أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعاملة الحسنة سواء كانت مع المسلم أو الكافر (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) و قال عليه الصلاة والسلام ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه الترمذي و قال حسن صحيح و صححه الألباني , و قال صلى الله عليه وسلم ( انما يرحم الله من عباده الرحماء ) صحيح البخاري , و قال ( المسلم من سلم الناس من لسانه و يده و المؤمن من أمنه الناس على دمائهم و أعراضهم ) رواه النسائي و صححه الألباني. فأخبر عليه الصلاة والسلام ان المؤمن من أمنه الناس ( يشمل المؤمن و الكافر و اللام للاستغراق ) و لا تناقض بين معاملة الكفار بأخلاق حسنة و بين مفهوم الولاء و البراء و بغض عقيدتهم و محاربتها , و من رحمتنا بهم أننا نعاملهم بما شرعه الله لنا فالله لا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء الا لحكمة سواء ظهرت لنا أم خفيت , و عدم التعرض لهم ما كانوا معاهدين, و أيضا من رحمتنا بهم أنهم يصرون على الكفر و نحن نصر على دعوتهم و تذكيرهم بحق الله عليهم فلا يعني معاملتهم بمعاملة حسنة أننا راضين على أفعالهم و اعتقاداتهم. ومما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كيف يحب المؤمن أخاه المؤمن , فقال (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)متفق عليه , و قال ( لا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء اذا فعلتموه تحاببتم ؟ افشوا السلام بينكم ) متفق عليه. و كما أنه امرنا بالمحبة فيما بينما كذلك نهانا عن ضده و هو البغض و العدوان , و الله لا يحب الاعتداء على حدوده في أي شيء كان و حذر من هذا الاعتداء و الظلم في عدة مواضع , فقال (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) و قال (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) و (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا). و رأينا في الأيام الأخيرة تقليل الشأن من الدماء و اراقتها و تتكرر هذه الصور و المناظر لدى الناس مما أصبح الأمر طبيعيا و لربما لا يبالي المرء كلما شاهد في التلفاز دماء المسلمين تراق هدرا , و لهذا أردنا أن نذكر و ننبه الاخوه و هذا مما أمرنا الله سبحانه فقال (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) و أيضا نذكرهم حتى يأخذوا الحذر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه)صحيح البخاري. و في حجة الوداع عندما خطب عليه الصلاة والسلام , قال (ألا إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا كشهركم هذا كحرمة بلدكم هذا فليبلغ شاهدكم غائبكم)صحيح البخاي , و قال في موضع آخر ( لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى الثلاث : الثيب الزاني و النفس بالنفس و التارك لدينه المفارق للجماعة ) متفق عليه , و قال ( لزوال الدنيا و ما فيها خير من اراقة دم مسلم ) رواه النسائي و صححه الألباني , و قال ( سباب المسلم فسوق و قتاله كفر ) متفق عليه. و الكفر هنا ليس مخرج من الملة كما ذكر الامام النووي الاجماع في شرحه لصحيح مسلم , الا اذا اعتقد انه يجوز قتل المسلم ( مستحلا لهذا الفعل ) فهذا هو كفر اعتقادي و مخرج من ملة الاسلام. و المعاهد ( مع انه كافر ) , ان قتله أحد من المسلمين متعمدا قال عليه الصلاة والسلام فيه (ألا من قتل نفسا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله ، فقد أخفر بذمة الله ، فلا يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا) رواه الترمذي و قال حسن صحيح و صححه الألباني. و ما هو بخاف على المسلمين ان الله قال في كتابه المبين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) , و الله لم يترك شيئا الا و قد بينه لنا سواء في القرآن أو السنة و لكن ربما قد يخفى على البعض أحيانا لعدم وجود دليل صريح , و لهذا قال الامام أبو عبدالله الشافعي رحمه الله : ان الله لم يترك شيئا في القرآن الا و قد بينه و لكن نحتاج الا من يستنبط الأحكام , و استدل بقوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). قال سلمان الفارسي رضي الله عنه (قال لنا المشركون : إني أرى صاحبكم يعلمكم , حتى يعلمكم الخراءة. فقال : أجل إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة ونهى عن الروث والعظام وقال : لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار) صحيح مسلم , فمن باب أولى انه عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نحمل السلاح ! فقال جابر رضي الله عنه ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسك السهم من نصالها كي لا يخدش المسلمين ) متفق عليه. و النصال هو المكان الحاد و علة مسك السهم من نصالها بينه عليه الصلاة والسلام فقال (كي لا يخدش المسلمين) و قال (لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)متفق عليه , و قال (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه) صحيح مسلم , و قال ( من حمل علينا السلاح فليس منا )متفق عليه. و (ليس منا ) معناه ( ليس منا أهل الايمان ) وفيه وعيد شديد فهي من كبائر الذنوب لما يترتب عليه من الوعيد , و ليس المعنى تكفير الفاعل و لكن انتفاء عن الفاعل الايمان الواجب و بيان شناعة الفعل و خطورته حتى ينتبه المسلم من الوقوع فيه. فكن قدوة حسنة حتى يكون لك أجر ما تدعو اليه من خير , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء , ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده)صحيح مسلم , و قال صلى الله عليه وسلم (إن لله تبارك و تعالى خزائن للخير و الشر مفاتيحها الرجال فطوبى لمن كان مفتاحا للخير مغلاقا للشر و ويل لمن جعله مغلاقا للخير مفتاحا للشر) رواه ابن ماجه و حسنه الألباني. و طوبى هي شجرة في الجنة , و كل واحد منا يقتدى به و نحن لا نشعر سواء رضينا أم أبينا و ذلك من خلال التعامل مع الناس في المنزل و العمل و الأصحاب و الأماكن العامة و أيضا (خصوصا) لدى الأطفال فهم يحسنون الظن بالكبار و يريدون أن يصبحوا مثلهم فاياك و الأسوة السيئة و اياك و المتشابهات و ضرب النصوص بعضها ببعض , فان صدر هذا الفعل بجهل فيجب التعلم و ان كان بعلم فالمصيبة عظيمة ! و قد قال عبدالرحمن بن مهدي ( لا يكون الرجل اماما يقتدى به حتى يترك بعض ما سمع )صحيح مسلم. و مما يعينك على هذا استشارة أهل العلم و متابعتهم بالحق على كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و بهذا الفعل نزلنا العلماء منازلهم و بذلك نحن أيضا نزلنا أنفسنا منازلها و عرفنا حجمنا كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم )صحيح مسلم. و العاطفة و الحماس أمر طيب و نحن مأمورون به و لو سألنا من أعطف الناس ؟ لقلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , و لو سألنا من أشجع الناس ؟ لقلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالشاهد ان الحماس و العاطفة ان لم تضبط بضابط الشرع فهنا يحصل الاعتداء و مما يؤدي الى أمور ما لا تحمد عقباه.