حذرنا كثيراً النظام الحاكم في مصر من غضب الشارع، ولم يستمع إلينا، وكان يأخذ كلامنا على أنه أضغاث أحلام، ظناً منه بأن الشعب المصري خانع وجبان، ومنهك من كثرة الأعباء وغلاء المعيشة الذي افتعله لكي لا يعطي فرصة لأحد أن يتكلم في السياسة أو أن يذكر أخطاءه. هذا النظام الذي أجبر الشباب على العمل في أكثر من مكان كي يستطيع أن يأتي بالمتطلبات اللازمة للحياة الكريمة. هذا النظام الذي أجبر شباباً في ريعان الشباب كنا نصفهم دائماً بالسطحيين، وأنهم غير قادرين على تحمل المسؤولية، لأن أكثرهم يضيع وقته أمام أجهزة التلفاز أو الكمبيوتر أن يفعلوا ما لم نستطع فعله، وخرجوا عليه مطالبين بحقوقهم المشروعة التي سلبها منهم طيلة ثلاثين عاماً. هؤلاء الشباب، أخجلونا بفعلتهم العظيمة هذه، لأنه كان من الواجب علينا فعلها قبلهم، لأننا عشنا في هذا الظلم والاستبداد أكثر منهم، فقد رأينا بأعيننا، وسمعنا بآذاننا أموال مصر وهي تذهب إلى أشخاص اختارهم النظام، وكنا منذ وقت قصير لم نسمع عنهم شيئاً، وفجأة وبعد التحاقهم بالحزب الوطني سطع نجمهم، وأصبحوا رجال أعمال، يملكون ملايين، بل مليارات الدولارات، من قوت الشعب. هؤلاء الشباب، الذي سطروا أسماءهم بحروف من نور على صفحات التاريخ، لن تنس لهم الأجيال المقبلة هذا الفعل العظيم، الذي انتظرناه كثيراً، وجاء الوقت المناسب كي تنقشع الظلمة، وتقوم مصر من غفوتها، لتثبت للعالم أن شبابها أحياء لم يموتوا، وأن الدم يجري في عروقهم، ولكنهم كانوا يمنحون النظام الفرصة تلو الأخرى حتى يغير من أسلوبه الخاطئ، إلا أنه أخذته العزة بالإثم، ولم يرتدع، ظناً منه بأن عصا الأمن، التي حكم بها البلاد ثلاثين عاماً، خروجاً على القوانين والأعراف الدولية، تسيطر على الوضع، وأن الشباب في مصر أصبحوا يخافون من رجال الأمن، لقسوتهم في التعامل معهم. خرج هؤلاء الشباب عن بكرة أبيهم في اليوم الموعود «الخامس والعشرين من يناير»، أفراداً وجماعات، في صفوف متلاحمة، لم تفرق بينهم ديانات، أو انتماءات سياسية، يجمعهم حب الوطن، إلى الشارع، رافعين شعار «لا للظلم.. لا للاستبداد.. لا للتوريث»، تراهم، وكأنهم ملائكة أرسلها الله تعالى لإنقاذ مصر من يد هذا الحاكم المستبد، الذي أهدر مال مصر في غير موضعه. وعلى الرغم من أنهم خرجوا غاضبين، رافضين الظلم والاستبداد، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على ألا يعتدوا على الممتلكات، سواء كانت خاصة أو عامة، وكل ما يهمهم هو تغيير النظام الحاكم، حتى لو أدى ذلك إلى استشهادهم. وعلى الرغم من أنهم خرجوا في مظاهرات سلمية، لا يحملون السلاح، ولم يعتدوا على أحد، وأعلنوا هذا صراحة، إلا أنهم لم يسلموا من بطش رجال الشرطة، وقد مات وأصيب جراء هذا الاعتداء الآثم الكثير منهم. هذا النظام المستبد، يرى وطنه يحترق أمام عينيه، والشرر يتطاير من أعين الشباب، ومع ذلك لم يتخل عن الحكم بإرادته، ويصدر المراسيم بفرض حظر التجوال، وإنزال المؤسسة العسكرية إلى الشوارع، وتعيين نائبٍ له، ورئيس حكومة، على أمل البقاء في الحكم، على الرغم من أنه يعلم أن أيامه في الحياة معدودة. فتحية إلى هؤلاء الثوار، وتحيا مصر عزيزة شامخة، مرفوعة راياتها في الآفاق، ونصرها الله بأبنائها، وكتب لها الخير والخروج من هذا المأزق على خير. محمد أحمد عزوز كاتب مصري