الآن والدولة في إعادة بناء جديد ما بعد 25 يناير 2011، هناك من يريدونها دولة دينية وآخرون يريدونها دولة علمانية. كل واحد يريد للدولة الجديدة أن تكتسي بردائه، ظناً منه أنها دولته هو، قدم لها أكبر التضحيات، ويجب تفصيلها على مقاسه هو، وظناً منه أيضاً أن الآخرين هم مجرد امتداد له، أو أنه نموذجاً مصغراً لهم ولأمانيهم وتطلعاتهم، وإن أقر بوجود آخرين مخالفين له، لكنهم في جميع الأحوال لا يزيدون عن أقلية لا يجب أن تفرض إرادتها على الأغلبية. إذا قلت أنني أريدها هذه أو تلك، فبالتأكيد أنا أقصي آخرين منها، أو على الأقل أضعهم في موضع المواطنين من الدرجة الثانية. لكنني بالفعل مللت الإقصاء والتهميش. لا أريد أن أقصي أو أهمش أحداً، كما لا أريد من أحد أن يقصيني أو يهمشني بعد اليوم. أريد أن أعيش بحرية حين أختار أن أعيش عيشة المتدين، سواء المسلم أو المسيحي أو خلافه. وأريد أن أعيش بحرية حين أختار أن أعيش بغير دين أصلاً. الضمان هو وجود الدستور الذي يكفل لكل واحد أن يعيش عيشته الخاصة بحرية، دون أن يتعدى هو على الغير، ودون أن يتعدى الغير عليه، ودون خروج أي منهم على القانون والنظام العام. الدستور ذو الصبغة الإسلامية أو المسيحية أو أية ديانة أخرى لا يضمن ذلك، لأنه بالضرورة يقصي ويهمش أصحاب الديانات الأخرى، ناهيك عن معاملته لعديمي الأديان. كذلك الدستور ذو الصبغة الإلحادية (مثل النظم الشيوعية السابقة)، أو العلمانية (مثل النظام التركي القريب)، يعتدي بالضرورة على حقوق وحريات المتدينين في ممارسة دياناتهم. نريد دستور يضمن حرية العبادة، أياً كانت، ويضمن في الوقت ذاته حرية اللاعبادة، وكليهما في إطار النظام العام الذي يضمن التعايش السلمي للجميع واحترام حقوق وحريات الآخرين والآداب العامة. حتى يعيش أبناؤها أديانهم بحرية، لا مفر من أن تكون الدولة بغير دين. سمها ما شئت، لكن هذا هو الضمان الوحيد لحريتي، وحريتك.