مضحكات مبكيات من زمن الثورات بقلم عزالدين القوطالي يقول المثل الأنكليزي : في الأعراس تُستدعى الحمير إما لجلب المياه أو حمل الأخشاب ... ولأنّ بعض السياسيين في بلادنا أشبه بالحمير في علاقة بشؤون الحكم والإدارة والتدبير ، فإنّ المثل الإنكليزي يكون أقرب تعبيرأ عن حقيقة أولائك الذين يفنون حياتهم وهم في وضع الإنحناء يركب على ظهورهم كلّ من هبّ ودبّ وكلّ من أقبل وجاء ، فيصل الراكبون الى مبتغاهم ويبقى الحمير حميرا لا تراهم إلاّ مركوبين الآن وغدا والى يوم الدّين ... ولعله من الطريف أن يعلم القارئ أنه حسب الإحصائيات المتداولة يوجد قرابة 44 مليون حمارًا حول العالم ... وهذا العدد ليس بالكثير مقارنة بالسياسيين الحمير ، فعددهم مضاعف في بلاد يرفع أهلها المصاحف على أسنّة رماحهم كلّما إختلفوا حول من يكون الأمير، ومن يفوز بلقب الوزير ... والحمار كائن مهم في الأديان القديمة إذ تحدّثت عنه التوراة بإعتباره علامة وإشارة لعودة المسيح المخلّص وتحقّق البشارة ، فنجد أن سفر زكريا 9 يتنبأ أن المسايا المنتظر سوف يدخل أورشليم راكبا حمارا إثناء الإقتحام والإغارة ... وقد كان الزعيم المصري الشهير سعد زغلول قائد ثورة 1919 معروفا بتنقّلاته المستمرّة على ظهر حمار ، وبهذا أصبح حمار سعد زغلول مشهورا أكثر من صاحبه بعد أن قال فيه أحدهم قصيدة مطلعها : حمارُ الزعيم زعيمُ الحميرْ .. على عَرْش مُلْكِ الحميرِ أميرْ لِجَامٌ من العِزّ في فَكِّه .. إِكَافٌ على ظهره من حريرْ تَخِرُّ البِغَالُ له سُجَّدًا .. وتحسُدُه الخَيْلُ عند المَسيرْ يتيه اختيالاً ويمشي فخورًا .. بجيد طويل ورأس كبير أحسَّ جلالَ الذي فوقه .. فصار النَّهيقُ شبيهَ الزئيرْ وفي إسبانيا توجد ضيعة جبلية جميلة إسمها (ميخاس) إقتصادها كله يقوم أساسا على الحمير، ومن مدخل القرية يستقبلك تمثال مهيب لحمار أندلسي عجيب فتشعر بدخولك الضيعة أنّك في عالم غريب يعتبر فيه الحمار هو الكائن الوحيدة المعشوق والحبيب ... طبعا الحمير من البشر الذين يركبهم بشر مثلهم هم فئة لا ترتقي الى مرتبة الحمير الحقيقية سواء تلك التي تحدّثت عنها التوراة أو تلك التي صاحبت الثورة المصرية أو كانت سببا في شُهرة القرية الإسبانية ... فالحمار اليهودي في التوراة كائن مقدّس طالما أن راكبه كان المسايا المنتظر وهو في مرتبة الإله المخلّص ، كما أن حمار سعد زغلول سجّل إسمه في التاريخ بوصفه الكائن الذي ركب عليه زعيم ثورة 1919 في مصر، وكذلك أمر الحمار الأندلسي في قرية ميخاس الإسبانية إذ أضحى قبلة للسيّاح من مختلف أنحاء العالم ، يتسابقون من أجل أخذ الصور التذكارية معه ، وتوثيق زياراتهم التاريخية للقرية العجائبية ... أمّا الحمير من البشر الذين يمارسون السياسة بوصفهم حميرا ، فلا تذكر أسماؤهم إلاّ للتندّر والتّنكيت والتسلية في الزمن المقيت حيث يكثر النهيق ويصبح الحمار بقدرة قادر أفضل زعيم وأعظم قائد وأوفى رفيق ... وصدق الشاعر عبد الرحمن يوسف عندما قال : حين يصبح الحمار زعيماً، سترى النهيق وقد أصبح غناء جميلاً، وترى زقزقة العصافير هي أنكر الأصوات، وستجد البلابل تخفض صوتها بالتغريد خشية أن يقبض عليها جنود الحمار بتهمة تكدير السلم العام...