بدأت الأسبوع الماضي الحديث عن فترة الولاية الجديدة.. الخامسة للرئيس حسني مبارك.. ذكرت إيجابيات لاحظتها خلال الفترة الأخيرة، منها قراره بمنع تهنئته بإعلانات مدفوعة الأجر بأجهزة الإعلام.. وعدم تعرض الشرطة خلال الشهر الأخير للتظاهرات التي قامت ضده وهي تهتف بسقوطه في ميادين القاهرة الرئيسية! وهناك صحف مستقلة ظهرت أخيراً تهاجمه بقوة، وتنتقد ابنه جمال مبارك، وتحذر من نظام التوريث، وتحويل مصر إلي جمهورية ملكية! ومازالت تتمتع بحريتها حتي هذه اللحظة، والله أعلم ماذا يمكن أن يحدث غداً. ومنذ أيام أعلنت وزارة الداخلية عن بدء اتخاذ إجراءات لإطلاق سراح 1500 من سجناء الرأي.. مع ملاحظة أن عدد المعتقلين السياسيين في مصر يبلغ 17 ألف معتقل كحد أدني!! وفي مقابل تلك الخطوات "المشجعة" فهناك سلبيات عدة موجودة في النظام الحاكم "لا تشجعك" علي التفاؤل!! فحكم الرئيس مبارك اعتمد دوماً علي الأحكام العرفية والطوارئ والقبضة البوليسية، فهل يمكن لعقلية ظلت تحكم بهذه الطريقة 24 سنة أن تتغير سريعاً أو حتي علي المدي الطويل؟؟ وهناك من يتخوّف من أن يكون بديلاً لقانون الطوارئ قانون أسوأ منه يضع قيوداً ثقيلة علي الحريات العامة، ويصبح جزءاً من التشريع المصري، وينضم إلي سلسلة القوانين سيئة السمعة التي تحكم بها مصر.. ويخشي هؤلاء أن يأتي يوم يترحم فيه الناس علي الطواريء!! والانتخابات الرئاسية التي جرت في أرض الكنانة مؤخراً تمت بناءً علي تعديل في المادة 76 من الدستور، وترزية القوانين قاموا بصياغة المطلوب منهم بطريقة شيطانية تغلق الباب أمام أي تنافس حر حقيقي علي رئاسة الدولة!! والمعروف أن الغالبية الساحقة من المصريين لا ينتمون إلي أحزاب سياسية، وجاء التعديل الدستوري ليفرض شروطاً تعجيزية لمن أراد ترشيح نفسه بعيداً عن أي حزب، وأغلقت الباب في وجه المستقلين وهم يمثلون 99% من الشعب المصري، بينما سمحت ل 1% فقط بالترشيح وهم قادة الأحزاب، وهو سماح مؤقت لأن هؤلاء ستفرض عليهم قيود ابتداء من الانتخابات الرئاسية القادمة!! فهل تتصور أن تكون هناك ديموقراطية حقيقية في ظل تلك الأوضاع؟؟ كان من الطبيعي جداً أن يفوز الرئيس مبارك دون أي مشاكل بسبب غياب المنافسة الحقيقية.. والخلاف تركز فقط حول النسبة التي سيحصل عليها!! الراغبون في التغيير تطلعوا إلي أن يفوز رئيس مصر بنسبة 70% في أول سابقة من نوعها في العالم العربي! فلم يسبق لحاكم عربي أبداً أن فاز بهذه النسبة! ودوماً لابد أن يكتسح.. بالذوق أو بالعافية لابد أن يحصل علي ما يشبه الإجماع!! وجاءت النتائج مخيبة لأمال من تطلّع إلي الديموقراطية، فالانتخابات المصرية شهدت الاكتساح المشهود، وفاز الرئيس بنسبة 88%، وتردد الهتاف الكريه الذي أودي بالعالم العربي إلي التهلكة.. بالروح والدم نفديك يا ريس!! ولا توجد دولة حرة في الدنيا فيها تلك النغمة، بالروح والدم. فإذا رأيتها اختفت من بلد عربي وشهدت تنافساً ساخناً علي الرئاسة، فاعلم أن تلك الدولة العربية محظوظة، وعقبال الباقي من بلاد أمجاد يا عرب أمجاد!! وحتي هذه اللحظة لا يوجد شعب يختار حاكمه بحرية "من المحيط الهادر إلي الخليج الثائر"! وإذا سألتني: هل فقدت الأمل؟ ما تحلم به سيتحقق ولكن "في المشمش"!! بالتعبير المصري الدارج.. يعني عليك الانتظار طويلاً جدا!! وهذا القول أتردد في الموافقة عليه! فالدنيا تغيرت! مصر اختلفت عن زمان.. هناك حرية في الشارع السياسي لم تكن معروفة حتي نهاية القرن العشرين الميلادي! من كان يصدق أن تنطلق مظاهرات بقلب القاهرة تهتف بسقوط رئيس الدولة دون أن تطلق عليها الشرطة الرصاص أو علي الأقل الغازات المسيلة للدموع! لكن وقع ما لم يكن بالحسبان حيث أخذ المتظاهرون حريتهم كاملة في الاحتجاج، وهذا المشهد فريد من نوعه ولا تراه إلا نادراً في العالم الإسلامي كله.. وبعد يومين يحلف الرئيس مبارك اليمين الدستورية في جلسة خاصة للبرلمان، وقد أعدت المعارضة المصرية عدتها للاحتفال بهذا اليوم علي طريقتها الخاصة، وقررت النزول إلي الشارع مرة أخري، والتظاهر في ميدان طلعت حرب بقلب القاهرة.. وهي تهتف بسقوط الرئيس من جديد.. تري هل سيمر هذا الاحتجاج الشعبي بسلام كما حدث من قبل أكثر من مرة؟ تحديداً.. ثلاث تظاهرات صاخبة أم أن الدولة سترفع شعار: التالتة تابتة !! بالتعبير الدارج.. يعني ثلاث مرات كفاية قائلة لحركة كفاية .. كفاية!! وهذا التساؤل سأخبرك بإجابته الأسبوع القادم بإذن الله، لأنني قررت متوكلاً علي ربي المشاركة في تلك التظاهرة.. وكنت قد شاركت في كل الاحتجاجات السابقة وإذا سألتني: وأنت مالك!! وظيفتك الكتابة وتوعية الناس. فلماذا الشغب؟ أقول لك ارجع إلي عنوان مقالي لتعرف السبب: القيود الثقيلة تعوق المسيرة المصرية .. والحرية ليست ببلاش!! بل تأتي بكل وسائل الضغط الشعبي مثل التظاهرات السلمية، والاحتجاج بالقلم عبر ما يكتبه الكاتب الحر.. وأنت إذا انتظرت حرية بالأمريكاني أي قادمة بضغوط من البيت الأبيض فاعلم: أنها ستكون محدودة، وبما لا يؤثر علي مصالح الولاياتالمتحدة أو يهدد أصدقاءها! فهي إذن ديموقراطية علي المقاس! يعني شكلية.. والمؤكد أن الإصلاحات الحقيقية تأتي من الداخل، والضغوط الخارجية تساعد عليها وليس العكس!! فلا يعقل أن ينام شعب في العسل، ثم يطلب حريته معتمداً "علي بلاد برة"!!.. وهناك من يزعم أن الناس لا تريد حرية ولا ديموقراطية! تبحث فقط عن قوت يومها، وما يوفر لها حياة معقولة،.. وهذا بالضبط ما يردده الاستبداد في كل مكان! يراهن أن الشعب غير مهتم بالسياسة، بعدما تم إجبارهم علي الجلوس في مقاعد المتفرجين.. وتكفيهم لقمة العيش!.. تري هل هناك فارق بين الإنسان والحيوان في هذه الحالة؟؟ وكيف يمكن أن ينجح إصلاح اقتصادي دون أن يصاحبه تغيير حقيقي في المسار السياسي؟.. أري الإصلاحات مرتبطة ببعضها لا تنفك إحداها عن الأخري وإلا كان مصيرها الفشل في النهاية، وتجربة "ناصر" الاشتراكية في مصر خير دليل حيث انهارت بعد وفاته.. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين! لكن العرب لدغهم الاستبداد مرات عدة ولم يتعظوا!! ------ صحيفة الراية القطرية في 25 -9 -2005