مضحكات مبكيات من زمن الثورات يحكى أن أعرابياً في الجاهلية زُفّت إليه عروسه على فرس، فقام فقتل تلك الفرس التي ركبت عليها العروس، فتعجب الجميع من حوله وسألوه عن سرِّ عمله فقال لهم : خشيت أن يركب راكب مكان جلوس زوجتي ولا يزال مكانها دافئاً! من صفات الحكّام في بلادنا العربية أنهم عاشقون ويغارون كثيرا بل إن غيرتهم في بعض الأحيان تصل الى حدّا الهوس ... والغيرة هنا ليست حول إمرأة أو مال وإنما حول كرسيّ الحكم ، فحكّامنا يعشقون السلطة ولا يطيقون أن يقترب من كرسي الحكم أحد غيرهم حتى ولو كان من نسلهم إذ أنّ النّسل يعشق كما الناس جميعا وفي عشقه خطر على الحكّام وتهديد لكرسيّ الحكم على الدّوام... حكّامنا يقولون في كرسيّ الحكم مثل ما قالت الشاعرة حفصة المغربية أشهر النساء في الغيرة: أغار عليك من غير ومني ومنك ومن مكانك والزمان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني ولا يفهم القارئ الكريم هذا المنطق إلاّ بالرجوع الى ما قاله الحكماء من أنّ قيمة كل شيء هي قيمة الحاجة إليه عند الإقتضاء ، فتراب شبر من الرمل الساحلي هو في نظر الغريق أثمن من الذهب كله في هذا العالم والكون والفضاء ... فحكّامنا أيها السادة مرضى بالغيرة كما النّساء ، وليس لغيرتهم دواء ولا علاج ولا يرجى من مرضهم الخبيث راحة ولا شفاء ، وكلّما مرّت الأيام على بقائهم في السلطة كلّما إزداد همّهم وكثر غمّهم وكبر الشّقاء .. فكيف لا وهم يستمدّون قيمتهم من كرسي الحكم ويتنفّسون السلطة كما الأوكسيجين والهواء ، فإذا ذهب حكمهم ذهب معه رونق الحياة والرغبة في مجرّد العيش والأمل في البقاء ؟؟؟ إنهم عاشقون لكرسيّ الحكم بجنون ، ففي كرسيّ الحكم الشبيه بالطاعون يوجد الدواء والشفاء والبقاء والصّفاء وهناء الجفون ، وفي كرسي الحكم الملعون يكمن السرّ في تحويل المذاق المُرّ الى حلاوة في الحلق تستقرّ لتظهر نتائجها فورا على العيون ... حياتهم كلها مرتهنة ببقائهم في السلطة وما فيها من تكبّر وتجبّر ومجون ، وهذا هو سبب غيرتهم على كرسيّ الحكم وخوفهم من الآتي مهما كان ومهما يكون ... ولذلك ترى الحكّام الذين فقدوا المقود واللّجام إذلاّء بعد خسارتهم للسلطة خرس إذا ناديتهم فلا تسمع منهم حديث ولا كلام ، وإذا تكلّموا قالوا كما قال شاعر العشق في غابر الأيام : ولولا الهوى ما ذلّ في الأرض عاشق ولكن عزيز العاشقين ذليل وصدق من قال : عندما تغار المرأة فإنها تكره الرّجل ، وعندما يغار الحاكم فإنه يكره نفسه ...