الخميس 6 سبتمبر 1798 إعدام السيد محمد كُريم ============= ذكر الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" سيرة السيد محمد كُريم وقد نقلنا ما كتبه بتصرف يسير. لما جاء حسن قبطان باشا في سنة 1786 واليا على مصر من قبل الخليفة العثماني السلطان عبدُ الحميد الأوَّل ، اختص الوجيه الأمثل السيد محمد كريم الاسكندري فرفع شأنه بين أقرانه فمهد له الأمور بالثغر وأجرى أحكامه به وفتح له باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الأمور وأخذ أموال التجار من المسلمين وأجناس الإفرنج إلى أن غزا الفرنسيون الإسكندرية فتجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس فكان هو من أعظم الأسباب في تملك الفرنسيس للثغر. كان السيد محمد كريم في أول أمره قبانيًا يزن البضائع في حانوت بالثغر وعنده خفة في الحركة وتودد في المعاشرة فلم يزل يتقرب الى الناس بحسن التودد ويستجلب خواطر حواشي الدولة وغيرهم: من تجار المسلمين والنصارى ومن له وجاهة وشهرة في أبناء جنسه حتى أحبه واشتهر ذكره في ثغر الإسكندرية ورشيد ومصر واتصل بصالح بك حتى كان وكيلًا بدار السعادة وله الكلمة النافذة في ثغر رشيد وتملكها وضواحيها واسترق أهلها وقلد أمرها لعثمان خجا فاتحد به وبمخدومه السيد محمد المذكور واتصل بمراد بك بعد صالح آغا فتقرب إليه ووافق منه الغرض ورفع شأنه على أقرانه وقلده أمر الديوان والجمارك بالثغر ونفذت كلمته وأحكامه وتصدر لغالب الأمور وزاد في المكوسات والجمارك ومصادرات التجار خصوصًا من الإفرنج ووقع بينه وبين السيد شهبة الحادثة التي أوجبت له الاختفاء بالصهريج وموته فيه. ولما خرجت مراكب الفرنساوية - لا يدري أحد لأي جهة يقصدون - تبعهم طائفة الانكليز الى الاسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا أولًا الى جهة مالطة فوقف الانكليزية قبالة الاسكندرية وأرسلوا قاصدهم الى الثغر يسألون عن خبر الفرنساوية في يوم الخميس 8 محرم 1213 هجرية فحضر الى الثغر عشرة مراكب من مراكب الانكليز ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر. وبعد قليل حضر خمسة عشر مركبًا أيضًا فانتظر أهل الثغر ما يريدون وإذا بقارب صغير واصل من عندهم وفيه عشرة أنفار فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلد والرئيس إذ ذاك فيها والمشار إليه بالإبرام والنقض السيد محمد كريم فكلموهم واستخبروهم عن غرضهم فأخبروا أنهم انكليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس لأنهم خرجوا بعمارة عظيمة يريدون جهة من الجهات ولا ندري أين قصدهم فربما دهموكم فلا تقدرون على دفعهم ولا تتمكنوا من منعهم فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا القول وظن أنها مكيدة وجاوبوهم بكلام خشن وردهم عليهم ردًا عنيفًا. فأخبره رسل الإنكليز أنهم أخصامهم وعلموا بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه على أن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على الثغر فلا نمكنهم من العبور إلى ثغركم ولا نحتاج منكم إلا الإمداد بالماء والزاد بثمنه فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم وقال لهم هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيس ولا لغيرهم عليها سبيل فاذهبوا عنا. فعندها عادت رسل الانكليز وأقلعوا في البحر ليمتاروا من غير الاسكندرية وليقضي الله أمرًا كان مفعولًا. فما هو إلا أن غابوا في البحر نحو الأربعة أيام إلا والفرنسيس قد حضروا وكان ما كان. فلما حضر الفرنسيس ونزلوا الاسكندرية قبضوا على السيد محمد المذكور وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه في مركب ولما حضروا الى مصر وطلعوا الى قصر مراد بك وفيها مطالعته بأخبارهم وبالحث والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم وتنقيصهم فاشتد غيظهم عليه فأرسلوا وأحضروه الى مصر وحبسوه فتشفع فيه أرباب الديوان عدة مرات فلم يمكن. إلى أن كانت ليلة الخميس 15 ربيع الأول 1213 (6 سبتمبر 1798) فحضر إليه مجلون وقال له: المطلوب منك كذا وكذا من المال وذكر له قدرًا يعجز عنه وأجله اثنتي عشرة ساعة وإن لم يحضر ذلك القدر وإلا يقتل بعد مضيها. فلما أصبح ، أرسل إلى المشايخ وإلى السيد أحمد المحروقي فحضر إليه بعضهم فترجاهم وتداخل عليهم واستغاث وصار يقول لهم "اشتروني يا مسلمون" وليس بيدهم ما يفتدونه به وكل إنسان مشغول بنفسه ومتوقع لشيء يصيبه. فلما كان قريب الظهر - وقد انقضى الأجل - أركبوه حمارًا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة الى أن ذهبوا الى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحًا وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبوت وطافوا بها بجهات الرميلة والمنادي يقول: هذا جزاء من يخالف الفرنسيس ثم إن أتباعه أخذوا رأسه ودفنوها مع جثته.