بعض الأنظمة العربية تنازلت قليلاً وسمحت للمعارضة ولعامة الناس التعبير عن آرائهم، بل وشتم القادة والرؤساء والسخرية منهم، قل ما تريد وتكلم بما تشاء وعارض كما تحب، لكن لا تحلم يوماً أن نأخذ برأيك ولو أيدك كل الشعب، ولا تحلم يوماً بأن تأخذ كرسي الرئاسة أو تصبح رئيساً للوزارة. مكانك في المعارضة من الميلاد إلى الممات، نحن نعطيك حرية التعبير عن ضيقك واشمئزازك، أليست هذه الديموقراطية التي تطالبون بها؟ لا يا سادة ليس هذا ما يريده الناس، الناس لا تريد الانترنت والفيسبوك لكي تفش غلها وتعبر عن إحباطها، لا تريد التنفيس عن غضبها، الناس ليسوا مرضى نفسيين يريدون متنفساً للتعبير عن غضبهم وحسب. الناس تريد المشاركة باتخاذ القرار، الناس تريد أن يكون لها دور في تحديد مصائرها، الناس تريد تداول السلطة، الناس لا تريد نفس الوجوه تتربع على كرسي الرئاسة لعقود وكأن الأمة لم تنجب إلا سيادته أو جلالته، الناس تريد حاكماً خادماً لها وليس خادماً لمصالحه ومصالح حاشيته. الناس تريد أن تحاسب الحاكم وأن تحاسب المسؤول، والمسؤول من اسمه يجب مساءلته: ماذا فعلت؟ ولماذا أخفقت؟ ولماذا لم تنجح؟ ويجب عليه أن يجيب، الحاكم هو موظف عند الشعب، ولنا في الخليفة العادل عمر رضي الله عنه قدوة عندما اعتبر نفسه محاسباً على البغلة التي تعثر في العراق، لم يقل أن عثرتها "قضاء وقدر" – طبعاً كل ما في الدنيا قضاء وقدر، لكن ما نرفضه أن تكون هذه الكلمة شماعة تعلق عليها اخفاقات النظام واخفاقات الحاكم. ومن ضمن محاسبة الحاكم ومحاسبة المسؤول عزله وانتخاب غيره، ليس فقط إن كان فاسداً أو سيء السيرة والسلوك، بل في حال حاول ولم ينجح في إدارة دفة الأمور كما يجب، وأكثر من ذلك في حال فقد قدرته على الابداع الذي تميز فيه أول حكمه فمن واجبه التنحي، فالحكم والمسؤولية هو تكليف وليس تشريف، فليعتزل الحكم وليشرفه الناس وهو متقاعد.