أعتقد أن الكثيرين ممن يطالبون جماعة الإخوان المسلمين بترشيح أحد كوادرها لمنصب رئيس الجمهورية هم ممن غلب عليهم صوت القلب والعاطفة على صوت العقل والمنطق. وفي هذا الصدد فإنني ألتمس بعض العذر لأصحاب هذا الرأي نظرا للهواجس التي تفرضها عليهم تجربة الخمسينات وما جرته من مآسٍ وويلات على الجماعة بشكل خاص والحركة الاسلامية بشكل عام ، والقلق من أن يأتي رئيس يتوافق مع العسكر على التضحية بالجماعة مما يجهض المشروع الاسلامي أو على أقل تقدير ينجح في تأخيره لسنوات قادمة. يعضد ذلك القلق لدى الفريق الراعي لهذا الرأي رغبتهم في ضمان تنفيذ إجراءات إصلاحية عاجلة ، وإيقاف النزيف الاقتصادي الحادث ، وذلك عن طريق التربع على قمة هرم السلطة التنفيذية تزامناً مع خيبة الأمل تجاه أداء حكومة الجنزوري. إضافة لما سبق فإن ظهور مرشحين للمنصب المرتقب من أعوان النظام البائد وجنوده المخلصين ومن غير ذوي الكفاءة والراغبين في الشهرة ، يحدث هذا في الوقت الذي تذخر فيه الجماعة بالكفاءات التي تصلح لمثل هذا المنصب – من وجهة نظرهم على الأقل - ما دعاهم للبحث داخل الجماعة عمن يستطيع أن يملأ هذا الفراغ وهنا تعلقت الأبصار بشخصية القيادي المعروف خيرت الشاطر. وللرد على هذه المخاوف يجدر الاشارة الى أن الوضع الداخلي المصري وحالة الوعي السياسي التي بسطت نفسها على ربوع الوطن وحواجز الخوف التي انهارت داخل قلوب وعقول المصريين ، جميع هذه الأمور تؤكد أن الواقع الحالي لا يسمح بتكرار مآسي الماضي. بالاضافة لذلك فإن الضمان القانوني لعدم تكرار أخطاء الماضي يمكن تحقيقه عن طريق برلمان قوي منتخب بنزاهة ليمارس دوره في الرقابة والتشريع بكل حرية وشفافية ، وهو ما أمكن تحقيقه حديثا ، وصياغة دستور نزيه يحد من صلاحيات الرئيس ويضع آلية محاكمته ، وهو ما تشكلت من أجله لجنه يؤمن الغالبية بقدرتها على تحقيق ذلك. أما فيما يخص الرغبة في الإصلاح عن طريق منصب الرئيس فليس من اللازم أن تملك كل الأدوات التنفيذية لتقوم بالإصلاح خصوصا أن الشعب المصري لم يخلُ من مخلصين ووطنيين من غير الإسلاميين ، وبالتالي فمن الأفضل إذا وجدت غيرك القوي الأمين أن تعهد إليه بالأمانة وتعينه على حملها ، ويكفيك في ذلك تشكيل حكومة قوية ومخلصة. إضافة لما سبق فانني أرى أنه ليس من المناسب على الإطلاق أن تتقدم الجماعة بمرشح من داخلها لأن الأسباب الداخلية والخارجية التي دعتها لاتخاذ قرار الإحجام عن الترشح لمنصب الرئيس في العاشر من فبراير من العام الماضي لم تتغير بل على العكس لقد ازدادت وضوحا ، يؤكد ذلك من ناحية التقاعس الملحوظ من أجهزة الدولة المختلفة تجاه الأزمات الحالية وتعمد تعميقها والتباطؤ في حلها، كما ينبغي عدم تجاهل حالة الاستقطاب اللافتة التي تقوم بها التيارات المدنية والليبرالية مقابل أي خيار سياسي للتيار الاسلامي ، وجميع هذه الأمور معرضة للتنامي في حال وجود رئيس محسوب على أحد تيارات الإسلام السياسي. أيضا فإن الجماعة في حال تقديمها لمرشح إخواني لانتخابات الرئاسة فإنها سوف تقدم لخصومها السياسيين سواء من كان منهم متحاملا أو متشككاً فرصة ذهبية للطعن ورمي السهام ، إذ لن تقتنع القوى السياسية بمبررات الإخوان أيا كانت التي حملتهم على تغيير موقفهم. هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي فيكفي الإشارة إلى التصريحات النارية والمتتالية التي يطلقها قائد شرطة دبي ضد جماعة الاخوان وهو ما يعد مؤشراً على توجه دول الإقليم في التعاطي مع ما اعتبروه "المد الاخواني" في دول الربيع العربي ، ولا أتوقع أن يكون الموقف الغربي بأفضل حالا وذلك لأسباب لا تخفى على الجميع. وهنا يبرز السؤال الأهم ، وما الحل للخروج من هذه الأزمة خصوصا أن جماعة بحجم الإخوان تنظيمياً ودعوياً لا يليق لها أن تقف موقف المتفرج من انتخابات الرئاسة ، وأنا هنا أرفض دعاوى البعض بترك الباب مفتوحاً أمام أعضاء الجماعة لاختيار من يرونه مناسبا لأنه في حالة توحدهم خلف مرشح معين فسوف يبدو الأمر كما لو كان مسرحية هزلية للوصول بأحد المرشحين إلى سدة الحكم، وفي الحقيقة يصعب أن تلوم من يسيء الظن في هذه الحالة. أعتقد ان خيارات الجماعة محدودة بسبب ضيق الوقت وحساسية الموقف بالخيارين التاليين بأولوية الترتيب: 1. اختيار دعم أحد المرشحين الحاليين هو الأسهل ، وبالرغم من أنني لا أعيب على أيٍ منهما إلا أنني أرى استبعاد د. عبد المنعم أبو الفتوح لخروجه عن الشورى– حتى وإن تبين صحة رؤيته لأن الشورى مبدأ يلزم ترسيخه – وكذلك استبعاد الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل لاحتمال تصادمه مع الكثير من القوى والتيارات ، فإن خيار دعم د. محمد سليم العوا يكون – من وجهة نظري – مثاليا لا سيما أنه يحظى باحترام غالبية النخب ، كما أنه واحد من أبناء الحركة الإسلامية مما يعني عدم تصادمه مع المشروع الإسلامي إلا أنه في نفس الوقت ليس محسوبا على تيار بعينه. 2. النجاح في إقناع شخصية قوية تحظى بإجماع تيار شعبي ونخبوي عريض على أن يكون ذلك خلال الأيام القليلة القادمة ، وهو رغم صعوبته إلا أنه قد يكون حلا رائعا خصوصا إذا وجد الإخوان ضالتهم في شخص بحجم المستشارين طارق البشري أو حسام الغرياني أو محمود الخضيري. أعتقد أن الخريطة الانتخابية سوف تتغير فور إعلان الجماعة عن دخولها حلبة المنافسة بأحد الخيارين السابقين لذلك ينبغي ألا ننخدع بالمؤشرات الحالية لأنها مؤقتة. في هذه اللحظات الفارقة من عمر الوطن يأمل أبناء الحركة الإسلامية أن يكون موقف الجماعة المرتقب مراعيا لتاريخها العريق ومصداقيتها المعهودة وموائما بين حاضر مصر المتأزم ومستقبلها المنشود وهذا قدر المخلصين.