يقول سبحانه وتعالى فى سورة الزمر: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).. ثم يعيد التأكيد مرة أخرى فى سورة العنكبوت: (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ). فقد أرشد النحل أن تتخذ من الجبال والأشجار بيوتا وأن تأكل من كل شىء يقابلها لكى تنتج «شرابا».. فيه شفاء للناس. كما وصف بيت العنكبوت بالضعف الشديد، حيث لا يقى من حر ولا يحمى من برد ثم ضرب مثلا «بالذباب» للذين لم يقدروا الله حق قدره واتخذوا من دونه آلهة أخرى، وذلك دلالة على ضعف العابد والمعبود.فالله يعدد فى سورة النحل بعض نعمه على عباده لعلهم يتذكرون، حيث ينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها، كما يخرج من بطون الأنعام، ومن بين الفرث والدم.. لبنا خالصا سائغا للشاربين، وكذلك من ثمرات النخيل والأعناب ما يتخذه الناس سكرا ورزقا حسنا، كل ذلك هدى ورحمة لقوم يؤمنون. وقد أرشد وألهم الله النحل أن تتخذ بيوتا مما يبنيه البشر وكذلك الجبال والأشجار.. وأن تأكل من الثمرات التى تشتهيها بدون خوف أو جهد فكله ميسر بأمر الله.. كل ذلك لينعم الله على البشر بشراب مختلف ألوانه.. هو عسل النحل.. الذى وصفه سبحانه وتعالى بأن فيه شفاء للناس (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). فقد دعانا الله للنظر فى تلك الآية والتفكير فيها، فهذه النحلة المؤذية التى «تقرص» الإنسان.. هى ذاتها التى تهبه «دواء» له من أغلب الأمراض، لقد منحها الله وسيلة لحماية نفسها وخاصة من أشد أعدائها وهما الإنسان والدبور، وذلك بالقرص للأول.. والقتل بالحرارة للثانى، فالدبور أكثر الكائنات الطائرة أو الزاحفة التى تهاجم خلايا النحل حيث يجد فى عسله وجبة شهية، ولكن عندما يبدأ فى الهجوم تحيط به النحلات من كل جانب، وتبدأ بهز أجنحتها بسرعة كبيرة تصل إلى 11 ألفا و400 رفة فى الدقيقة الواحدة، وهو ما يؤدى إلى رفع درجة حرارة الأجواء المحيطة بها وبالدبور، ولكن نظرا لأن النحلة يمكنها تحمل حرارة بدرجة 49 مئوية، بينما الدبور لا يتحمل أكثر من 45 درجة من الحرارة المرتفعة، فهو يسقط ميتا على الفور! وعندها تتوقف النحلات عن هز الأجنحة وتعود لممارسة حياتها المعتادة، فى خدمة الملكة وإفراز العسل.. فمن علم النحل تلك التقنية الرهيبة والسريعة فى حماية نفسها وبيتها؟.. إنه الله. ??? أما العنكبوت.. فتلك آية أخرى، ويكفى أنه تواتر فى أغلب كتب السيرة.. أنه كان سببا مع الحمامة فى نجاه رسول الله وصاحبه أبو بكر عندما كانا فى الغار. فعندما شعر أبو بكر بأقدام الكفار على باب الغار أبدى تخوفه من أن يروهما، فطمأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله «ما بالك باثنين الله ثالثهما».. فهل بعد حفظ الله وحمايته شىء؟. لقد قال أبو بكر: لو نظر أحدهما تحت قدمه لرأنا ولكن الله أوحى إلى العنكبوت بأن تنسج بيتا لها بمدخل الغار، وأن تعشش حمامة على ذات المدخل.. فهل يمكن أن يدخل أحد إلى الغار دون أن تطير الحمامة من عشها وأن يزال بيت العنكبوت وهو أوهن البيوت. فمن أوحى إلى تلك الكائنات بذلك؟.. إنه الله. فسبحانه يضرب الأمثال للناس لعلهم يعقلون، فقد ضرب مثلا ببت العنكبوت على ضعف ووهن الآلهة التى يتخذها الكفار من دون الله، حيث قال (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، والضعف هنا مادى ومعنوى.. ومقصود به البيت ذاته وليس الخيوط التى ينسج منها، فهو عبارة عن «شبكة» لا تقى من حر الصيف ولا تحمى من برد الشتاء، ولا تمنع التأثر بالعواصف والأتربة، ولكنه فى ذات الوقت عبارة عن «مصيدة» للحشرات الطائرة بما تفرزه أنثى العنكبوت من مواد لزجة على تلك الخيوط تجعل الحشرات الطائرة تلتصق بها ولا تستطيع الفكاك منها. وقيل إنه ضعف معنوى.. حيث البيوت جعلت للسكنى وإقامة الأسرة والتكاثر فيها، ولكن الحقائق العلمية تكشف أن أنثى العنكبوت هى التى تنسج البيت وليس الذكر الذى يقتصر دوره على المعاشرة الجنسية واللقاح فقط، حيث يسارع بالهرب بعد أن يقضى وطره حتى لا تأكله الأنثى خاصة وأنها أكبر حجما وأكثر شراسة. والأدهى من ذلك أنه عندما تضع الأنثى بيضها تحتضنه فى كيس من حرير وهو بكميات كبيرة، وعندما يفقس البيض وتخرج منه العناكيب الصغيرة.. تتصارع مع بعضها بسبب قلة الغذاء وضيق المكان، ومن ينجو منها وخاصة الإناث تسارع بالخروج والبدء فى بناء بيت خاص لها. فبيت العنكبوت هو أوهن وأضعف بيوت الطيور والحشرات وهو غير جامع للأسرة، فالأنثى تأكل الذكر بعد التلقيح وقد تأكل أبناءها بعد خروجهم من البيض، كما يأكل الإخوة بعضهم البعض كلما سنحت لهم الفرصة لذلك! ويتضح الأمر أكثر إذا قارنا بيت العنكبوت ببيت النحل، حيث الجميع فى خدمة الملكة مع إفراز العسل، حيث يخرج من بطون النحل شراب مختلف الألوان فيه شفاء للناس، أو بمملكة النمل، حيث لكل عضو فيها وظيفة.. وكلنا نذكر عندما رأت نملة جيش سليمان ماذا فعلت؟.. (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).. فمن فعل ذلك الاختلاف؟.. إنه الله. ??? نأتى إلى الإعجاز الأخير فى طيور القرآن عندما ضرب الله مثلا بالذباب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ). فالله يقول المؤمنين الذين يتفكرون فى خلقه إن الذين يتخذون آلهة لهم من دونه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، والأخطر من ذلك.. إنه إذا سلبهم الذباب شيئا، فإنهم لا يستطيعون استرجاعه منه! لقد أثبت العلم الحديث أن الذباب لا يملك جهازا هضميا معقدا كالكائنات الأخرى، فلذلك يلجأ إلى ما يسمى بالهضم الخارجى، فمثلا لو وقف الذباب على قطعة «جاتوه». فإنه يبدأ فى إفراز مواد تمكنه من امتصاص ما تحتويه قطعة الجاتوه من مواد كربوهدراتية، حيث تتحلل إلى مواد بسيطة التركيب يمكن امتصاصها فى الأنبوب الهضمى وتسير فى الدورة الدموية إلى خلاياه، فيتحول جزء منها إلى طاقة تمكنه من الطيران، وجزء آخر إلى خلايا وأنسجة ومكونات عضوية، وجزء أخير إلى مخلفات يتخلص منها جسم الذباب. فأين ما سلبه الذباب من قطعة الجاتوه؟.. وما هو السبيل إلى استرجاعها؟. فمن فعل ذلك.. إنه الله. نعم إنه الله الذى يقول للشىء كن فيكون، والذى خلق كل شىء ثم هدى، فسبحانه وتعالى يضرب الأمثال للناس لعهلم يتقون.