لا يوجد كتاب على وجه الأرض ولا صاحب قلم ولا نبي أو رسول ولا في أحلام أصحاب الخيالات يتحدى الإنس والجن ويتحدى كل العقول لإثبات عجز كل الخلائق في مواجهته، كما فتح الله باب التحدي على مصراعيه بالقرءان الكريم ضد الجميع. ومن عجيب الأمر أن تحديات القرءان كثيرة فمنها ما يلي: 1. التحدي بنصوص القرءان، 2. والتحدي بالأفعال. 3. والتحدي بالعرض التقني والعلمي. 4. والتحدي بالتوازن الرقمي،. 5. والتحدي القصصي الإعجازي. 6. التحدي اللغوي. ونظرا لطول دلائل وبراهين التحدي فسأقوم بتقسيم هذا التحدي العظيم إلى خمس مقالات أبدأها بهذا المقال وهو عن التحدي بنصوص القرءان. أولا: التحدي بنصوص من القرءان 1 فكان أول التحدي إبان مهد الدعوة الإسلامية بمكةالمكرمة حيث طلب الله من العرب والعجم الذين تصوروا أن القرءان من عند غير الله فقال لهم: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ }الطور34. 2 ثم خفف الله التحدي بالآيات 13&14 من سورة هود، فبدلا أن يتحداهم بأن يأتوا بكل ما نزل من القرءان طلب منهم تخفيفا عليهم أن يأتوا فقط بعشر سور مما يزعمون بأن نبينا قد افتراها على الله، فقال جل في علاه: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{13} فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ{14}؛ وكان هذا التحدي في مكة أيضا ولا يزال قائما إلى يومنا هذا. 3 ثم كرر الله التحدي للمرة الثالثة ولكن بعد تخفيفه مرة ثانية ولا يزال قائما، وكان ذلك بمكة أيضًا، حيث قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }يونس38؛ • فبعد أن تحداهم في المرة الأولى أن يأتوا بحديث مثله، أي كلما أنزلت سورة يفتح لهم القرءان الباب كي يأتوا بمثلها، • فلما عجزوا خفف الله التحدي فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله، • فلما لم يستطيعوا خففها الله لتكون سورة واحدة فقط، ومع هذا لم يفعلوا، لكنهم لا يزالون على عنادهم وإصرارهم وقد سيطر عليهم إبليس فمنع روافد التعقل أن تصب في مِخَاِخِهم. 4 ولما هاجر المسلمون إلى المدينة، عرض الله التحدي المُخَفَّف مرة أُخرى، وهو أن يأتي المعاندون بسورة واحدة مثل القرءان، بل طلب منهم أن يأتوا بمحكمين من البشر ليحكموا بين سور القرءان وسورتهم المفتراة!، لكنهم رغم كل هذا لم يفعلوا، وفي ذلك يقول تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{24} 23&24البقرة؛ وتدبر رحمك الله كيف حوى الله هذا التحدي تحديًا آخر وهو قوله [ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ]، لقد كانت لهم فرصة عظمى أن يفعلوا، وأن يثبتوا خطأ القرءان، فحتى مجرد الفعل لم تستطع همتهم الصعود إليه، هذا فضلا عن أنه في التحدي بسورة يونس طلب منهم سورة {مثله}، أما التحدي بسورة البقرة فطلب منهم سورة {من مثله} أي بأي لغة كانت وبأي شكل كان، فكان التخفيف دوما، وكان ولا يزال عجزهم مستمرًا. 5 وبعد أن ثبت للإنس والجن عجزهم عن أن يأتوا حتى بمجرد سورة واحدة مكونة من عشر كلمات فقط، مثل سورة الكوثر التي هي أقصر سورة بالقرءان، فقد صرح الله بالتصريح الأخير الذي يؤكد عجز البشر وإعجاز القرءان، فقال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }الإسراء88. كان هذا هو التحدي الذي أقامه القرءان ليثبت عجز كل الكائنات عن مواجهة نصوصه ونظمها وبلاغتها ومنطقه ومنهجيته وموضوعيته. --------- مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي