لعل استاذنا الكبير فهمي هويدي، يدرك تماماً، أن ماكينة الإعلام الإسرائيلي بما تملك من امكانيات مادية وعلمية، تعد من أقوى ماكينات الإعلام في العالم، لطالما لعبت ولاتزال دوراً اساسياً في صياغة الخطاب الإسرائيلي داخليا وخارجيا، بشكل يهتم كثيراً بالعمل على تشويه صورة العربي على أنه بدائي متخلف، وارهابي معاد للسلام والحضارة معاً، ولا ينسى اظهار الكيان الاسرائيلي في صورة الضحية. ولكني بعد قراءة مقالة استاذنا هويدي المعنونة " نتنياهو لم ينم " والذي تبنى فيه ادعاءات ماكينة الاعلام الإسرائيلية، حول ما تروج له " من خوف الكيان الاسرائيلي من تصدر تيار الإسلام السياسي لمشهد الأنظمة العربية القادمة "، أكاد أشك في إلمام هويدي بالكثير من المعلومات الإسرائلية الهامة جداً من وزن: أن السياسة الإعلامية الإسرائيلية بخطوطها العريضة، يتم توجيهها من خلال دوائر سياسية وعسكرية متخصصة تضع مهام وزارة الإعلام كبند اساسي من مهام وزارة الخارجية، فضلاً عن اشراف دائرة الحرب النفسية فيما تسمى بوزارة الدفاع الإسرائيلية على الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الموجه تحديدا للعرب بهدف خلط الأوراق واسدال الغشاوة على البصر والبصيرة، وصم الآذان حتى لا يستطع المتلقي العربي التمييز بين ما تريدة اسرائيل وما ترفضة، ولقد أثبتت التجربة تاريخياً أن كل ما يرفضه الكيان الإسرائيلي إعلامياً تقبل به سياسياً، وأن كل ما تقبل به إعلامياً هي في حقيقة الأمر ترفضة سياسياً. فالجرعة الأخبارية المركزة التي تناولها وتبناها للأسف استاذنا هويدة من الإعلام الإسرائيلي، ما هي إلا جرعة مسمومة بالكثير من الأفكار المعكوسة تماماً للغاية الإسرائيلية، والدلائل على ذلك كثيرة، يكمن اهمها في الذهنية الإسرائيلية التي يستحوذ عليها مفهوم الأمن القومي، المنشأ الرئيسي لما يسمى في اسرائيل ب " شبكة الأمان أو الشبكة الأمنية " وهي شبكة غير رسمية ذات قوة كبيرة وتأثير حاسم في السياسة والاقتصاد والإعلام، وفي القرارات المهمة للكيان الإسرائيلي، يرتبط أعضاءها الواحد بالآخر بصلات غير رسمية، ويتبنون قيماً ومبادىء مشتركة في شؤون الأمن القومي وفي الطرق الأجدى لخدمته من خلال دفع وسائل الإعلام للعلب دور وظيفي ينصب في تشويش عقل الآخر عبر ما يمكن تسميته بنظرية الإغراق والاختراق، وهي فلسفة تقوم بها وسائل الإعلام باتقان شديد يغرق الشخص أو المجتمع المستهدف بسيل من الأفكار التي يراد غرسها لتشتيت الانتباهه عن التفاصيل التي يمكن لأسلحته الفكرية أن تقف حائلاً امامها. إن تصدر تيار الإسلامي السياسي لمشهد النظام العربي يخدم الكيان الإسرائيلي على أكثر من صعيد، أهمها على الاطلاق هو صعيد تصفية القضية الفلسطينية من خلال الزج بقطاع غزة في حضن مصر حتى دون عقد اي اتفاقية بين أي من الأطراف ذات العلاقة، أو دفع لأي فاتورة يمكن التفكير بها، وعلى الجانب الآخر محاصرة الضفة الغربية والضغط عليها لدفعها للقبول بكونفدرالية فلسطينية أردنية، وهو مشروع قديم رفضته السلطة الوطنية بشكل واضح فيما تقوم بعض قوى الاسلام السياسي للأسف بتنفيذه في سياق ما يسمى بمخطط " الشرق الأوسط الجديد " سواء كان ذلك بوعي أو بدون وعي. وفي هذا السياق جدير بالاستاذ فهمي هويدي أن يتسأل عن ماهية الطمأنة التي قدمها الإخوان المسلمين للإدارة الأمريكية سواء خلال لقائهم هيلاري كلينتون أو لقائهم للعدد من الوسطاء من طراز الصحفي الأمريكي المنبهر بالإخوان المسلمين، توماس فريدمان صاحب نظرية " تحويل الدول الكبرى إلى اسواق كبرى"، كما يجب على الاستاذ هويدي تحليل التدخل القطري في الشأن السياسي المصري، وهي حاضنة ما يسمى ب " الإعلام الحر " وفي الوقت ذاته تقيم علاقات مميزة بالكيان الإسرائيلي وصلت حد تدخلها لدى السلطات الإسرائيلية لمعالجة قضية المفكر الفلسطيني " عزمي بشارة " باتجاه عودته إلى " إسرائيل " كما تفيد بعض الأخبار المسربة من هنا وهناك. أخيرا وبعد ركوب تيار الإخوان المسلمين لموجة الثورة بشكل فج أثار حفيظة الثوار الحقيقيين، اللذين باتوا لا يستمعون من الإخوان إلا لدعاء ركوب الثورة، أرى أن على الاستاذ فهمي هويدي وهو يرصد وسائل الإعلام الإسرائيلية، مراجعة نفسه والحفاظ على ما تبقى من تاريخة بدعاء الركوب ثلاث مرات يومياً بعد الاغراق وقبل الاختراق. * كاتب وإعلامي فلسطيني هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية "صوت فلسطين"