لقد فضل الله تبارك وتعالي الأيام بعضها علي بعض فجعل يوم الجمعة خير يوم وفضل الشهور بعضها علي بعض فجعل أفضلها رمضان, ولكل شهر فضل ينبغي ألا نغفل عنه, ألا إن في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها. فشهر شعبان من الأشهر القليلة التي يهتم بها المسلمون, والتي لها فضل كبير عند الله فهو شهر ترفع فيه الأعمال, وكان السلف الصالح يهتمون بالصيام في شعبان اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم, ثم ظهرت بعد ذلك بدع ما أنزل الله بها من سلطان, خاصة في ليلة النصف من شعبان. وعن فضل الصيام في شعبان يقول الدكتور جمال المراكبي عضو مجلس إدارة جماعة أنصار السنة ورئيسها السابق,: كان النبي صلي الله عليه وسلم يحتفي بشعبان ويصوم فيه أكثر من غيره من الشهور, حتي يقال: لا يفطر; كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصوم حتي نقول: لا يفطر, ويفطر حتي نقول: لا يصوم, فما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان, وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان. وعن عائشة أيضا رضي الله عنها قالت: لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان, وكان يصوم شعبان كله, وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتي تملوا, وأحب الصلاة إلي النبي صلي الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلت, وكان إذا صلي صلاة داوم عليها; متفق عليه. وفي رواية لمسلم: كان لا يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان. الحكمة من صيام شعبان ولكن ما الحكمة من إكثار النبي صلي الله عليه وسلم من صوم شعبان؟ يجيب الدكتور جمال المراكبي قائلا: كان ينشغل عن صوم الأيام الثلاثة من كل شهر لسفر أو غيره, فتجتمع فيقضيها في شعبان, وقد روي في ذلك حديث ضعيف. وقيل: كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان, وروي في ذلك حديث ضعيف أيضا, وقيل: كان يكثر من الصوم في شعبان لما يفوته من التطوع في رمضان, فصيام رمضان فريضة, والنبي- صلي الله عليه وسلم- ما كان يخلي شهرا من الشهور من صيام تطوع, إلا رمضان فلا تطوع فيه, فكان يكثر من صوم شعبان لما يفوته من التطوع في رمضان. وأصح ما قيل في ذلك أنه شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان; كما في حديث النسائي وأبي داود وابن خزيمة عن أسامة بن زيد, قال: قلت: يا رسول الله, لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان, وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلي رب العالمين, فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. قضاء صوم رمضان في شعبان وعن قضاء صوم رمضان في شعبان أجاب المراكبي قائلا: يجوز تأخير القضاء لمن أفطر في رمضان لعذر إلي شعبان, ويحرم تأخير القضاء بعد ذلك لغير عذر شرعي. وقد كان نساء النبي- صلي الله عليه وسلم- يؤخرن صيام الأيام التي يفطرنها من رمضان حتي يجيء شعبان, فيقضينها فيه; وذلك لحاجة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون علي الصوم من رمضان, فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان, وقد كان النبي- صلي الله عليه وسلم- يكثر الصوم في شعبان; فلذلك كان لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان لتصوم معه صلي الله عليه وسلم. ليلة النصف من شعبان أما عن فضل ليلة النصف من شعبان فأوضح المراكبي قائلا: ورد في فضل هذه الليلة وهي الليلة الخامسة عشرة من شعبان أحاديث رواها أصحاب السنن, كالترمذي وابن ماجه وأحمد, وهي أحاديث ضعاف باتفاق أهل العلم, وقد قوي بعضهم بعض هذه الأحاديث بشواهدها. روي الترمذي عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة فخرجت, فإذا هو بالبقيع, فقال: أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: يا رسول الله, إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك, فقال: إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلي السماء الدنيا, فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب.قال أبو عيسي: حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج بن أرطأة. ورد في ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث, مجموعها يدل علي أن لها أصلا, وساق معظم هذه الأحاديث, وحكم عليها ما بين منقطع ومرسل, وضعيف ولين. وممن حسن هذه الأحاديث بشواهدها الألباني رحمه الله حيث علق علي حديث ابن ماجة: إن الله تعالي ينزل ليلة النصف من شعبان إلي السماء الدنيا فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن, فقال: حسن. وعلي فرض صحة هذه الأحاديث, فليس فيها سوي أن الله عز وجل ينزل إلي السماء الدنيا, فيغفر لعدد كبير من خلقه عدا المشرك والمشاحن. والعجيب أن أهل البدع يتعلقون بمثل هذه الأحاديث فيؤصلون بدعهم, كإحداث تخصيص صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته, وينسون أن التنزل الإلهي إلي السماء الدنيا يكون في كل ليلة, كما في الحديث الصحيح: ينزل ربنا إلي السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ إلي أن يطلع الفجر. فهلا تمسكوا بهدي النبي صلي الله عليه وسلم في قيام الليل, والحرص علي وقت السحر ليتعرضوا لهذه البركات.