القبض على 5 متهمين لقيامهم بمحاولة شراء الأصوات الانتخابية    الرقابة المالية تلغي تراخيص 260 جمعية ومؤسسة أهلية للتمويل متناهي الصغر    «عبدالعاطي» لرئيسة البرلمان الألماني: يجب بدء خطوات إعادة إعمار غزة    كأس العرب| العراق يتقدم على البحرين بثنائية في الشوط الأول «شاهد»    توغل قوات إسرائيلية في عدة قرى بريف القنيطرة الجنوبي بسوريا    الحكومة الإندونيسية تعزز جهود مكافحة الفيضانات في أتشيه تاميانج    مباحثات مباشرة لأول مرة بين إسرائيل ولبنان.. ما الهدف؟    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    موعد مباراة مصر والإمارات في كأس العرب.. والقنوات الناقلة    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا ونستعد بقوة لمواجهة فلسطين    فيدريكو جاتي يغيب عن يوفنتوس بسبب إصابة الركبة    «التموين» تواصل حملاتها الرقابية على الأسواق    مشادة جيرة تنتهى بإطلاق نار فى الإسماعيلية.. والداخلية تضبط المتهم والسلاح المستخدم    الداخلية تضبط شخصا بحوزته بطاقات شخصية بمحيط لجان في قنا    معتزة عبد الصبور: خالد النبوي الابن البار لكل من سبقوه    أحمد المسلماني: شكرا لكل من تفاعل.. وملتزمون بالعمل من أجل إعلام وطنى قوى    افتتاح وحدة عناية مركزة للأطفال بمستشفى كفر البطيخ المركزي    إبراهيم قاسم: قرارات الهيئة وتوجيهات رئيس الجمهورية رفعت ثقة الناخبين وقللت المخالفات    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    من الفئات المستحقة لإضافة المواليد على بطاقات التموين؟ .. اعرف التفاصيل    رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالزراعة: لا توجد دواجن مريضة في الأسواق.. واتهامات السردة إشاعات    المفوضية الأوروبية تتقدم باقتراح بشأن قرض لتمويل تعويضات لكييف    رومانو: برشلونة سيجدد تعاقد جارسيا لمدة 5 مواسم    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    عاجل- الحكومة: 6.3 مليون مواطن استفادوا من خدمات هيئة الرعاية الصحية خلال 6 أشهر    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    محافظ الجيزة يتفقد أعمال تطوير حديقتي الحيوان والأورمان (صور)    استراحة في كأس العرب - الجزائر (0)-(0) السودان.. نهاية الشوط الأول    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    ضبط سيدتين بحوزتهما كروت دعاية انتخابية بمحيط لجنة في دمنهور قبل توزيعها على الناخبين    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    ضبط 1000 علبة تمرهندي مجهولة المصدر في حملة تموينية ببني سويف    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. انتصار السيسي: وجودكم يضيف قيمًا وإنسانية وجمالًا لا يُقدّر بثمن    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطة بين الحق والعنف
نشر في شباب مصر يوم 28 - 04 - 2011

"ان السلطة توجد عندما يفعل الناس معا وانها تتلاشى عندما يتشتتون."
ان وضع الفرد تراجيدي وان حياة الشعوب تخفق بالنشاط والصيرورة وان روحهما تنقسم الى ثلاثة أبعاد التفكير والارادة والحكم، وان الهدف الأول من الثورة التي تنجزها الذات الجماعية هو التخلص من الجهاز التسلطي العجيب الذي يغوي الحشود ويقوم بصهرهم ودمجهم ضمن فعل مشترك واحد Agir en commun unique .
لكن يجب أن نبدأ بعد أن نستفيق من غفوة الحماسة التي غمرت محبي النوع البشري وأن نفسح المجال للشبيبة الأبية أن تظهر قدراتها على تحمل المسؤولية السياسية.
ان التفكير السياسي المستقبلي هو التفكير ثوري يقطع مع الحنين البدائي الى الأصول ولكنه في نفس الوقت تفكر بدئي يتعفف عن التاريخانية والتطورية ولا يعيد تقييم التحولات على ضوء المعايير القديمة بل ينطلق نحو . كما أن السياسة الثورية من هذه الزاوية تكون مشروعا طويل المدى وان ديدنها هو تثبيت الحياة الحسنة لدى الناس من حيث هم كائنات آدمية فانية تفكر في الأبدية وغير راضية بالخلود.
"ان السياسي هو المكان الذي يلتقي فيه القابل للتلف مع الهش" وان النقطة الهشة في المشروع السياسي هي عرضته الى التلف ويفسر ذلك بأن السلطة الشرعية هي دائما ثمرة فعل مشترك وأن الفعل المشترك لا يدوم الا باستمرارية التفاهم والتعاون بين الأفراد التي تتشكل منها الجماعة السياسية وأن ظهور بذور الشقاق والتنازع كفيل بأن يفسد كل شيء ويفقد السلطة مشروعيتها ويتهدم الكيان السياسي.
ان السلطة والسيادة والعنف تتنزل في الشغل والصناعة والفعل من حيث هي مفاهيم تحليلية للحياة النشطة لدى الانسان. ان الهيئة السياسية تظل هشة وقابلة للتلف والضياع ما دامت لم ترتكز على الشرعية الثورية ولم تحظى بالأجماع الشعبي والاقتناع التام للمواطنين الأحرار. وهذه الهشاشة مرتبطة بتشبث الأفراد تحصيل الخير وتعرض قيمة الحق للتهديد عندما يتحول استعمال القوة الى عنف. ان العنف ليس من ضرورات السلطة وان السلطة الحقيقة لا تتعمد بشكل أساسي على الاستعمال المشروع للعنف. بل كل من المفهومين هما على طرفي نقيض. ان التعريف العلمي للحكومة يرى أنها ترتكز على الرأي العام والاجماع والتفاهم والاتفاق والاقناع والرضا وليس على الهيمنة والتخويف وممارسة التعسف والارهاب.
"ان السلطة لا توجد الا عندما يتم توجيه فعل مشترك بواسطة صلة مؤسساتية معترف بها".
ان الخطأ هو تعريف السلطة بكونه علاقة تحكم وخضوع أو بعبارة أخرى صلة أمر وطاعة لأن قبل السلطة على... تأتي السلطة ضمن...وبالتالي تشتق السلطة من المقدرة على الفعل المشترك أساسا. ان الأفراد يحوزون على طاقة ولكن الجماعات عبر فعلها المشترك تحول تلك الطاقة الى سلطة. ان العنف هو استثمار هذه الهشاشة بواسطة مشروع أداتي يخدم مصلحة فئة ضد مصلحة الجميع.
غير أنه يوجد ضعف آخر هو ثنائية السلطة المدنية والسلطان الروحي ومدينة الأرض ومدينة السماء ويسقط السياسي في متاهة كبيرة حينما يبحث عن استحضار العلاقة بين السلطة التي تستمد من ارادة الشعب واتفاقه والنفوذ الذي يستمده الحاكم من التقاليد. ان النفوذ ينتج في حقل الفعل علاقة توسطية عير عنيفة وغير قوية تتحدد ذاتيا من طرف المحكومين وتتخذ شكل دعوى مباشرة.
ان النفوذ يأتي من الأعلى ، من هناك ، من بعيد ومن فوق السلطة ، ولكنه يتوسط السلطة غير قابلة للقسمة بواسطة دعوى حكومة متميزة عن المحكومين وتراتبية. ان المطلوب هو القضاء على النفوذ بعد الثورة بتفكيك المنابع التقليدية التي يتغذى منها وهي الميتافيزيقا والتيولوجيا والأنطولوجيا.
ان الثورة قد جعلت السياسات المتعالية والبعدية والخارقة تتحطم ونادت بعري السياسي وطهارته وتمدده على الصعيد الأفقي وسمحت الى النفود بأن يفد من خلال السلطة وان المدينة مدعوة الى أن تشيد نفسها بنفسها من خلال جعل النفوذ يستمد من سلطة الشعب ولا مصدر متعال وخارجي ومبني للمجهول.
كما حذرت الثورة نادت بإنقاذ الأفعال الانسانية من عبثية المصنوعات وتعرضها للتلف والنسيان وذلك عن طرق الانخراط في لعبة المؤسسات الحرة والمقنعة بعد اتفاق واجماع.
ان الأمر لا يتعلق بذكر مدن فاضلة وجمهوريات مثالية تنتمي الى عصور ذهبية بل يتوقف على مشروع مستقبلي يقوم على تحالف بين الحرية السياسية بماهي اتفاق عضوي مع المدونة الدستورية والحرية الدينية بماهي امكانية ابتداء شيء معين في العالم. ان الحرية الحقيقية تنبع من مقاومة الشمولية ومواجهة الهشاشة وتحدى القدر.
"ان الفكر الثوري هو انسانوي ... ونحن أيضا أناس ونكون دعامة لكل ثورة" لكن ماذا سيفعل الثوري بأعدائه؟ هل سيحاسبهم باسم المنطق الثوري أم سيصفح عنهم ويدمجهم باسم المنزع الانساني؟
ان التخلص من هيمنة الحاكم على المحكومين ومن استغلال الانسان للإنسان لا يتم بشكل نهائي الا بإقامة نظام قانوني وعقلاني قادر على امتصاص العنف وتحييد أطراف النزاع.
ان تحديد الحقل الدلالي الذي تشتغل ضمنه مقولة الهيمنة يقتضي التمييز بين السلطة والقوة والقدرةpuissance والنفوذAutorité والتراث. ان السلطة ليست البتة خاصية فردية بل تنتمي الى المجموعة وتستمر موجودة حتى في ظل الانقسام والتنازع ولكنها تضعف وتنقص عندما يحتل العنف الساحة وتقتصر على العلاقة القائمة بين الأمر والطاعة أينما كانت.
ان الفعل يمتلك مقصدا سياسيا بينما السلطة ليست سوى التعبير الشعبي عن الفعل، كما أن الفعل هو النشاط الوحيد الذي يطابق التعددية كحقيقة الشرط الانساني ويضع الناس في علاقة مباشرة دون وساطة المادة أو الأشياء. ان الرأي وليس الحقيقة هو واحد من الركائز الضرورية لكل سلطة. لكن اذا كان محرك الفضاء الخاص هو التملك والاشهار والاستهلاك فإن محرك الفضاء العمومي هو الرأي والتراث والانفتاح والتعددية.
ان النفوذ يتطلب الاعتراف والاحترام وليس الاكراه والاقصاء كما هو الشأن عند السلطة، ولذلك يبدو من المنطقي التفكير في ثلاثية الدين والتراث والنفوذ. ان النفوذ هو العنصر الثابت والمتواصل والقادر على ايجاد التماسك في المجتمع حتى في ظل تراجع دول السلطة خاصة وأنه يحتكم الى التراث والتقاليد والهوية الثقافية للأفراد.
ان الأمر يتعلق بنفوذ متعال للقيم الأخلاقية والجمالية والمعرفية مثل الخير والحق والجمال حينما يقتضي الموقف القيام بتأسيس أصلي Fondation originale يدشن لولادة كيان سياسي ومجتمعي جديد وحينما يكون فعل التأسيس مسألة مصيرية وحاسمة بالنسبة الى مستقبل الشعب وقواعد اللعبة السياسية التي سينخرط فيها الفاعلون والقوى الرئيسية.
ان المعضلة القائمة تتوقف على تقليد التجربة التي خاضها المشرعون الأوائل حينما أسسوا جسما سياسيا ناشئا دون عنف وبالاعتماد على الدستور.
هكذا يكون التقليد والسلطة والتأسيس والاحياء survivant وهي كلها عناصر ضرورية لاشتغال السياسي بشرط أن يتعلق الأمر بتقليد النفوذ وليس بنفوذ التقليد وذلك لكي يتحرر التأسيس من التفويض ويصبح اتفاق واقتناع ومشاركة. " ان لفظ "الاحياء يتضمن عنصرا مات أو يجب أن يكون لا يزال بعد على قيد الحياة" . "ان الصفح هو وضع معاد وعطاء جديد وما يقطع النتيجة عن الضرورات والذي يبدأ...الصفح ضد القطع" .
ان المطلوب هو التصافي والصفح بين قوى الشعب الثائرة والشروع في تنشيط الذاكرة النضالية والوفاء للذات الجماعية واعادة احياء الانتماء الى الجماعة السياسية الكبرى. لكن هل يجوز العفو في ظل الذنب الاجرامي؟ وهل يمكن الغفران بعد ممارسة الشر السياسي؟
المراجع:
Colloque Hannah Arendt, politique et pensée ,éditions Payot & Rivages, 1989.
J-P- Sartre, situations philosophiques, matérialisme et révolution, éditions Gallimard, 1976.
Paul Ricoeur, Lectures1, autour du politique, éditions du seuil,1991.
كاتب فلسفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.