مستشار/ أحمد عبده ماهر من بين التحديات والعروض الإعجازية للقرءان والتي تُثبت أنه من لدن العلي الأعلى سبحانه وتعالى، ما أورده سبحانه وتعالى عن أبي لهب، حيث قال تعالى بسورة المسد: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ{3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ{5} لقد نزلت هذه السورة إبان حياة أبي لهب، وكان يمكنه أن يُسلم ولو نفاقا ليزعزع مكانة القرءان في قلوب أتباع محمد، لكنه لم يستطع، أتعلم لماذا؟، لأن القرءان من لدن الله الخالق الذي يعلم من خلق، ولأنه القائل : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً{83} فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً{84}مريم 83&84. ومن عروض الإثبات لمعرفة الغيب، والسيطرة على مُقَدَّرات الكون وما يجري فيه من أحداث، ذكر القرءان بسورة الروم، أن الروم الذين كانوا مهزومين عسكريا سَيَهْزِِمُونَ الفُرس في بضع سنين، وهي المدة من 3 9 سنوات، فكان ذلك فعلا، بل أن الله أبرم وعدًا بذلك النصر فقال: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ.... }الروم6، حيث يقول تعالى في سورة الروم: الم{1} غُلِبَتِ الرُّومُ{2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ{3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ{4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{6} ؛ إن تلك الأحداث ثبتت يقينا لدى كُفار مكة، كما ثبتت يقينا للناس جميعا حتى عصرنا، ولم يُكذب ذلك الحدث أحد، فلماذا لا ننشره نحن المسلمين على أهل الأرض بصورته العلمية؟. حقا قال تعالى عن القرءان بالآية 89 من سورة النحل: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89؛ وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9؛ ويقول تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2. وفي مسند أبي يعلي بالحديث رقم { 367 } عن علي قال سمعت رسول الله يقول: {أتاني جبريل، فقال يا محمد إن أمتك مختلفة بعدك، فقلت فأين المخرج يا جبريل قال كتاب الله، يقصم به الله كل جبار، ومن اعتصم به نجا، ومن تركه هلك، قول فصل وليس بالهزل لا تختلقه الألسن، ولا ينفد عن طول الرد، ولا تفنى عجائبه فيه نبأ من كان قبلكم وخبر ما هو كائن بعدكم}، ولقد رُوِِِيَ الحديث بذات المعنى بكتب متعددة للحديث، لكن ما أود الإشارة إليه في الحديث هو عبارة {لا تفنى عجائبه }، فهو فعلا كذلك وصدق كل من قال عن رسول الله صدقا. إن القرءان لا يُعَبِّر عن دين يمكن نقله من عصر إلى عصر عن طريق مُفَسِّري كل عصر، فلا يمكن أن يكون {عن...وعن...أنه قال} وإلا أصبح القرءان تُراثا حجريًا متحجرا، ولكان مشكوكا فيه لكون مصدره بشري، لكن القرءان يُعبِّر عن نقلة نوعية بين الأجيال، يُتَرجم نفسه علميًا لكل جيل وفق ما يجود به الله على أهل كل جيل، لهذا فإن قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53؛ يعنى استمرار حركة القرءان بين السنين والقرون، برهانًا على أنه من لدن الله، ولكونه يحمل الحقيقة المطلقة بدلالاتها لكل قرن على حدة، وتعني نفاذ معجزة محمد عبر القرون وبعد مماته، وهو ما يعني أنه أكبر أوجه الإعجاز في الكون، فضلا عن صور التحدي لأهل الكفر حين يعلم الكافر أن محمدًا قد قال بهذا القرءان منذ القرن السابع الميلادي، أيام كانت البشرية مطموسة في ظُلُمَات الجهل بلا علم ولا ثقافة ولا تحضُّر، فأين عقول هؤلاء من إدراك حقيقة وقدر القرءان ونبي القرءان ؟!. فعلى المسلم أن يعلم حقيقة التحدي الذي أَبَرَزَهُ القرءان وما زال يُبْرِزُه، وعليه أن يفخر بأنه مسلم ينتمي لتلك المعجزة الخالدة ...(القرءان الكريم)، لكن الكفر يُكشِّر عن أنياب الغدر بعدم استخدام العقل أو المنطق فيه، فهل ينكث أهل الإسلام ويغفلون أيضا تلك الصور من التحدي التي شهرها القرءان في وجه المعاندين، هل يترك المسلمون ساحة الدفاع عن الإسلام فارغة إلا من بعض الفقهاء غير المؤهلين من الذين لا يعلمون شيئا عن المضمون الإعجازي للقرءان؟، من الذين انكبوا على موائد فقه العبادات والمواعظ دون باقي أوجه العلوم التي حواها القرءان، حتى صار الإسلام صومعات من العبادة أو عبادة في صومعة. إن على المسلم أن يُشهر سلاح تحديات القرءان وعروضه الإعجازية {النَّصِيَةَ، والعملية، والعلمية، والقصصية} للدعوة لدين الله، وليقف صلبًا قويًا في مواجهة عواصف غدر التبشير، فلا بُشرى ولا تبشير بعد القرءان، ولابد أن يتسلح بكل ما هو جديد من التأويلات العلمية للقرءان، وعليه متابعة الحركة العلمية والحضارية والأدبية في العالم، حتى يتمكن من الدفاع عن دينه، والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يُجادل بالتي هي أحسن وهي العروض العلمية، بدلا من التعبير بالتظاهرات والمقاطعات والنسف والتدمير. ولابد للجامعات الإسلامية من بذل الجهد والسعي لإبراز الحقائق العلمية للإشارات القرءانية خاصة تلك التي لم يكتشفها الغرب، حتى نبرز مسلمين، كما يبرز قُرءاننا، وحتى نكون عمليا خير أُمة أُخرجت للناس. ولابد لأهل الدعوة من تأهيل أنفسهم، ليتكلموا باسم المعجزات العلمية التي يكتشفها أغراب عن دين الإسلام وهم لا يعلمون أن القرءان قد رواها في مُحكم آياته منذ أكثر من ألف وأربعمائة وثلاثين سنة، فمن ذا الذي يقع عليه واجب إرشادهم؟؟، إن على الدُعَاة دراسة تلك العلوم والتَّحديات بعد دراسة اللغات الأجنبية، وأن يُبْرِزُوا تحدي القرءان للجن والإنس وعروضه العلمية المُعجِزَة، حتى لا يقول قائل أو ينتهي علمه عن دين الإسلام بأن محمدًا كان مزواجًا، أو أنه نشر الإسلام بالسيف، أو أن القرءان من تأليفه. ------ مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي