تعرضت أسواق الملاذ الآمن لاضطرابات شديدة في الشهر الجاري، شهدت معه خسائر حادة، تزامناً مع البيانات الاقتصادية القوية حول العالم، والتي دفعت الأصول الخطرة للانتعاش. وفقدت العملة اليابانية على اعتبارها أشهر عملات الملاذ الآمن نحو 1.6% من قيمتها أمام الدولار على مدى شهر أكتوبر الجاري، وذلك في الوقت الذي كانت فيه بورصة "طوكيو" تحقق مستويات غير مشهودة منذ 20 عاماً. وحققت البورصة اليابانية ارتفاعات ل7 أسابيع متتالية، وشهدت مكاسب يومية متتالية لمدة 16 جلسة، ليصعد مؤشر "نيكي" إلى أعلى مستوى منذ يوليو 1996. وجاءت خسائر الين وصعود الأسهم اليابانية مع حقيقة أن ثالث أكبر اقتصاد في العالم شهد انتخابات تشريعية مبكرة خلال شهر أكتوبر انتهت بفوز رئيس وزرائها الحالي "شينزوا آبي"، مما ساهمت في ارتفاع سوق الأسهم. كما خيم التراجع على أداء الذهب، فانخفض سعر العقود الآجلة للمعدن الأصفر بنحو 0.7% منذ مطلع الشهر الجاري، وذلك بعد أن تخطى مستوى 1350 دولاراً في نهاية سبتمبر الماضي. ودفع الدولار القوى وأداء البورصة الأمريكية المعدن النفيس إلى تسجيل مستويات متراجعة خلال الفترة الماضية، ليسجل بحلول الساعة 3:44 مساءً بتوقيت جرينتش مستوى 1271.2 دولار للأوقية. ويواصل مؤشر "داو جونز" تسجيل مستوياته القياسية، متجاوزاً 23 ألف نقطة، مع مكاسب قوية وقياسية لباقي مؤشرات الأسهم في الولاياتالمتحدة. ودفعت بيانات نتائج أعمال الشركات التي استمر الإعلان عنها طوال الشهر سوق المال الأمريكي لمزيد من النمو، إلى جانب إقرر الموازنة العامة لعام 2018، ما يفتح الباب لتنفيذ خطط الرئيس "ترامب" بخفض الضرائب على الشركات والأفراد. وشهد شهر أكتوبر موافقة مجلس الشيوخ على موازنة "دونالد ترامب" المقدرة ب4 تريليونات دولار، قبل أن يقرها الكونجرس، كما أن الإصلاحات الضريبية المرتقبة في طريقها إلى أن تخرج إلى النور وسط تأكيدات رسمية بحدوث ذلك مطلع نوفمبر المقبل. كما شكلت البيانات الاقتصادية الإيجابية عامل ضغط على أداء أسواق الملاذ الآمن، مع تجاوز النمو الاقتصادي الأمريكي في الربع الثالث للتوقعات، مسجلاً 3%. وفي سوق العمل تراجع معدل البطالة لأدنى مستوى منذ ديسمبر 2000 عند 4.2%، كما أن متوسط الأجور ارتفع بنسبة 2.9% في الاثني عشر شهراً المنتهية في سبتمبر الماضي. وبشكل أكثر توسعاً، كانت توقعات نمو الاقتصاد العالمي لا تصب في مصلحة الملاذات الآمنة، حيث رفع صندوق النقد الدولي تقديرات النمو للعام الجاري و2018 بنحو 0.1%، بدعم تعافي الاقتصاد في منطقة اليورو واليابان والأسواق الناشئة داخل آسيا. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن سعر الذهب سوف يسجل 1250 دولاراً للأوقية خلال عام 2017، مع توقعات زيادة جديدة في أسعار الفائدة الأمريكية. أما عملة الفرنك فقد تراجعت بنحو 3.5% أمام نظيرتها الأمريكية منذ بدء شهر أكتوبر، حيث بلغت قيمته خلال نفس الفترة إلى 1.0016 فرنك. وتشهد أسواق الأسهم الأوروبية أداءً مشابهاً للصعود القياسي في الولاياتالمتحدة واليابان، حيث سجل مؤشرا "داكس" الألماني و"كاك" الفرنسي مكاسب قياسية مؤخراً، تزامناً مع إعلان نتائج أعمال الشركات. وفقدت الملاذات الآمنة دعماً أساسياً متمثلاً في المخاوف الجيوسياسية الناتجة تحديداً عن كوريا الشمالية، مع توقف تجاربها الباليستية وحرب التصريحات والتهديدات بينها وبين الولاياتالمتحدة تلك الفترة، ما قلص من مخاوف المستثمرين ودفعهم للمخاطرة.