شهر يونيو لعام 2012 بدون أدنى شك يمكن وصفه بأنه شهر حيرة المصريين فجميع المصريين بلغوا قمة الحيرة في اختيار مرشح الرئاسة في جولة الإعادة حتى أن الحيرة بلغت بالبعض إلى أن يقرروا إبطال أصواتهم أو يقرروا مقاطعة الإنتخابات نهائيا وذلك بغرض أن تكون عدد الأصوات الباطلة والممتنعة عن التصويت أكبر من عدد الأصوات التي قامت بالإنتخاب ليكون ذلك دليل على أن معظم أبناء الشعب المصري لا يريد الرئيس القادم من الإخوان ولا من مرشحو النظام القديم الذي أذاق الشعب المصري طعم الذل والظلم والفساد ، والحيرة التي نمر بها كشعب في هذه المرحلة لم يمر بها المصريون منذ العصر الفرعوني لأن هذه الثورة ثورة حفظها الله منذ ولادتها وندعوه جلا في علاه أن يحافظ عليها حتى تصل بالمصريين إلى بر الأمان والإستقرار ، ثورة احترمها العالم أجمع من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه ، فكان لا بد لي وأن أطمئن جميع المصريين على ثورتهم ، بأنها ثورة غير قابلة للإختطاف أو الموت كما يردد البعض بأن الأخوان خطفوها أو أن المجلس العسكري سيقضي عليها لأن الإخوان جزء لايتجزىء من الثورة والمجلس العسكري جزء لا يتجزيء من القوات المسلحة التي ساعدت في نجاح الثورة، والجميع يعرف أن أي زلزال ضخم لا بد أن تكون له توابع ، وما نمر به في هذه المرحلة هو توابع هذه الثورة العظيمة ، فسبب هذه الحيرة الحقيقي هو سياسات مرشحي جولة الإعادة فالنخبة السياسية تؤكد فشل سياسة خلط الدين بالسياسة على مر العصور والكنائس التي أعدمت خيرة العلماء في أوروبا أكبر دليل على فشل تلك السياسة وكذلك سياسة النظام السابق وعودة وجوه النظام القديم للحكم تعني الرجوع بالثورة إلى نقطة الصفر أما الأسباب التي أوصلتنا لهذه الحيرة السبب الأول هو المجلس العسكري والذي فشل فشلا ذريعا في إدارة المرحلة الإنتقالية وفشل في التعامل مع كل أزمة حيث اتبعوا نفس سياسة النظام السابق في التعامل مع الشعب متناسين زيادة وعي الشعب المصري بعد الثورة ، تأخر المجلس العسكري في تسليم السلطة وعدم التزامه بتصريحاته في مارس 2011 انه لو كانت نتيجة الإستفتاء نعم فسيكون تسليم السلطة في خلال ستة شهور ثم امدها إلى نهاية عام 2011 ثم اعلن انها ستكون في 30 يونيو المقبل مما زاد من حيرة الشعب. السبب الثاني متمثل في الإخوان والبرلمان فالإخوان المسلمين دخلوا حلبة الصراع على الدستور والسلطة مع المجلس العسكري وقاموا بالدفع بمرشحين أساسي وإحتياطي في تراجع عن وعودهم السابقة بعدم ترشيح مرشح أخواني للرئاسة ، ونظرا لأنهم الأغلبية بالبرلمان فيدخل في نطاق مسئوليتهم تأخر البرلمان في سن قانون يفرض عزلا سياسيا على فلول النظام السابق فهم أضاعوا تلك الفرصة فكان يجب أن يكون هذا القانون أول القوانين بالبرلمان ومن ثم اضطروا لصنع قانون لا يختلفون فيه عن ترزية قوانين النظام السابق بالإضافة إلى الإنتقاد الإعلامي الموسع للإخوان من ناحية وضعف حكومي متعمد من ناحية أخرى مما زاد من حيرة الشعب. السبب الثالث الأستاذ حمدين صباحي و الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح فنجاح أحدهما في المرحلة الأولى كان سيجعل مرحلة الإعادة تحصيل حاصل لأن نجاح أي منهما مضمون في الإعاده سواء كانت مع مرشح الإخوان أو حتى مرشح الفلول ولكن عدم اتحادهم منذ البداية وتوزع الأصوات بينهما جعلهم سببا أصيلا في الحيرة التي أصابتنا بل ونزلوا الميدان متحدين خاسرين يطالبون بما هو ليس قانوني أو دستوري مما زاد من حيرة الشعب. السبب الرابع الإعلام المصري فنجد تغير سياسات بعض القنوات واتجاهاتها وفقا لتوجهات وسياسات أصحابها غير ملتزمة بالمصداقية والموضوعية في الطرح الإعلامي والذي أساسه هو الحياد ، فنجدها خلال انتخابات الجولة الأولى ترجح كفة مرشح على آخر بدون معلومات حقيقية حيث كانت تطالعنا يوميا بنتائج استطلاعات رأي تنسب لكبرى المؤسسات الإعلامية في بلدنا ولم يوجد من بينها استطلاع رأي واحد نتيجته في المركز الأول الدكتور محمد مرسي والمركز الثاني الفريق أحمد شفيق ، وإن كان الخطأ في أن من قاموا بالثورة لم يحافظوا عليها وتركوا الساحة للإعلام يتهم الثورة والثوار بأنهم السبب في الحالة التي وصلت إليها مصر حاليا من بلطجة وانتشار السلاح والمخدرات بغرض أن يكره المشاهدين الثورة ومن قاموا بالثورة ، فالثورة قامت ضد الظم والفساد وضد الفقر وضد البطالة ، ولكننا فوجئنا جميعا بعد الثورة بأن الأمن هو أهم متطلباتنا وإن كان البعض اقتنع متأثرا بالإعلام المغرض بأن الأمن مرهون بالقضاء على الثورة وإرجاع النظام القديم فهو مخطيء تماما لأن الحكومة الحالية بها أفضل وزير داخلية قام بنفسه بقيادة الحملات الأمنية والمرورية بمحافظات مصر المختلفة ، ولكن للأسف الشديد أعوان النظام السابق لا تزال موجودة في كل جهاز في مصر فالفلول بالفعل هم أعوان النظام السابق الذين يتمنون عودته أو عودة من يمثله ليستعيدوا نهب خيرات مصر فالآن أموالهم في الخارج يستثمرونها تحت سمع وبصر من يؤكدون أن مصر ستصل لحالة الإفلاس ، أولئك الفلول التي تنطق السنتهم "ولا يوم من أيامك يا مبارك" بغرض التأكيد على مقولة الرئيس المخلوع "أنا أو الفوضى" هدفهم إقناع من حولهم أن أسلوب حكم مبارك هو المناسب للشعب المصري بدليل ما يجتاح الشارع المصري الآن من فوضى غير مسبوقة مما زاد من حيرة الشعب. الشعب في حيرة بين خيارين كلاهما مر ، ولكن بالتأكيد أن الصراع على السلطة بين الإخوان والمجلس العسكري هو الذي أوصل الشعب لتلك المرحلة فالخاسر الحقيقي في انتخابات الإعاده هو الشعب لأنه لم يستطيع أن يأتي بمن يريده رئيسا أما الخاسر من المرشحين فلا يلومن إلا نفسه لأنه السبب في وصول الطرف الآخر للسلطة ، ولكن كلمة أخيرة للشعب ثق تماما في قدرة الله في الحفاظ على الثورة وأنه أيا كان الرئيس القادم فهو يعلم تماما أن سبب وصوله لكرسي الرئاسة في مصر هو ثورة عظيمة ودماء شهداء تفوح رائحتها الذكية في كل ميادين مصر فإما أن يحكم هذا الشعب بالعدل وبما يرضي الله أو ستكون نهايته على أيدي أبناء شعبه وما سبق من أحداث العام الماضي في تونس ومصر وليبيا واليمن عظة لمن سيحكم بأن يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوته في تطبيق العدل والديمقراطية التي هي أساس أي تقدم في كافة المجالات ، اللهم ولي من يصلح هي الدعوة التي لم تغيب عن السن جميع المواطنين المصريين ، وكوني لا أملك إلا الدعاء اللهم ولي أمورنا خيارنا ولا تولي أمورنا شرارنا ، فنحن عندما نتوكل على الله نجد أن الحيرة قد تركتنا لأن الله سبحانه وتعالى الذي حفظ الثورة قادر أن يحفظ مصر إلى يوم الدين ، وحكمة الله سبحانه وتعالى أكبر من أن تدركها عقول البشر وليعلم الجميع أن الله سبحانه وتعالى لا يريد بعباده إلا خيرا ، فلنتوكل على الله جميعا ولنترك الحيرة ولا نحزن على شيء وندعو الله أن يحفظ مصر وشعبها من كل سوء ويولي أمورها من يحبه ويرضاه. دكتور/ محمد عبد الصبور فهمي أستاذ الرياضيات التطبيقية بكلية الحاسبات والمعلومات بالإسماعيلية – جامعة قناة السويس [email protected]