هللت وسائل الإعلام لمحاكمة مبارك المرتقبة فوصفتها بمحاكمة القرن بينما فبعد سماع تلاوة الحكم وأسبابه وترويسته الطويلة العصماء يجب أن نُسمِّيها بمُحاكمة القرنين وقد ذكرتني بالحمل الذي تزامن وروده ماء البئر ورود عدوه اللدود الذئب كذلك والذي راح يتهمه انه قد سبق وعكَّر عليه ماء البئر منذ ثلاث سنوات مضت فدافع الحمل عن نفسه قائلاً إنني لم أرد البئر قبل يومى هذا فقال الذئب مُصمِّماً اذاّ هو أباك الذي عكَّر علىَّ الماء فقال الحمل إن أبي قد مات منذ عام تقريباً فقال الذئب اذاّ جدك هو الذي عكر علىَّ الماء قال الحمل إن جدي هو الآخر قد مات منذ عامين فقط فكيف عكَّر البئر عليك منذ ثلاث سنوات فقال الذئب اذاّ هو جد أبيك فقال الحمل لقد مات هو الآخر منذ عشرات السنين وهنا إنتفض الذئبُ مُصمِّماً علي اتهامه للحمل وإنفاذ عزمه فيه بأن ينقض عليه فهبَّ قائلاً : اذاّ من عكر عليَّ ماء البئر منذ ثلاث سنوات هو أحد ذويك وأقربائك فإنني أتذكَّر وجهه جيداً وقد كان شديد الشبه بك..وهنا أيقن الحمل أنَّهُ مأكولٌ لا محالة .. فنكَّس قرنيه وطأطأ رأسه مُستسِلماً لقدره ومصيره .. كان الحُكم في قضية مبارك فى صورة أحرص على إدانته ووزيره أكثر من حرصها علي إقناع طُلَّاب العدالة على تحقُقَها بإعمال القانون علي الوقائ والإرتقاء بالنتيجة الي مستوي المقدمات والأسباب كما وكانت مُقدِّمة الحُكم المُسهبة بألفاظها وتعبيراتها أقرب للإيحاء بالمُحاكمة السياسية منها الي المُحاكمة الجنائية وقد تعلَّمنا كرجال قانون أن القاضي الجنائي مُلتزمٌ بأمرِالإحالة التي قدَّمت النيابة المُتهم به أمامه ولم نعلم أن أمر الإحالة قد إحتوى على جرائم سياسية حتى يُحاكمُ بها المتهمان ويُعاقبا عليها .. وكُلنا نعلم أنَّنا أمام واقعة قتل المتظاهرين والفساد المالي بالتربح ومن ثم تكون المُقدِّمة التى ذكرها رئيس المحكمة في غير محلها وقد قدَّمت مبارك بجريمة الإفساد السياسي عبر ثلاث عقود مضت هي فتره حُكمه كاملةً .. الأمر الذي يُوحي بالاشارة الي إفتقار المُحاكمة الجنائية لأسبابها وأسانيدها فإستقى القاضي سندات إتِِّهاميَّة يقبلها الرأى العام بالطبيعة هي فساد نظام الحكم مما جعل الحُكم أقرب الي المُحاكمة السياسية منه الي المحاكمة الجنائية وقد شعر كل مشاهدي جلسة النطق بالحكم بهذا الإحساس خاصةً وقد أكَّد القاضي بعد ذكر منطوق الحكم على أن الدعوى خالية من ثمة أدلَّة يُمكن إدانة مساعدي وزير الداخليه بها وهو في صدد جريمة قتل المتظاهرين ومن ثم وجب أمرُ تبرئتهم بل وعلى حد قول القاضى ذاته بأن الأعيرة النارية التى قتلت المجنى عليهم غير مستعملة فى تسليح قُوَّات الداخلية ومن ثم اذا إنعدم دليل الفعل الأصلي فإنما ينعدم بالتبعية دليل الشراكة بالتحريض عقلاً وقانوناً إلا اننا لم نلمس من الحكم ما يفيد ذلك وكأن المحكمة حين نظر الدعوى وحتى الحكم فيها كانت واقعة تحت إرهاب الرأي العام بما جعل القاضي ذاته وهو بصدد النطق بحكمه يُحمِّل الحُكم على أسباب فساد نظام وكذا على جريمة الامتناع السلبية والتى تواتر القضاء على عدم اعمالها بالمخالفة للفقه الا فى حالة الأم التى تترك وليدها بلا إرضاع أو شرابٍ حتى الموت الأمر الذى يجعلنى أرى ان الحكم كان أحرص على معاقبتيهما فقط مهما تواجدت مبررات شمولهما ببراءة مساعدى الوزير ثم يستميت القاضى فى الإتيان بمبرراتٍ لصدور حُكمه ويشرح كم هو عانى والسادة المستشارين أعضاء المحكمة معه أمام عدد صفحات القضيَّة ومحاضر جلساتها والتي قد بلغت الآلاف وكم هم قد راعوا الله سبحانه في قضائهم وكأن المحكمة في حاجة لكل هذا البيان وهذا التدليل لإقناع الرأى العام بماقضت الأمر الذي يجعلني أُشفِقُ على القاضي وأعضاء محكمته من كم الضغوط التي مارسها الرأي العام عليهم وعلى عقيدتهم وكم كنتُ أتمنى براءة مبارك ووزيره الى جوار مساعديه حتى لانعطى لنفوسنا مبررات للتشكيك رغم كون هذا التمنى يخالف عقيدتى فيهم جميعاً ولكن الحرصُ على نزاهة القضاء ونصاعة ثوبه وعينيه المعصوبتين هو أولى لدىَّ من تمنِّى إعمال قناعاتى الشخصيَّة فى كلا المتهمين أو القضاء بالإدانة على جميع المتهمين في قضية قتل المتظاهرين حرصاً على ذات الهدف .. الأمر الذي يجعلنا نُجزم وبحق بأن وضع الرأي العام في اعتبار القضاء وأحكامه لأكبر خسارة لثقة الرأي العام ذاته في قضائه ولاأعفى قادة الفصائل والتيارات السياسية طوال مرحلة نظر الدعوى وحتى قبل النطق بالحكم من محاولة إرهاب المحكمة التى تنظر الدعوى كحال تصريح محمد مرسى أحد مُرشَّحى الرئاسة والذى هدَّد باللجوء للميدان فى حالة القضاء ببراءة مبارك او الوزير وأحد أعوانه وكأنها دعوة لعدم احترام أحكام القضاء وفى ذات الوقت إرهاب لقاضى المنصَّة الذى يجب حسب هذا الجو الموتور حين يقضى أن يضع فى اعتباره ردة فعل الرأى العام على حُكمه .. لذا كان ضرورياً أن يأتى الحُكم بهذه الصورة التى أسهبت فى المبررات بما أوحى للرأى العام خوف القضاء من ردة فعله على الحكم بما عزز من التشكيك فيه .. لذا أارانى مُحقاً أن القضاء بات يُمارسُ الرأى العام عليه ألأوان القهر والتخويف بما بات الامر معه يُهدد إقامة العدالة بالمفهوم المتعارف عليه لدى القانونيين أو حتى العوام بحكم القبول المنطقى للأمور .. لذا فى نظرى أن تلك المُحاكمة لايُمكن نعتها بمحاكمة القرن الواحد بل بمحاكمة القرنين معاً ..