منذ ثلاث سنوات أدارت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ظهرها للفلسطينيين، وبرز هذا واضحاً بعد سيطرة حماس على قطاع غزة إثر الفلتان الأمني الذي قادته فتح في القطاع للانقلاب على شرعية حماس بعدما فازت بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي. إن سلوك دولة الإمارات غير مبرَّر وغير مفهوم، على الرغم من انضمامها لفريق الاعتدال العربي الذي قادته مصر (سابقاً)، والذي يتبنى منهج التصالح مع (إسرائيل)، والضغط على الفلسطينيين لتحقيق ذلك. إذ إن الإمارات دون غيرها انفردت في استهداف الفلسطينيين بتسريح الموظفين الفلسطينيين وسحب إقاماتهم، ولاسيما إن كانت أصولهم من قطاع غزة. وهي تراقب نشاطات الفلسطينيين على أراضيها، وتراقب حساباتهم، وتمنع أي تبرعات شعبية قد تتجه صوب قطاع غزة؛ سواء لدعم حماس، أو لإعمار غزة بعد الحرب اليهودية عليها. وتتعامل الإمارات مع حماس على أنها عدو إرهابي تجب محاربته. وهذا أمر في غاية الغرابة، حيث لم تعادِ حماس أي دولة عربية، ولم تمارس نشاطات مضرة بأي دولة عربية، ولم تستهدف حتى اليهود الإسرائيليين على أراضي أي دولة عربية، رغم حقها في فعل ذلك لو أرادت، انسجاماً مع ما تقوم به (إسرائيل) من استهداف قوى المقاومة الفلسطينية عبر العالم. وقد استهدفت (إسرائيل) شخصيات فلسطينية على أرض الإمارات. ورغم نجاح دولة الإمارات في كشف ملابسات اغتيال القائد في حماس محمود المبحوح، إلا أن تأخرها في ملاحقة القتلة وتقديمهم للعدالة، يضع علامات استفهام كبيرة على أدائها، ويشير إلى شكل من أشكال التواطؤ مع القتلة، فهي ليست ضد اغتيال أحد من قادة حماس وإنما ضد تنفيذ العملية فوق أراضيها بما قد يضر بمصالحها وسمعتها. لقد وظفت دولة الإمارات نفسها لمساعدة سلطة فتح غير الشرعية، باستهداف كل مَن تطلب منها فتح ملاحقته، أو طرده، أو اعتقاله واستجوابه. وقد عمدت إلى اعتقال شخصيات دبلوماسية ورجال أعمال، وشخصيات نزيهة وشريفة خدمت الإمارات لسنوات. واتبعت مع المعتقلين أخس أساليب التحقيق وأكثرها إهانة لإنسانية الإنسان. لقد مارست السادية في أبشع صورها. حتى شهد الشهود بأن أساليب التحقيق التي تتبعها فاقت أساليب (إسرائيل) في همجيتها وإهانتها لكرامة الإنسان. ولم يكن هذا التحقيق وهذه الاعتقالات للدفاع عن أمن وسلامة دولة الإمارات، بل هي جهود تتم بالوكالة عن (إسرائيل) وعن سلطة فتح غير الشرعية. إن دولة الإمارات العربية الشقيقة ليست في حالة عداء مع الفلسطينيين، وما ينبغي لها أن تتصرف على هذا النحو المسيء. والأصل أن تدعم دولة الإمارات، وكل الدول العربية، جهاد الفلسطينيين ومقاومتهم بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة، لأن فلسطين لم تتحرر بعد، ولأن السلام الذي تنشده الأنظمة العربية مع (إسرائيل) لم يتحقق بعد، ولأن حماس تنوب بجهادها عن الأمة العربية والإسلامية، وما ينبغي أن يكون هذا جزاؤها. وما ينبغي أن يكون جزاء الفلسطيني الذي أمضى عمره في خدمة الإمارات أن يُطرد، وألا يحصل على مدخراته القانونية. إن هذا فِعْل اللئام. ونحن نربأ على أشقائنا العرب أن يتخلقوا بهذه الأخلاق الوضيعة. أو أن يكونوا حُرّاساً (لإسرائيل) ولو لم يجاوروها. وإن على المقاومة الفلسطينية أن ترسم قواعد جديدة في التعامل مع الاحتلال وأعوان الاحتلال أينما كانوا. فإن الدفاع عن النفس حقٌ مشروع. وعلى مَن يخشى (إسرائيل) أو يجاملها على حساب شعبنا أن يدرك أنه يخسر. وها هو كشف الحساب يُفتح في عدد من الدول العربية، حيث سقطت أنظمة عميلة (لإسرائيل)، وأخرى في طريقها إلى السقوط. ومَن يقف ضد المقاومة الفلسطينية؛ ضمير هذه الأمة النابض، فلا ينتظر إلا مزبلة من التاريخ تضمه.