داليا آلابوها ... هكذا عرفتني بنفسها دون سابق معرفة بعد أن سألتني في سيجارة، فتاة عشرينية ذو مظهر أجنبي ترتدي قميص رجالي أبيض من الكتان وبنطلون جينز به قطع صغير على المؤخرة في حجم رأس المسمار يظهر ما تحته، تتحدث بسرعة وكأنها تخشى نسيان ما تقول، تشعر إنك تعرفها منذ زمن، كان حديثها تافه ولكن يعجبك طريقة كلامها وخاصة وهي تتكلم بلسانها ويديها. كان بالقرب مِنّا مسخ ثدي في ثياب متعدد الألوان يتفق مع كم المساحيق التي تضعها على وجهها وكم المجوهرات التي تتزين بها، صوتها عالي مُنفر وكانت تسخر مع صحبتها من ملابس جليستي الأنيقة وخاصة قرطها الذهبي وهو ما يطلق عليه " حلق مخرطة" وهذا القرط أشتهر بين بنات الريف في ستينيات القرن الفائت وأصبح موضة يتحلى به البنات ذو الذوق الرفيع. نظرت إليها لائماً ويبدو أنها ظنت أن جليستي أجنبية لا تتكلم العربية وإذ بها توجه كلامها لي وتقول: - صحبتك دي فلاحة قميصها مش مكوي ولابسة حلق مُقرف عادة لا أتدخل في حوار مع أناس لا أعرفهم وخاصة إذا كان الأمر لا يعنيني فلم أجب وإذ بها تكمل كلامها وتقول: - أنا ما بحبش الحلق ده وهنا قلت لها ساخراً: - ما بتحبيهوش ولا زهقتي منه؟ ضحكت جليستي بصوت عالي وأشارت لي بعلامة النصر وتبدل وجه هذا المسخ فقد فهمت أن جليستي مصرية أو تفهم العربية، لم تكن سخريتي دفاعاً عن جليستي بقدر ما كانت هجوماً على هذا المسخ، ارتحت من صخب هذا المسخ التي ترتدي كل ألوان ذيل الببغاء دون تنسيق، أخذت جليستي تسأل -دون تطفل- في حدود المسموح إلى أن لاحظت أن لهجتها غريبة بعض الشيء وتبدو أنها غير مصرية كما ظننت في بادئ الأمر. داليا آلابوها من أب مصري وأم فرنسية وعاشت جُل عمرها كرحالة مع أبويها، سألتها عن لقبها الغريب "آلابوها" وماذا تعمل بعد أن لاحظت أن كل رواد المكان والعاملين يعرفونها. قالت: أنا فتاة ليلية تعرف أنا بشتغل أيه ...؟ ما هذا الشرك الذي وقعت فيه! تبدلت سحنتي ويبدو أنها لاحظت فانصرفت دون استئذان كما جلست دون استئذان، تمايلت طرباً مع موسيقى منبعثة من بيانو موسيقى سمعتها من قبل حاولت جاهداً أن أتذكر كلماتها لكن دون جدوى، جاءت مرة أخرى وتبدل حديثها وصار جدي وسألتها عن اسمها دون أن أتطرق لمهنتها حتى أبعد الحرج عني وعنها وسألتني: - ايه رأيك في عزفي؟ وهنا لم أتمالك نفسي من الضحك حتى القهقهة، فهي من كانت تعزف على البيانو حقاً أن بعض الظن أثم فتاة ليلية تعمل بالليل وليست فتاة ليل كما ظننت، ويبدو أن لغتها العربية لم تساعدها في توصيل المعني الصحيح وعلى طريقتها أردفت بسؤال عن كلمات الأغنية التي لا أستطع تذكرها قالت: - To Sir With Love قاتل الله ضعف الذاكرة هكذا رددت ترجلنا سوياً في وسط القاهرةالمدينة التي لا تنام وتجاذبنا أطراف حديث جدي دون قيود عن العنصرية والأقليات وشعور بعضهم بدونية -وهمية- لا توجد إلا في مخيلتهم أو قل يحتاجونها ولا يستطيعوا العيش بدونها وهم غير قابلين للاندماج ويستعذبوا شعورهم هذا، وإذ فجأةً تقرأ يافطة بصوت عالي ببطء شديد لترني أنها تعرف القراءة وتقول - أجزخانة أبو العز. ضحكت بصوت عالي على طريقة قرأتها التي تبدو كطفل في مستهل تعلمه القراءة وقلت ضاحكاً - على فكرة مكتوبة صيدلية أبو العز فيبدو أنها تعرف أسم الصيدلية فقط ولا تجيد قراءة اللغة العربية، شرحت لي كيف أصحابها يضحكون من طريقة قرأتها لذا ذات مرة وهي تقرأ حاولت القراءة بسرعة ودون تقرأ حرف القاف كما هو مكتوب وأرادت أن تقرأه بالعامية المصرية وهنا اشتهرت بلقب "آلابوها" وهو سر تسميتها بهذا الاسم وكانت الكلمة "قال أبوها"