رسول الله في آخر يوم من شعبان قال : " يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره أن ينقص من أجره شيء " ، قالوا يا رسول الله : ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ؟ فقال رسول الله : " يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن ، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار ، واستكثروا فيه من أربع خصال : خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما : فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه ، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما : فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة " .(رواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال صح الخبر ورواه من طريق البيهقي ورواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب باختصار عنهما ) . ولقد حظي هذا الشهر المبارك بمناسبتين إسلاميتين هامتين : بالإضافة إلي مجاوزته لشهر رمضان، ويحمل هذا الشهر فضلين عظيمين يجب الانتباهہ لهما جيدا: 1) تحويل القبلة من المسجد الأقصى المبارك إلى الكعبة المشرفة۔ فهذا الشهر شهد حدثاً من الأحداث العظام في تاريخ الإسلام، حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحب أن تكون قبلته نحو الكعبة المقدسة، ويتطلع في صلاته نحو السماء فأنزل الله تعالى هذہ الآية القرآنية: ‘‘قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ''۔ (الآية 144 : سورة البقرة)۔ فعندما صلى النبي صلى الله عليه وسلم متجها إلي الكعبة المشرفة ومتحولا عن بيت المقدس، فعل أصحابه نفس ما فعل النبي عليه السلام، وتحولوا عن الهيئة التي كانوا عليها واستداروا راكعين إلى البيت الحرام بمكة المكرمة وفي هذا تأكيد على توثيق علاقة الأمة بإيمانها وإطاعة رسولها الذي امتلأت به قلوب صحابته أجمعين۔ ومن جانب آخر، كان هذا التحويل اختباراً للمؤمنين الصادقين في إيمانهم ومعرفة لمدى استجابتهم لأوامر النبي صلي اللہ عليه وسلم، کما يتضح من قوله تعالي { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ} (سورة البقرة الآية 143). فالمؤمنون لا يشكون في أي شيء يأمر به صلى الله عليه وسلم، بل هم يعتقدون جازمين بأن كل ما جاء به رسول الله حق و لا مجال فيه للريب۔ 2) ليلة البراءة ۔ في هذا الشهر ليلة عظيمة، وهي ليلة النصف من شعبان عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم يتجلي شأنها في قوله سبحانه: ‘‘يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن'' إن هذہ الليلة مباركة ومشرفة وإحياؤها وقيامها بأنواع العبادات كالصلاة والذّكر وتلاوة القرءان شيء مستحسن وفيه ثواب عظيم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :‘‘إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلَها وصوموا نهارها''. رواه ابن ماجه. ويتضح من کل ما سبق أن فضل شهر شعبان و ليلة النصف منها له أصل ثابت في القرآن و الکثير من الأحاديث النبوية، لکن الأمر الذي يؤسف کل من له أدني إلمام بعلم الحديث، هو إنکار الوهابيين فضل هذا الشهر وجواز الاهتمام بليلة النصف منه ،وإليهم أقدم هذه الأحاديث التي صحّحها الشيخ الألباني، الذي يعتبرونه المجدد والمحقق علي الإطلاق في علم الحديث: الاحاديث الصحيحة في فضل شهر شعبان وصيامه وعظمة منزلته: "شعبان بين رجب و شهر رمضان تغفل الناس عنه ترفع فيه أعمال العباد فأحب أن لا يرفع عملي إلا و أنا صائم" (تخريج السيوطي(هب) عن أسامة. تحقيق الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 3711 في صحيح الجامع • ‘‘كان أحب الشهور إليه أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان'' (تخريج السيوطي (د) عن عائشة. تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 4628 في صحيح الجامع) • ". أحصوا هلال شعبان لرمضان " (تخريج السيوطي(ت ك) عن أبي هريرة. تحقيق الألباني (حسن) انظر حديث رقم: 198 في صحيح الجامع) أحصوا هلال شعبان لرمضان و لا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم و صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما فإنها ليست تغمى عليكم العدة . تخريج السيوطي عن أبي هريرة. تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 199 في صحيح الجامع) • ‘‘في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن . (تخريج السيوطي (هب) عن كثير بن مرة الحضرمي مرسلا. تحقيق الألباني(صحيح) انظر حديث رقم: 4268 في صحيح الجامع). • ‘‘إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين و يملي للكافرين و يدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه''. (تخريج السيوطي(هب) عن أبي ثعلبة الخشني. تحقيق الألباني(حسن) انظر حديث رقم: 771 في صحيح الجامع) • إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. ( تخريج السيوطي (ه) عن أبي موسى. تحقيق الألباني(حسن) انظر حديث رقم: 1819 في صحيح الجامع) • ‘‘إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين و يملي للكافرين و يدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه''. (تخريج السيوطي (طب) عن أبي ثعلبة. تحقيق الألباني(حسن) انظر حديث رقم: 1898 في صحيح الجامع) غلام رسول الدهلوي كاتب باللغات العربية والإنجليزية والأردية والهندية۔ وهوحصل على الشهادتين: العالمية والفضيلة من الجامعة الأمجدية، والشهادة في علوم الحديث من معهد الأزهر، بمدينة بدايون، أترابراديش، وشهادة البكالوريوس من الجامعة الملية الإسلامية، وهو يواصل الآن دراسات الماجستير في الدين المقارن في الجامعة الملية الإسلامية ، نيو دلهي، الهند