سبق وذكرنا في أجزاء أربعة كيف تحدى القرءان الخلائق في نصوصه ونظمه، وكان الجزء الثاني عن كيف تحداهم في الأفعال، ثم كان الجزء الثالث والرابع والخامس الحالي عن التحدي بالعرض العلمي والتقني.. ولعلم القارئ الكريم بأن ههذا الأمر [القرءان يتحدى] من أهم الموضوعات التي تجعل لك رسوخ الجبال في الإيمان ويفين العارفين بكتاب الله، فهو ليس موضوعا هينا 11 فمن بين تحديات القرءان للعوالم هو اكتشافنا الحديث بضرورة ارتداء روَّاد الفضاء لملابس مخصوصة، تحفظ عليهم الضغط الجوى، وتمدهم بالأكسجين اللازم للتنفس علامة على أن القرءان كتاب الله، حيث يقول تعالى : {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125. فمن أين علم محمد بأن من يصَّعَّدُ في السماء يكون صدره ضيقا حرجا نتيجة اختلال الضغط وقلة الأكسجين اللازم للتنفس؟،... ففي عام 1648 م أثبت العالم Blaise Pascal أن ضغط الهواء يقل كلما ارتفعنا عن مستوى سطح البحر، وعليه فإن الكثافة تتناقص بسرعة شديدة كلما ارتفعنا بشكل عمودي، حتى إذا بلغنا ارتفاعات عالية، وصلت كثافة الهواء إلى حد قليل جدا، فلماذا لا يتمازج علم الفقهاء مع العلوم التجريبية لمصلحة الدعوة الإسلامية. 12 وهناك إعجاز تطور علم الأجِنَّةَ المذكور تفصيلا بالقرءان، بل بترتيب الحدوث، منذ تلاقي الرجل والمرأة بصفتهما زوجين، وحتى الولادة، حيث يقول تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ{12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ{13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}المؤمنون: 1214. فتلك المراحل السِّت لم يصل إليها الطب إلا في القرن الماضي[العشرين] فكيف أتى بها محمد في أوائل القرن السابع الميلادي؟، ومن ذا الذي كان يعلم بتعلق البويضة بعد تخصيبها بجدار رحم الأم حتى يسميها الله في القرءان { العَلَقَة }؟. ولقد ذكر الله تطور الجنين بسورة الحج أيضا فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5}الحج 5؛ فالطفل يبدأ نطفة، ثم علقة تتعلق بجدار رَحِم الأُنثى، ثم يصير مُضغة {قطعة لحم}، ثم يتم بناء الهيكل العظمي، ثم يتم كسوة العظم باللحم، ثم تتكون الأجهزة المختلفة للجسم الإنساني، فتبارك الله أحسن الخالقين، ولقد صَدَّق علم الطب على تلك المراحل وبترتيبها، فمن الذي أعلم محمدًا بمراحل تطور علم الأجنَّة؟. فلماذا لا يقوم الملايين من الذين تخرجوا من كليات الطب بكافة الدول الإسلامية بممارسة الترويج لقدرة ووحدانية الله؟، و التأكيد على صحة ما جاء بالقرءان، والدفاع عن نبوَّة محمد ؟. 13 ولقد كان للقرءان جولة تحدٍ ضمنية وإبداعية مع حشرة النمل، تؤكد أنه {القرءان} من لدن الخالق لكل شيء، حيث يقول تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }النمل18. إن الإعجاز في تلك الآية يكمن في قوله تعالى على لسان النملة: { لَا يَحْطِمَنَّكُمْ }، فلقد كان من المتوقع أن تقول النملة { لا يقتلنكم }. إن العرب وكل الأجناس يعلمون أن النمل يُقتل، فكيف يقال أنه يتحطم، أهو من مادة تتحطم؟؟، هذا ما أثبته العلم الحديث، حيث تبين أن جسم النملة مكونا من هيكل خارجي صلب، يعمل على حمايتها ودعم جسدها النحيل والضعيف، لكنه يسهل كسره لأنه يفتقر للمرونة، وقد ذكر القرءان ذلك قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، أيكون ذلك السرد البسيط لحقيقة علمية لأحد سوى خالق كل شيء؟، وحقا يقول تعالى: { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } الملك14؛ فأين من درسوا علم الحشرات من الدعوة إلى الله ودعم الإسلام بما هو أهله ومن أهله؟. 14 وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت41 . فمن بالقرن السابع الميلادي كان يعلم بأن التي تبني البيت هي أنثى العنكبوت وليس الذكر، لذلك كان ذكر الله لكلمة { اتَّخَذَتْ } ولم يقل { اتخذ}، أو {اتخذوا}، أكان محمد يعلم تحديد الوظائف داخل مملكة العنكبوت؟، وهل كان من سبيل لأحد في ذلك القرن أن يعلم ذكر العنكبوت من الأنثى؟، لكن حين علم أهل الغرب تلك الحقيقة بوصفها علمًا، لم يجدوا مسلما يقول لهم إن القرءان قال ذلك قبل قرون من اكتشافاتكم. 15 ومن كان بالقرن السابع يعلم فوائد شراب النحل وأن فيه شفاء للناس؟، ومن كان يعلم أن العسل يخرج من بطن الأنثى دون حاجة إلى تلقيح ذكري ، بينما يخرج اللبن من إناث الأنعام بعد أن يتم تلقيح الذكر للأنثى، وفي ذلك التباين يقول تعالى بالآية66 من سورة النحل عن الأنعام أن اللبن يخرج من بطونه: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ }النحل66 ؛ بينما بالآية 69 يقول عن النحل أنه يخرج من بطونها {أي أنها أنثى}: { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ{68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{69} ؛ فهل كان لمحمد علم بالذكورة والأنوثة فيما يخص إنتاج اللبن أو إنتاج العسل؟، ومن في زمانه كان يعلم تلك الحقائق والمعلومات؟. فعيب على من نالوا الشهادات الجامعية ألا يعلموا وألا يدافعوا عن كتاب الله، وعيب كل العيب على أهل العلم والإعلام ألا يُنْشَر هذا العلم كسلاح يؤكد صدق القرءان ونبي القرءان ، نعم إني أُشاهد حلقات الإعجاز العلمي للقرءان في التلفاز، وأقرأ الصحف التي تكتب عن هذا الأمر، لكنهم لا يُبرِزون أبدًا أنهم يذيعون ذلك لأجل دعم الواقع الإسلامي المُعْجِز لكل البشر، لكنهم يذيعونه كي يشعر المسلم بقشعريرة وقتية من الزهو بعد السهو، لأن المادة الفقهية فيها متواضعة، كما أنهم ينشرون ذلك بديارنا، وكان الأحرى أن ينشر ببلاد التكذيب بمحمد .....وإلى اللقاء في الحلقة السادسة من منظومة [القرءان يتحدى] ---- مستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي