شارك في اعدادها الكاتب : محمود عبد الموجود كانت أذناه دوماً ما تتساءلان من أين تأتي الساعة بكل تلك القوة حتى يستفيق العقل وتصفي العينين . كانت الساعة تعلن السابعة علي غير العادة فقد أعتاد أن يصحو في تمام الثامنة وحدث نفسه كعادته يبدو أنه يوماً غريب، ولما لا أنه بالفعل يوماً مميز لقد استلمت بالأمس القريب شهادتي الجامعية واليوم أستلم عملي الجديد . كان عقله مازال يسأل كعادته .كيف تم تعييني بهذه السرعة ؟! تلك المصحة النفسية الكبيرة التي اختارتني من دون أقراني ؟! وأين باقي زملائي هل استلموا عملا أيضاً ؟ نهض سامح من فراشه وهو ينفض تلك الأفكار عن رأسه متعللا لنفسه .وهل هم مثلي وأنا العبقري ذو التفكير المنطقي ولكم كنت متفوقاً عليهم طوال سنوات دراستي . وأشاح بوجهه عن شهادة تخرجه المعلقة في صدر الحائط حتى لا يطالعه ترتيبه في الدفعة فعاودته نفسه مؤنبه أتكذب علي نفسك كما تكذب علي الآخرين ؟!!! أنت لم تكن متفوقاً كما زعمت .ساقته قدماه إلي المرآة كعادته في محاوله منه لإنهاء حديثه مع نفسه، تلك المرآة الكبيرة التي أشتراها بنفسه لتتصدر حائطاً بأكمله وتساءل سؤاله المعتاد كلما طالعته صورته في المرآة .هل هذا أنا ؟ هل هذه عيناي ؟! فأجابته نفسه المشاكسة بالطبع أنه أنت ومن سيكون غيرك . أرتدي ملابسه بهدوء متأنقاً كالعادة أمام المرآة ثم خطا نحو باب الغرفة ثم توقف فجأة وعاد مسرعاً إلي المرآة وكأنما نسي شيئاً فطالعة وجهه الساكن في المرآة يقول : نعم أنا . أندفع الباب يسبق حذاءه الايطالي خطواته المتعرجة خارج المنزل وما أن خطا بضع خطوات حتى ألتفت إلي المنزل متطلعاً إلي غرفة والدته رحمها الله وكأنما ينتظر أن تلوح بيديها من النافذة مودعة إياه ، ثم أشاح بوجهه عن المنزل مكملاً طريقه الذي بدأه في صمت . أخرجت يده بضع جنيهات من جيبه فأحصتها عيناه في سرعه ثم أشار إلي تاكسي وركب بحركة متأنقة وهو يقول للسائق بزهو ضاغطاً علي أحرف الكلمات:- - " مستشفي الدكتور راشد محمود " فأجابه السائق بسخرية :- - تقصد مستشفي المجانين . ثم أعقب جملته بنظرة ساخرة ظل يرمقه بها طوال الطريق. توقف التاكسي أمام باب المصحة وخرج منها سامح في سرعة وأخرج منديلا ورقيا مسح به جبهته التي تتصبب عرقاً ثم تحرك نحو البوابة في خطوات متعثرة - هل ألمتك سخرية السائق . تطلع إلي البوابة الفخمة للمصحة وهو يجيب علي نفسه : - هل هذه مستشفي مجانين هذا السائق الأحمق هل هذه مثل العباسية أو الخانكة ، هذا الصرح الهائل . ثم تطلع وهو يعبر البوابة الضخمة إلي اللافتة الكبيرة التي سطر فوقها بأناقة "مصحة الدكتور راشد محمود للأمراض النفسية" ************ خط قلمه فوق بضعه أوراق بحركة آلية وعقله لا يتابع مجري قلمه بل يتساءل كعادته : - أحقاً مضى علي وجودي في تلك المصحة شهراً كاملا . منذ أن استلمت هذا العمل لم أقابل مدير المستشفي دكتور راشد محمود ولو مرة واحدة ، أوكل لى أحد المسئولين بعض أعمال مكتبية أصبحت بالنسبة لي روتيناً يومياً ، وبدء الخوف يتسرب إلي نفسي من اعتيادي لهذا الروتين وأنا ذلك الشخص الذي يعشق الألغاز والغموض ويكره الروتين والتعود. طرقات علي الباب أوقفت حركة القلم بين يديه ، أجاب عليها بعفوية : - أدخل . تحرك الباب في هدوء ليكشف عن عم فاضل بوجهه العجوز المتغضن وبعينية الضيقتين وفمه الصغير متناقضا مع أنفه الكبير الذي يحتل معظم وجهه .شرع في الحديث و سامح شارداً يتذكر أول لقاء بينهما وكيف أستقبله في أول يوم له وخفف من توتره ، كان سامح دائماً ما يتساءل بينه وبين نفسه لماذا يكن لهذا الرجل كل هذا الحب رغم أنه لا يعرفه حق المعرفة ربما لأنه يذكره بصورة في خياله لشخص يحبه . أفاق من شروده علي تلك الكلمات : - مبروك يا دكتور سامح أدارة المصحة وافقت علي طلبك. تساءل سامح في دهشة الاستفاقة : - طلب أيه . ************** إلي اللقاء في العدد القادم لنرى ما خلف الابواب