من طبيعة النفس البشرية، أن الإنسان يغار على من يحب، وكلما زاد حبه له، كلما زادت غيرته عليه، وهذا ليس بحرام أو بعيب، ولكن إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، وعندما تأتي الغيرة بالمشكلات فعلى صاحبها أن يحاول قدر استطاعته تجنبها والابتعاد عنها.اشتكى لي شاب، حديث الزواج، من زوجته، التي تغار عليه، بل وتسبب له الكثير من المشكلات، بدون داعٍ، حتى إنه أخبرني بأنه يسكن في منزل والده الذي ولد وتربى فيه، وبما أن المنزل كائن في حي شعبي، فكل سكانه يعرفونه، سواء الكبير منهم أو الصغير، وكل من التقى به في الشارع ألقى عليه السلام، وهو بطبيعة الحال، يتعامل معهم على أنهم إخوانه، ليس أكثر.كلما ألقت عليه إحدى جيرانه السلام، سواء كانت امرأة كبيرة طاعنة في السن أو فتاة صغيرة، ورد عليها، أحزن ذلك زوجته، وغضبت منه غضباً شديداً، وتنتظر بفارغ الصبر عودتهما إلى المنزل لتتشاجر معه، وتنهاه بكل عنف وقوة عن رد السلام على أي امرأة سواء كانت كبيرة أم صغيرة، ومهما كانت صلة القرابة بينهما.أخبرها مرات عدة أنه لا يستطيع أن لا يرد عليهم السلام، فهؤلاء جيرانه وإخوانه، الذين تربوا ونشأوا معه، وهو يتعامل معهم على أنهم كذلك، وإذا احتاجهم في أي أمر سيجدهم بجواره، وليس معنى أنه يلقي عليهم السلام أو يرده عليهم أنه يريد الزواج منهم، ولو كان يحب أحدهم، لكان قد تزوجها من البداية، فكل أهل الحي يعرفونه جيداً، ويحملون له كل تقدير.لكنها في كل مرة تهدأ بعد ثورتها العارمة، وعندما يتكرر أمامها المشهد عينه، تثور بقوة، وتفقد السيطرة على أعصابها، وتنطق بألفاظ خارجة عن الآداب، ما كان يتخيل أنها من الممكن أن تتلفظ بها، لما يعرفه عنها من أدب رفيع وخلق جم.لجأ إلى أبيها بالشكوى، لكي يردعها، وينهاها عن صنيعها غير المقبول، لأنه يحبها ولا يريد أن يفرط فيها، لأسباب تافهة، ولكن أباها لم يستطع إقناعها بالعدول عن هذه الغيرة والوثوق بزوجها، وتأخذ ما يحدث على أنه شيء عادي، ويجب عليها أن تعرف أن كل من ألقت عليه السلام لا تحبه أو تريد الارتباط به، فهذه من عادات أبناء المناطق الشعبية، الكل يعرف جيرانه ويتودد إليهم ويتعامل معهم على أنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.رغم أنها تحبه حباً شديداً إلا أنها تشك فيه وفي وده لجيرانه، وتخاف أن يتزوج عليها، رغم أن الله منحها قسطاً كبيراً من الجمال والثقافة، لكن الشيطان يلعب بها، ويحركها كيفما شاء، مما حول حياتهم إلى جحيم، أو قنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في أي لحظة، وهو لا يستطيع الاستمرار معها على هذه الحال، لأنه يريد أن يرجع من عمله إلى منزله ليستريح لا لتخلق له مشكلات لا أساس لها من الصحة.نصحته أن يتحملها، وأن لا يفكر في الانفصال عنها، وأخبرته أن صنيعها هذا يدل على حبها الشديد له، ولكن الشيطان يجري في جسد ابن آدم مجرى الدم في العروق، وهو الذي يجعلها تشك فيه، وفي وده لجيرانه، ومع مرور الوقت ستتغير. وعليه أن يحاول إقناعها بأنه يحبها ولا يفكر في الزواج عليها أو أن يفرط فيها، ليهدئ من روعها.وفي نهاية مقالي أتقدم بالنصيحة لهذه الزوجة الشكاكة الغيورة على زوجها، ومن هم على شاكلتها، أن تعلم أن الحياة الزوجية هي جنة صغيرة للزوجين، يجب أن يملأها الحب والرحمة والحفاظ على المشاعر، وعليها أن لا تُغضِبَ زوجها لأسباب تفاهة، لأن كثرة المشكلات تولد العنف والعناد، ولن تأتي إلا بنتائج عكسية لا نحب أن نصل إليها.ونصيحتي للزوجين أن يجعلا بينهما ثقة متبادلة، لكي تسير السفينة إلى بر الأمان بسلام، لأن الشك هو منفذ من منافذ الشيطان، والإنسان الشكاك يضر بنفسه قبل أن يضر من حوله، لأنه فاقد للثقة في نفسه فكيف بالآخرين. محمد أحمد عزوزكاتب وناشط سياسي مصري