أعدت خطة هذه المذبحة منذ اليوم الأول للاجتياح الإسرائيلي للبنان في عملية سلامة الجليل في يوم الخميس الموافق 4 حزيران 1982 ، وليس في يوم السبت الموافق 6 حزيران 1982 كما هو شائع ، لأن القصف الجوي التحضيري للاجتياح بدأ في منتصف نهار يوم الخميس الموافق 4 حزيران 1982، وقد كان الهدف من هذا الاجتياح تخريب المخيمات ، وإضعاف الفلسطينيين ، ودفعهم إلى الهجرة خارج لبنان كما صرح وزير الاقتصاد الاسرائيلى الذي قال قبيل المذبحة ( إسرائيل لا تريد إعادة بناء المخيمات حتى لا تعود مجددا مركزا للإرهاب ، وأن إسرائيل تريد أن ينتقل الفلسطينيون من لبنان إلى الدول العربية الأخرى حيث يذوبون في المجتمعات العربية ، ولا يسمح لهم أن يكونوا قضية سياسية تستخدم ضد إسرائيل ، إن مشكلة اللاجئين ليست كبيرة إذ يكفي 25 % من دخل النفط العربي لحلها ) وذلك بالإضافة إلى القضاء على الثورة الفلسطينية ، واحتلال الجنوب ، والاستيلاء على مياه نهر الليطاني ونهر ألوزاني وتحويلها إلى فلسطينالمحتلة لبناء المزيد من المستوطنات ، وجلب المزيد من المهاجرين ، وطرد القوات السورية ، وفرض معاهدة استسلام على لبنان ، ولذلك وقبل خروج قوات المقاومة الفلسطينية من لبنان ، وتحسبا من خداع العدو وأسلوبه اللاخلاقي ، طالبت القيادة الفلسطينية بضمانات من الحكومتين اللبنانيةوالأمريكية من اجل توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين في لبنان ، وقد حصلت على ذلك خطيا من خلال رسالة المبعوث الامريكى فيليب حبيب ، وهو أمريكي من أصل لبناني من قرية عين عرب بالبقاع ، ومن سخرية القدر أن القوات الإسرائيلية كانت أسرت عمه ، ولم تفرج عنه إلا بعد تدخله شخصيا ، وتعتبر هذه الرسالة دليل وثائقي على هذه الضمانات والتي قال فيها ( فيما يتعلق بضمانات الحكومة الأمريكية المتعلقة بأمن القوات الفلسطينية المغادرة ، وأمن المخيمات ، فإن الولاياتالمتحدة ستقدم هذه الضمانات ) ، وكذلك أشار النص النهائي للاتفاق في 11/8/1982 ، والتي خرجت القوات الفلسطينية من بيروت على أساسه إلى الضمانات الأمريكية لأمن المخيمات ، وذلك على النحو التالي ( سيسمح للفلسطينيين المستفيدين بالقانون من غير المقاتلين ، والباقين في بيروت ، ويضمنهم عائلات المغادرين من العيش بسلام وامن ، وستقدم الحكومتان اللبنانيةوالأمريكية الضمانات الأمنية المناسبة ، وستقدم الولاياتالمتحدةالأمريكية ضماناتها على أساس التأكيدات التي تسلمتها من حكومة إسرائيل ، ومن زعماء منظمات لبنانية معنية اتصلت بها ) ، كما نص الاتفاق على أن تبقى القوات متعددة الجنسية في بيروت مدة شهر ، ابتداء من تاريخ دخولها في 21/8/1982 قابلة للتجديد ، وعلى ذلك وبعد خروج قوات المقاومة من بيروت أصبحت المخيمات مجردة من السلاح على أساس أن الجيش اللبناني والقوات متعددة الجنسية ستكون مسئولة عن ضمان امن المخيمات ، إلا أن القوات الأمريكية العاملة في إطار القوات المتعددة الجنسية انسحبت من لبنان يوم 13/9/1982 ، وتبعتها القوات الايطالية والقوات الفرنسية ، مما جعل الموقف كله في قبضة قوات الاحتلال الإسرائيلية التي قامت باحتلال بيروتالغربية في يوم 15/9/1982 ، بحجة منع العنف والفوضى ، وإراقة الدماء ، ووجود ألفي فدائي فلسطيني بأسلحتهم الثقيلة في بيروتالغربية ،وخاصة بعد اغتيال بشير الجميل قائد القوات الانعزالية اللبنانية ، والرئيس اللبناني المنتخب في ظل الاحتلال الإسرائيلي في 14/9/1982على يد المناضل اللبناني حبيب الشرتوني احد أعضاء الحزب القومي الاجتماعي السوري ، مما وفر الظروف الكافية لتنفيذ خطة المذبحة ، حسب خطة وضعتها قيادة الكتائب ، والقوات الانعزالية اللبنانية ، وقوات سعد حداد وقيادة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي ، بحيث تدخل ميليشيا الكتائب والقوات الانعزالية وقوات سعد حداد مخيمي صبرا وشاتيلا وتقتل من في المخيمين ، في حين يوفر جيش الاحتلال الإسرائيلي الظروف والعوامل اللازمة لتنفيذ الخطة ، من خلال محاصرة المخيمين بأكثر من مائة وخمسون دبابة ، ومائة ناقلة جند ، وأربعة عشر عربة مدرعة ، وعشرون جرافة ( بلد وزر ) ، وذلك بالإضافة إلى منع الدخول والخروج من المخيمين ، وإطلاق المشاعل المضيئة والأنوار الكاشفة ليلا ، لتسهيل مهمة الميليشيات ، إلى جانب تقديم الخدمات اللوجستية ، وتنفيذا لذلك قام رئيس الأركان الإسرائيلي رفائيل ايتان وقائد الجبهة الشمالية الإسرائيلية الجنرال أمير دروري وقائد الفرقة المدرعة العميد أموس يارون بالتوجه إلى المركز الرئيسي لحزب الكتائب ، وطلبوا من القيادة الكتائبية إعلان التعبئة العامة ، وفرض حظر التجول ، والتحاق ضابط الارتباط الكتائبي بالمركز الأمامي في قيادة الفرقة الإسرائيلية استعدادا لعملية اجتياح مخيمي صبرا وشاتيلا ، وابلغ رئيس الأركان الإسرائيلي روفائيل ايتان القيادة الكتائبية أن القوات الإسرائيلية ستطوق المخيمين ، ولكن القتال سوف يقع على عاتق القوات اللبنانية الانعزالية ، والقوات الكتائبية ، وقوات سعد حداد ، كما ابلغهم أيضا موافقة وزير الدفاع الإسرائيلي شارون على الخطة ، وبعد ذلك غادر الجنرال ايتان إلى مركز القيادة الإسرائيلية المتقدم الذي يقع على سطح بناية مؤلفة من خمس طوابق ، ويبعد حوالي مائتي مترا جنوب غرب مخيم شاتيلا ، ويمكن للواقف على سطح البناية أن يرى بسهولة ووضوح كل ما يجري داخل مخيمي صبرا وشاتيلا ، وفي صباح يوم 15/9/1982 وصل وزير الدفاع الاسرائيلى الجنرال شارون إلى مركز القيادة الإسرائيلية المتقدم ، واجتمع مع رئيس الأركان الجنرال ايتان الذي اخبره بكل ما اتفق عليه مع قيادة حزب الكتائب ، وقيادة القوات الانعزالية اللبنانية ، وقيادة قوات سعد حداد ، وكرر الجنرال شارون موافقته ، واتصل برئيس الوزراء مناحيم بيغن ، وأطلعه على الموقف ، وعملية المخيمين المنتظرة ، وبعد ذلك انتقل إلى بيت الكتائب ، واتفق الطرفان على تنفيذ الخطة ، وفي هذا الإطار التقى قادة الكتائب ، وقادة القوات اللبنانية مع قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلى الجنرال أمير دروري ، واتفق الطرفان على أن تدخل القوات اللبنانية إلى المخيمين من الجنوب إلى الشمال ، ومن الغرب إلى الشرق ، وهكذا دخلت القوات الكتائبية والانعزالية إلى المخيمين في الساعة السادسة من مساء يوم 16/9/1982 ، وغادرتهما في الساعة الثامنة من صباح يوم 18/9/1982 ، وخلال هذه الساعات الثمانية والثلاثون ، أعملت الكتائب والقوات الانعزالية السلاح في السكان المدنيين الفلسطينيينواللبنانيين العزل من نساء وشيوخ وأطفال ومرضى ومعاقين وجرحى بلا رحمة أو شفقة ، وبمختلف الأسلحة والبلطات والفؤوس والخناجر ، واخذوا يقتحمون البيوت ويذبحون سكانها دون إطلاق النار ، واستمرت العناصر المسلحة المتعطشة لسفك الدماء تتقدم ببطء ، مخلفة ورائها آثار الموت والدمار ، وفاصلة الرجال عن النساء والأطفال ، ثم أخذت تطلق عليهم النار بعد إيقافهم على الجدران ، رغم أن الكثير من الناس رفعوا الأعلام البيضاء للتعبير عن الاستسلام ، وعدم وجود مسلحين أو سلاح ، لكن الكتائب والانعزاليون واصلوا القتل في مجزرة وصلت حدا من البشاعة والإجرام إلى درجة الذبح ، وبقر البطون ، وصلم الآذان ، وجدع الأنوف ، وتقطيع الأوصال بالبلطات ، والتمثيل في الجثث ، ودفن العشرات من الإحياء في مقابر جماعية ، واغتصاب العشرات من النساء ، وقد كان كل ذلك يحدث تحت شعار ( بدون عواطف ) ( الله يرحمه ) ، وكلمة السر اخضر( أي طريق الدم مفتوح ) ، وقد بلغ عدد ضحايا هذه المجزرة ( 3297 شهيد ) منهم ( 1800 شهيد ) تحت أنقاض بيوت المخيمين المدمرة وشوارعهما ، ( 1097 شهيد ) في مستشفى غزة وجواره ، ( 400 شهيد ) في مستشفى عكا وجواره ، ولم يستثنى من ذلك الأطباء والمرضى والممرضات والجرحى ، ومئات من أشباه الأحياء ، وهكذا كانت مجزرة صبرا مجزرة العصر ، الشهيد والشاهد على بشاعة الإرهاب الصهيوني الامبريالي الانعزالي الطائفي ، وقد اعترف تقرير لجنة كاهان الإسرائيلية التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية للتحقيق بالمذبحة بمسؤولية رئيس الوزراء الاسرائيلى مناحيم بيغن ، وأعضاء حكومته ، وقادة جيشه عن هذه المذبحة استنادا إلى اتخاذهم قرار دخول قوات الكتائب والقوات الانعزالية وقوات سعد حداد إلى المخيمين ، إلا أن اللجنة اكتفت بتحميل النخبة الإسرائيلية المسؤولية غير المباشرة ، واكتفت بطلب إقالة وزير الدفاع شارون، وعدم التمديد لرئيس الأركان روفائيل ايتان بعد انتهاء مدة خدمته في الجيش الإسرائيلي ، ولم يتحرك الضمير العربي والضمير الإنساني ، ولم تخرج حتى مظاهرة عربية واحدة في أي شارع من شوارع العواصم العربية التي دخلت بيت الطاعة الأمريكي الصهيوني رغم أن هذه المجزرة وما حدث فيها من أهوال كانت كافية لاستجابة هذا الضمير ، ورغم أن شوارع تل أبيب نفسها انطلقت فيها المظاهرات استنكارا لهذا الإسراف غير المبرر إيديولوجيا أو أخلاقيا أو قانونيا لكل هذا القتل ، ولكن قد يرجع ذلك إلى موت الضمير العربي ، أو لأن الضمير العربي كان مشغولا بالمونديال ، أو لأن الضمير العربي كان قد استوعب القضية لدرجة انه كان يرى أن الفلسطينيون هم الذين يشكلون الخطر على أمنهم ومصالحهم وليس الإسرائيليون ، أو لان الضمير العربي كان يرى أن الفلسطينيون هم شعب زائد في المنطقة ويجب أن يخرج من التاريخ والجغرافية العربية ، أو لان الضمير العربي كان يرى أن الفلسطينيون لا يشكلون جزء من المنظر العام في المنطقة ويجب أن يخرجوا من الصورة ، ولكن ورغم كل ذلك نرى أن بعض الفلسطينيين لم يستوعبوا الدرس بعد ، وما زالوا يراهنون على أمريكا وإسرائيل والعرب ، ولذلك أقول لهم أن من يبحث عن الحل في خارج فلسطين لن يحصد غير الريح .