يُخطئ من يظن أنه قد حقق انتصاراً فى ظل تفكك الوطن، فالجميع مُنهزم، نحن نعيش ثقافة الاستبداد والعناد، ينتشر بيننا مبدأ الاستقواء، ويا ليته كان استقواء بالعقل، إنما للأسف الشديد استقواء بالباطل، فإما بإنتشار الشائعات والأكاذيب، أو بإستخدام الأموال المنهوبة، أو بإستغلال احتياجات الشعب، أو استقواء بالخارج، والجميع يصُم آذانه حتى لا يستمع للآخر وإن استمع مُجبراَ لا يفهم ما يقول، ألغينا خاصية الاستقبال ونعمل بخاصية الارسال فقط، لانعرف ثقافة الحوار ولا آدابه فالكل يتشبث برأيه ورأيه هو الصحيح، وما هو رأيك وقيمته ووزنه أمام رأى الفقيه الامام مالك حين قال" رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب " هذا قولٌ فصلٌ لعدم التشبث بالرأى والبعد عن العناد والهلكة، انه دعوة صريحة لأدبيات التحاور وليس الإملاءات، ضيعت مصر فرص كثيرة لعدم صفاء النوايا، فالكل يعمل من أجل العدم، والكل يعبد الهوى " آفرأيت من إتخَذَ إلَاهَهٌ هواه "، ونسي أنه غير مُخلدٌ ولا باق إلا وجهٌ، من يحتفل بالنصر، إنما يحتفل بالخيبة، فلا نصر فى اطار ترقب وتشفى وضبابية من أبناء الوطن الواحد، ولا أمل فى غدٍ لا تُشرق فيه شمسٍ بلا غيوم، ولا أمل فى غدٍ لم نصل فيه الى أول الدرب، ولا أمل فى غدٍ يتم فيه محاولات اقصاء، إن أحاديثنا وتصريحاتنا انتفاخية، من نحن بين أنفسنا، من نحن بين الأمم، لقد طالت الفترة الانتقالية كثيراً، بدأها جمال عبد الناصر وتعثر كثيراً، وبذل السادات كل جهده ومهد الطريق لإنهائِها ، ولم يُمهِلَهُ القدر وتم اغتياله، وواتت حسنى مبارك فرصة ذهبية للعبور الاقتصادى بمصر ووضعها بين مصاف الدول المتقدمة، إلا إنه اختار الطريق الغير قويم، فكان ما كان من خلق الدولة العميقة على مدار ثلاثين عاماً تشعبت وتغلغلت فى أواصر مؤسسات الدولة الهشة وتمكنت منها وأصبحت منهجيتها فى التعامل وانعكس على السلوك المجتمعى، فعانى الشعب أشد المعاناة، وكانت ثورة 25 يناير وتداعيات أحداثها السلبية التى لازلنا نعيشها حتى اللحظة، فأى نصر تتحدثون عنه، الشعب المصرى يعيش فترة انتقالية طويلة الجميع متسبب فيها، يعتصر القلب ألماً لما آلت اليه الاوضاع في بلادنا، ودماء الأخ تسيل بلا ثمن بيد أخيه، وهذه الأزمة والمأساة ستستمر لأنه سوف ينتج عنها صراعات وتداعيات ستبرهن للقاصي والداني أن الكثيرين قد خُدعوا وأن هناك محرك للمصالح الضيقة والتوازنات الاستراتيجية لخدمة مشاريعهم، ولايمكن أن نستمر فى تعليق فشلنا ونلتمس الأعذار، لأننا فى الحقيقة نعطي أنفسنا جرعات مخدرة لنريح ضمائرنا ثم نُفيق بعد كل جرعة لنجد أن الكارثة قد تعمقت فنعيد إختلاق الأعذار الوهمية وهكذا، هذا هو حالُنا، ودائماً ما يكون رد للفعل يتبعه التخطيط بالعشوائية وهو مصطلح مهذب للحماقة، فكيف لذى العِلة أن يأتى ليداوى، وهل من نُصحٍ لنفوس خبلاء، إنها الحماقة بعينها، ذلك السلاح الفتاك المدمر، والحماقة صاحبها ضال مضلل، سريع الغضب، يهدد ويتوعد، سريع الرد ويتكلم بما يجول بخاطره، ويتوهم أنه أعقل الناس، وعلاماتها كثيرة منها، انك تٌقر الباطل وتمنع الحق، تمارس حقوقك بمصادرة حقوق الآخرين، تسمح للآخر بأن يقتلعك من جذورك، فكلِ داءٍ دواءٍ يُستَطب به — إلا الحماقة أعيت من يداويها. أعيت الحماقة من يداويها، الحماقة يداويها أعيت ، أعيت يداويها الحماقة ، " مع كل التقدير للفنان العظيم نجيب الريحانى" نقولها بكل اللغات التى يمكن أن يُخاطب بها الحمقى ولم يفهمها أحد، فالمعنى عميق، وعلى الرغم من أن الاقتصاد المصرى عبارة عن خِرقة باليه تحتوى على ثقوب كثيرة كلما أردنا أن نُحيك أحدها ثُقب آخر، فإن الأمل فى الله كبير أن يجمعنا تحت كلمة سواء وراية واحدة لنُنهى تلك الفترات الانتقالية، فهل نعى هذا، ولا مجال هنا للحديث عن أى أرقام أو مؤشرات اقتصادية "إنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" وسوف يقف الجميع وكل من يشارك فى انهيار هذا الوطن أمام الخالق على رؤوس الأشهاد ذليل نادم يوم لا ينفع الندم، "ولا يُحيط المكر السئ إلا بأهله" حماك الله يا مصر . -------------------------------- [email protected]