وعكة صحية آلمت بالملك عبد الله بن عبد العزيز ، رجل في السادسة والثمانين ، عُرف عن آل سعود أنهم ذوو عقول حصيفة والكبر في العمر لا يؤثر على قراراتهم المصيرية. الملك حين يغادر المملكة إلى دولة مجاورة كالإمارات العربية المتحدة من أجل العلاج ، حيث يصعب على مشافي المملكة وطواقمها الطبية الخبيرة إدارة منهاج علاجي وقبلهُ كشفي لحالة الملك وحين تصعب على الخبرات الطبية الأجنبية في الإمارات حالة الملك الصحية ليضطر سريعا المغادرة صوب الولاياتالمتحدةالأمريكية ، يعني ذلك أن في الأمر شيء يجعلنا نبحث بين سطوره أو محاولة قلب عناوينه مثلاً ، خصوصا أن ولي العهد يعود سريعاً من المغرب بالتزامن مع مغادرة الملك ارض الجزيرة. صورة الملك على كرسي متحرك ، مُقعد ، الجميع في توديعه ، ماذا يكمن خلف الصورة؟ مؤامرة؟ كيف ومتى ومن من ؟ والأهم ، لماذا؟ حين أحاول فك طلاسم ورموز وأسرار الأسئلة الآنفة الذكر فأنني سأبدأ من النهاية لأنتهي بالبداية، لما هذا الشعور بالمؤامرة ... بدأت المشاكل تحيط بعرش الملك عبد الله منذ منتصف العام 2007 ، حين تحول فقه المملكة السياسي من الاعتدال اليميني المغلق إلى الاعتدال اليساري المفتوح ، والاعتدال اليميني هو مشاركة سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية بكل ما تملك المملكة من ثقل الذي كلفها هذا النوع من الاعتدال الكثير من مستوى الاحترام في صفوف الشعب العربي والمجتمع الإسلامي الذي يجد في السياسة الأمريكية المتماهية تماما مع سياسة الكيان الصهيوني والتي عملت على احتلال أفغانستان والعراق عدوة له ، آخر الاصطفافات ضمن بقعة الاعتدال اليميني المغلق ، الهجوم السياسي والإعلامي والمنابري على حزب الله أبان حرب تموز 2006 وما تلاها من أجواء محتقنة بين الطرفين أطرت بثقل تصاعد الوتر الطائفي في المنطقة ، ثم ما لبثت ان تغيرت السياسية السعودية نحو رقعة الاعتدال اليساري المفتوح وذلك من خلال تطور العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع سورية – محور دول الممانعة- وتكامل العلاقة الشخصية بين الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله ، وانطلاق حوارات عميقة بين الجانبين بعيداً عن أضواء الإعلام والتصريحات الرسمية ، حينها بدأت المراهنة الأمريكية على أضعاف المشروع السوري المقاوم والداعم للتحرر والوحدة في المنطقة وتحويل مساره نحو مسار الاعتدال وفك الارتباط الاستراتيجي مع إيران التي تجدها المملكة المشروع الأخطر في المنطقة على مصالحها ومستقبلها. غير ان السياسة السورية كعادتها راهنت على مليء الفراغات في العلاقة الايجابية مع المملكة وربط السعودية بشخص مليكها مع الشعور المتصاعد لدى عامة الناس في المنطقة العربية والإسلامية المتماشي مع دعم المقاومة وإيقاف اي تقدم للمشروع الأمريكي. زيارات وتنسيق وتحديد مواقف ، من الجانبين السعودي والسوري بات من خلاله واضحاً إن الرهان الأمريكي فاشلاً كمشروعه ، المملكة معتدلة من جانب المقاومة ، ومتمسكة ذات الوقت أيضا بورقة اعتدال متوازن مع المشروع الأمريكي ، الحبر الأوفر فيها للمملكة وليس لإدارة البيت الأبيض. الثقل الذي أسس له الملك عبد الله وانحيازه الواضح خلال العام الحالي نحو خطة التقارب السورية- الإيرانية – السعودية – التركية والتوافق المشترك على لبنان والعراق وفلسطين سبباً للمؤامرة ، هذا على المستوى الخارجي. أما داخلياً فقد كان واضحا ما عرّف على انه خطوات إصلاحية مهمة ، في مجال البيعة واختيار ولي العهد من خلال إحداث 'هيئة البيعة' ، التي عبرّت عن رغبة العاهل السعودي في توسيع هامش المناورة التكتيكية بين أقطاب الأمراء، الذي كان ضيّق النطاق حيث يحتكره عدد محدود لا يتجاوز العشرة من كبار أبناء عبد العزيز، وخاصة مجموعة 'السديريين الستة'، الذين كانوا سبعة قبل وفاة الملك فهد سنة 2005 ، علاوة على ذلك الانطلاق إلى رحاب أوسع وذلك بإعطاء فسحة من الحرية لرئاسة (هيئة حقوق الإنسان) الحكومية التي انتقدت بدورها في تقريرها الأخير عددا من الخروقات في عمل وزارة الداخلية ، وتجاوزات (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في الاعتقال التعسفي والتدخل اللا قانوني بالحياة الشخصية للفرد ، إضافة الى حصر الفتوى والتي شكلت لوقت قريب مشكلة اجتماعية تهتك بالمجتمع الإسلامي الذي ينظر الى السعودية على أنها بيتاً واسعا وركيزة للدين ، إذ منع الإفتاء علانية وحُصر في مجلس للإفتاء الملكي الشيء سيجعل من الفتوى تحت رقابة سياسية تدخل في عوامل إطلاقها رؤية إستراتيجية مدروسة. وداخلياً أيضا ، فقبيل مغادرة الملك للعلاج، عين نجله الأمير متعب رئيساً للحرس الوطني وعضواً في مجلس الوزراء ، وفي واحد من قراءات هذا القرار، يرى البعض أنّ الملك عبدالله يسعى إلى إقامة نوع من التوازن بين مؤسسة عسكرية يقودها نجله وأخرى أمنية استخباراتية يقودها بندر بن سلطان، الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، الذي عاد إلى المملكة قبل أيام بعد غياب أقرب إلى النفي، استقبله في المطار حشد من الأمراء البارزين في أشارة لاحتمال تشكيل حلف ما. كل ذلك وعلى الصعيدين المذكورين خارجياً وداخلياً ، يتأكد لنا مبدأ المؤامرة. لكن مِن من؟ المستفيد الوحيد من الإطاحة بعرش العاهل السعودي الملك عبد الله هي الولاياتالمتحدةالأمريكية ، لا تقارب سوري – سعودي يحسب إلى إيران ، لا إصلاحات تعطل سير المملكة نحو بقاءها ضمن بودقة النظام الأمريكي الاقتصادي خصوصا أنها تمتلك ربع احتياطي العالم من النفط؟ متى المؤامرة؟ الآن ، بغض النظر عن مستوى التحريك الأمريكي لبعض أعمدة المملكة ، غير انه بدا واضحاً من البعض محاولة الحصول على الأصوات الحاسمة ، قصرت فترة علاج الملك ام طالت. كيف؟ هذا ما توضحه عجلة الغيب ... إن كان هناك مؤامرة؟