"لا تحدث نهضة سينمائية حقيقة بدون كُتاب للسينما لديهم وعى ورؤية واشتباك وكشف الحجب عن مجتمعاتهم، ويعد السيناريست ناصر عبدالرحمن أحد هؤلاء فقد قال عنه أستاذه ومعلمه الأول الكاتب الراحل محسن زايد: "أنه سيكون علامة فارقة فى السينما المصرية، لأنه يحمل جرابا مليئا بالحكايات الثرية والمدهشة فهو أول دفعته فى معهد السينما، وقد اختار المخرج يسرى نصرالله مشروع تخرجه (المدينة)، ليقدمه فى السينما ويحصل من خلاله على جوائز ثم بعدها توالت أفلامه ونجاحاته بداية من (هى فوضى)، مع المخرج الكبير يوسف شاهين ثم أفلامه مع خالد يوسف (حين ميسرة ودكان شحاتة وكف القمر) التى كانت دائما تحمل النظرة المستقبلية الاستشرافية لما سيحدث فى مصر وفى حواره مع "اليوم السابع"، يتحدث عن مصر التى يراها مستقبلا وعن مشاريعه القادمة وعن كتابه (حشيشة) الذى يتناول فيه فكرة بيع الوطن، بالإضافة لآرائه الجريئة فى الإخوان والسيسى والبرادعى. *دائما أفلامك كانت تحمل الحس التحريضى على الثورة أو التوقع بحدوث ثورة، فهل هذا كان قراءة منك للمستقبل واستشراف لما سيؤول به الواقع؟ هذا السؤال دائما يوجه إلى ولكنه يتناسب أكثر مع المحل السياسى، وأنا لا أدعى توقعى لحدوث ثورة أو قراءة ما سيحدث لأننى كاتب درامى والكاتب الدرامى يرصد فقط ما يحدث ولابد أن يكون مشتبكا مع مجتمعه ومعترضا عليه، ولابد أن يكون سابقا لما هو حادث ويحدث وهذا هو الطبيعى، فكتاب الدراما اليونانية كانوا متجاوزين لما هو موجود فى زمنهم وجيل الثمانينات من المخرجين فى مصر مثل عاطف الطيب ومحمد خان اشتغلوا على الطبقة المتوسطة التى كانت تتآكل وقدموا سلسلة من الأفلام فى ذلك، فقد كان همهم أن المجتمع يواجه خطرا، وهو هجوم رأسمالى على الطبقة المتوسطة وكان موازيا للسينما خط آخر فى الدراما قاده الكاتب أسامة أنور عكاشة ومحسن زايد وكانت هذه بوادر ما نعانى منه اليوم. *هل ترى أن كتابة فيلم روائى يؤرخ للثورة منذ 25 يناير وحتى 30 يونيو وما بعدها من أحداث يعد مغامرة ؟ لا أحب المصادرة من البعض سواء بالمنع عن الكتابة أو التعجل فى الكتابة أو الإعلان عن الكتابة بشكل عام عن الثورة، فالفكرة يتم تحديدها من خلال وجهة نظر الكاتب وما يحركه من أحداث فقد شاركت بفيلم ضمن فيلم (18 يوما) بعنوان (أشرف سبرتو)، فقد تناولت فكرة الحلاق فى صالون الحلاقة الذى تحول لطبيب يعالج الثوار فهذه زاوية اخترتها فالأغانى التى قدمت عن الثورة كثيرة، ولكن أغنية آمال ماهر كانت الأنجح والأفضل والتى حركت مشاعر الناس. *هل تختار المخرجين لأفلامك التى تكتبها؟ ليس لدى هذه الرفاهية فأول أفلامى كان هو مشروع تخرجى، والدكتور محمد كامل القليوبى هو من رشحنى للمخرج يسرى نصر الله الذى أعجب بالسيناريو فقدمه وحصل الفيلم على جوائز عديدة، أما المخرج خالد يوسف فقد أفادنى كثيرا، فخالد لديه قدرة على حل مشكلة أى فيلم إنتاجيا فهو لديه القدرة على تقديم فيلم كل يوم، وأنا ككاتب سيناريو أحتاج لدعم كبير وكان يوفر لى الوقت للكتابة، ولا أستهلك وقتى فى موضوع البحث عن إنتاج وحتى المناقشات معه كانت أسهل وليس لدى علاقة بالممثلين نهائيا والمناقشات بنى وبينه، وحاليا أفتقد ذلك الأمر فقد كان يوفر لى الاستقرار المهنى. *ما آخر ما كتبت؟ انتهيت من كتابة أكثر من سيناريو منهم سيناريو فيلم بعنوان (سره الباتع)، وهو مأخوذ عن قصة للكاتب الكبير يوسف إدريس وسيخرجه خالد يوسف، وهناك فيلم (رؤية خليفة)، وفيلم (أرض النعام)، وفيلم (حجر الأساس) مع غادة عبد الرازق ولدى فكرتين لمسلسلين أحدهما بعنوان (الأستانة)، وهو عكس الموجة التركى فهو يقدم النموذج المصرى على أنه هو الأصل والنموذج الذى احتذى به الأتراك فنحن أصحاب النهضة الحقيقة لتركيا، ومصر هى التى بنت الأستانة، لأن محمد على كان قد أخذ كل العمال المهرة وذهب بهم لهناك من أجل صناعة نهضة لتركيا، وهذا ما أتناوله من خلال مركب يحمل العمالة المصرية المتجهة لتركيا وأحدث مقارنة بين الذين ذهبوا وظلوا هناك وبين الأحفاد الذين عادوا لمصر، ولكن للأسف هذا المسلسل يحتاج لإنتاج ضخم جدا، وهذا سبب التوقف عن استكماله، ولكنى لا أستطيع أن أتوقف على الكتابة فأنا أكتب وأنتظر الإنتاج. *وهل بالفعل ستتعامل مع السبكى؟ معلومة صحيحة فهناك فيلم (بنت ليل) سيخرجه سامح عبد العزيز، وسوف نبدأ العمل به قريبا جدا ولكن لم يرشح له أبطال حتى الآن. *لماذا دائما يقال أنك من مدرسة الكاتب الراحل محسن زايد فى الكتابة للسينما؟ محسن زايد هو من تعلمت على يديه السيناريو فى معهد السينما وفى الأسلوب نحن مختلفين فأنا شغلى أقرب للواقعية السحرية، والأستاذ محسن زايد من مدرسة نجيب محفوظ لكنه هو المعلم الذى استفدته منه وله الفضل. *بعيدا عن الفن هل ترى أن هناك بالفعل مخططا ضد مصر يحاك من الغرب؟ هذا واقع وما يحدث لنا ليس بجديد فقد اجتمع الغرب علينا من قبل عدة مرات فى نهاية عهد محمد على مرة ومرة أخرى فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وحاليا فى عهد السيسى وبالمناسبة أمريكا وجيشها ارتكب حماقات كثيرة وقام بمجازر كثيرة وقتل الملايين وحاولوا من خلال السينما تطهير أنفسهم بإنتاج أفلام وصلت ل 300 فيلم من أجل تطهير ما فعله الجيش الأمريكى فى العراق وفى فيتنام أيضا قدموا أفلام لتطهير ما ارتكبوه والتخلص من العار الذى يفعلوه فى الحروب. *بما أنك قد جئت بسيرة السيسى هل الشعب المصرى كان يبحث عن زعيم ووجده فى السيسى؟ منذ أيام ثورة 25 يناير والشعب يبحث عن شخص قوى لديه كاريزما يسير فى طريق صحيح والشعب يسير وراءه، وهذا الشخص ظهر فى السيسى، وأتمنى أن يكمل الطريق ونستكمله معه والحمد لله أنه خرج من مكان لا يختلف عليه اثنان، كما أن الخطاب الذى خرج به على الشعب خطاب ناجح، لأنه يحمل سياسة وقوة ومصلحة وخطاب واضح جدا. *ولكن لماذا لم يأخذ البرادعى هذا الدعم والتأييد والشعبية فهو كما يقال أيقونة الثورة؟ البرادعى رجل يعرفه الفئة المثقفة أكثر لكنه بالنسبة لرجل الشارع العادى ليس له علاقة بهم وحتى اللغة التى يتحدث بها بعيدة عن ثقافة الشارع، بالإضافة للكاريزما فهى عامل مهم فى أى زعيم وستجد أن الزعماء دائما يخرجون وقت الأزمات ويلتف حولهم الشعوب مثل نابليون أو شارل ديجول أو صلاح الدين الأيوبى أو قطز، فهؤلاء جميعا خرجوا فى مراحل كانت بلادهم فى أزمات ومشاكل لكن خروجهم ينقذ البلاد بقوتهم وحكمتهم وخبرتهم، وهذا لا يحدث إلا كل فترة، ولو ظهر فى عهد الانتخابات شخص له كاريزما وخبرة وشعبية لما حدث ما حدث فقد كنا نميل لحمدين صباحى، لأنه قريب شوية من الزعامة ولديه كاريزما. *هل ترى أن 30 يونيو هى الثورة الحقيقية ؟ يوم 25 يناير كان نزول الناس من أجل المعاناة التى عانوا منها وخرجوا بسبب حالة الفلس والبطالة وهؤلاء نزلوا خلف الطبقة المثقفة، لكن 30 يونيو كانت من أجل القومية المصرية وخوف الشعب من خراب وضياع مصر وكانت عفوية وفطرية. *هل ترى الثورة قد خلقت جو صحيا بين الناس فى الحديث عن السياسة؟ كلام الناس فى السياسة سلاح ذو حدين وله أضراره، فهناك فترات لابد فيها من العمل والبناء ولنترك السياسة للسياسيين. *كيف ترى المصالحة مع الإخوان؟ وقائع عام 1954 تؤكد أنه لو كان هناك مصالحة بالفعل لكانت قد حدثت من قبل ومسلسل الكاتب الكبير وحيد حامد بدون ذكر أسماء يؤكد على ذلك أيضا، وأريد أن أذكر فقط بأن سيدنا الحسن تنازل عن الخلافة من أجل حقن الدماء وهذه هى الوسطية، وإذا كان هناك تعاطف من بعض الفئات ولابد أن يكون معهم مصالحة خلال الفترة القادمة فيكون للأزهر هنا دوره بتغيير الفكر وبيان الوسطية، وقد قال الرسول فى حديث ما معناه: (لا تجتمع أمتى على باطل) وفى رواية أخرى (على ضلالة). *ما هو الأولوية حاليا للشعب المصرى؟ الأولوية هى القومية المصرية، لأننا بالفعل يدبر لنا مؤمرات خارجية فلابد أن تعود القومية المصرية وبعثها من جديد، وهذا تحدثت عنه فى (دكان شحاتة وكف القمر)، والفيلمين بهما شىء مشترك، وهو أن الجذور واحدة والدم فى فيلم (دكان شحاتة) كان هو ذريعة الفوضى، ولذلك نحن حاليا لابد أن نبنى والبناء ليس عكس المواجهة، ولابد أن تعود السينما ويعود الدورى والمجتمع يعود للبناء والعمل مع المواجهة أيضا. *طرحت مؤخرا سيناريو انتهيت من كتابته فى كتاب قبل طرحه فى السينما.. فما الهدف من ذلك؟ طلبوا منى أن أطرح أفلامى فى كتب مثل (هى فوضى ودكان شحاتة وكف القمر)، لأن هذه الأفلام أحبها الناس لكنى فضلت شيئا آخر، وهو طرح سيناريوهات لم تنفذ فى السينما مثل (حشيشة) الذى طرحته دار حواديت للنشر وسأطرح أكثر من سيناريو بهذا الشكل. *ولكن هل (حشيشة) هو جزء آخر من فيلم (حين ميسرة)؟ (حشيشة ) سيناريو جديد وليس جزءا ثانيا من فيلم (حين ميسرة)، والسيناريو يتناول فكرة المزاد على مصر فهو لا يتحدث عن العشوائيات، ولكنه يتناول فكرة بيع الوطن. *كيف ترى مصر ككاتب فى الفترة القادمة؟ اللعبة ليست مرتبطة بالإخوان، فالإخوان جزء فقط من اللعبة، ولكن الحكاية مرتبطة بتصدير إرهاب لبلد وتفكيكها، والحل لمواجهة ذلك هى القومية المصرية والعربية، ودولة السعودية لها ثقل كبير، ولا يرد لها كلمة عند أمريكا، ولذلك فقد حفظت التوازن فدعم السعودية كان رائعا وجاء فى توقيته.