ليس درباً من الترف الفكري أن يجتزئ الفقه نظرية قانونية معينه ، ويتناولها بالشرح والتبيان ، بل إن آلية البحث العلمي لاسيما القانوني تتمحور بشكل أساسي حول التعمق والتنقيب في أحد النظريات القانونية ، وطرح المشكلات العملية والتطبيقية لتلك النظرية ، وكذلك ما يتناسب معها من حلول وأطروحات للتطوير . ونحن في معرض الحديث عن المعالجة القانونية لنظرية الخطأ في التشريع الضريبي ، إنما نتغيا الحديث عن كلاً من "الخطأ المادي" و"الخطأ الحسابي" الذي قد يقع من المصلحة في أحد مراحل الفحص والربط الضريبي ، وعن الكيفية التي وضعها المشرع لتدارك ذلك الخطأ على سبيل التحديد ، سواء أكان الخطأ قد وقع من المأمورية المختصة إبان مرحلة الفحص والربط ، أو من لجنة الطعن التي تنظر موضوع النزاع الماثل أمامها ، أو حتى من محكمة الموضوع التي تنظر النزاع الضريبي المعروض عليها ، بل وهل يمكن لأحد هذه الجهات أن يصحح الخطأ الواقع من الأخرى ؟ كل تلك التساؤلات جديرة بالبحث والنظر . فبداية تنص المادة 93 من التشريع الضريبي رقم 91 لسنة 2005 على أنه " في جميع الأحوال يكون على المصلحة من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب الممول تصحيح الأخطاء المادية والحسابية " فلقد جعل المشرع مهمة تصحيح الخطأ المادي والحسابي الواقع من المصلحة أمر ملزم ، حيث يتم التصحيح بمجرد اكتشاف الخطأ سواء أكان اكتشافه من تلقاء ذات المصلحة أو بناء على طلب الممول . إلا أن سؤالاً يلوح في الأفق ، حول المقصود بكلٍ من الخطأ المادي والخطأ الحسابي في تطبيقات نص المادة 93 من القانون ؟ في الحقيقة لقد تطرقت اللائحة التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 991 لسنة 2005 بتنفيذ التشريع الضريبي المصري رقم 91 لسنة 2005 ، للإجابة على هذا التساؤل والتي أوردت في نص المادة 117 منها أنه " يقصد بالأخطاء المادية في تطبيق حكم المادة 93 من القانون ، ورود النتيجة مخالفة للحيثيات ، ويقصد بالأخطاء الحسابية في تطبيقها الأخطاء في نقل الأرقام أو الجمع والطرح وكافة العمليات الحسابية . ويعد في حكم الأخطاء المادية التي يكون على المأمورية المختصة تصحيحها من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب الممول ، جميع الحالات المنصوص عليها في المادة 124 من القانون ، وذلك ما لم يصبح الربط نهائياً " وبإمعان النظر في نص المادة نجد أنه قد قسم الأخطاء من حيث طبيعتها إلى قسمين ، القسم الأول : يتناول الأخطاء المادية والحسابية الفعلية ، والقسم الثاني : يتناول الأخطاء المادية "حكماً" أو بمعنى آخر الأخطاء التي تعد في حكم الخطأ المادي . ونرى أن نتناول ذلك التقسيم على النحو التالي :- أولاً : الأخطاء المادية والحسابية بطبيعتها :- 1. الخطأ المادي : هو الخطأ الذي قد يتمثل في ورود النتيجة مخالفة للحيثيات ، بحيث تكون الحيثيات لا تحمل القرار الصادر في الفحص إلى ما ذهب إليه ، بحيث أنه إذا ظهرت نتائج الفحص مخالفة للحيثيات الواردة في مذكرة الفحص سواء في جميع أجزاء القرار أو في البعض منها فإن تلك المخالفة تعد خطأ مادي واجب التصحيح بمجرد اكتشافه . إلا أن ذلك يتوقف على مدى صحة الحيثيات في ذاتها ، أي مدى اتساقها هي الأخرى مع صحيح القانون ، فإذا أصاب الحيثيات بطلان فإن البطلان يمتد إلى القرار الصادر في تقديرات الفحص سواء كان القرار موافقا للحيثيات أو مخالفاً لها عن طريق الخطأ ، وذلك تطبيقاً لقاعدة أنه " ما بني على باطل فهو باطل " وفي تلك الحالة فإن الخطأ الوارد بمذكرة الفحص لا يقتصر على النتائج في ذاتها بل تشمل حيثيات الفحص الواردة في أسس المحاسبة ، وعليه يتوجب على المأمورية أن تعيد النظر في الحالة الماثلة من جديد ، وتضع حيثياتها على هدي من القانون ولائحته التنفيذية والتعليمات ، ثم تعيد وضع النتائج على ضوء تلك الحيثيات . أما إذا كانت الحيثيات منضبطة وموافقة لصحيح القانون ، واقتصر الخطأ على مخالفة القرار الصادر في الحالة لحيثياته الواردة بالمذكرة ، فإن ذلك يندرج تحت أحكام المادة 93 من القانون والمادة 117 /1 من اللائحة ، باعتباره خطأ مادي وعليه يتوجب تصحيح ذلك الخطأ من حيث اكتشافه ، سواء بناء على طلب الممول أو من تلقاء ذات المصلحة . 2. الخطأ الحسابي : هو ذلك الخطأ الذي قد يكمن في نقل الأرقام أو في أحد أو بعض أو كل عمليات الجمع أو الطرح أو أي عملية حسابية أخرى . وذلك في واقعه أمر منطقي حيث يفترض مبدأ حسن النية أن المأمورية حين إجراءها للعمليات الحسابية أنها لا تتغيا أبداً تسوئ المركز الضريبي للممول أو حتى على العكس من ذلك محاباته بإعطائه مركز ضريبي أفضل مما يستحق . وعليه فإنه متى حدث خطأ حسابي بالكيفية المذكورة فإنه يتوجب على المأمورية تصحيح ذلك الخطأ ، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الممول . ثانيا : الأخطاء التي تعد في حكم الخطأ المادي :- ( وهو نوع آخر من الخطأ ) حيث نصت المادة 117/2 من اللائحة على أنه " ويعد في حكم الأخطاء المادية التي يكون على المأمورية المختصة تصحيحها من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب الممول ، جميع الحالات المنصوص عليها في المادة 124 من القانون ، وذلك ما لم يصبح الربط نهائياً " فلقد أضافت اللائحة نوعاً جديداً من الخطأ ، وجعلته في حكم الخطأ المادي ، وأشارت إلى اثني عشرة حالة واردة جمعها في المادة 124 من القانون رقم 91 لسنة 2005 . تلك الحالات هي :- 1. عدم مزاولة صاحب الشأن أي نشاط مما ربطت عليه الضريبة . 2. ربط الضريبة على نشاط معفي منها قانوناً . 3. ربط الضريبة على إيرادات غير خاضعة للضريبة ، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك . 4. عدم تطبيق الإعفاءات المقررة قانوناً . 5. الخطأ في تطبيق سعر الضريبة . 6. الخطأ في نوع الضريبة التي ربطت على الممول . 7. عدم ترحيل الخسائر على خلاف حكم القانون . 8. عدم خصم الضرائب واجبة الخصم . 9. عدم خصم القيمة الإيجارية للعقارات التي تستأجرها المنشأة . 10.عدم خصم التبرعات التي تحققت شروط خصمها قانوناً . 11. تحميل بعض السنوات الضريبية بإيرادات أو مصروفات تخص سنوات أخرى . 12. ربط ذات الضريبة على ذات الإيرادات أكثر من مرة . ولنا على ذلك النوع الجديد من الأخطاء التي هي في حكم الخطأ المادي عدة ملاحظات ، نوردها فيما يلي :- 1) لقد جعلت اللائحة تصحيح تلك الأخطاء وجوبياً سواء من تلقاء ذات المأمورية أو بناء على طلب يقدمه الممول . 2) جعلت اللائحة الاختصاص في تصحيح تلك الأخطاء للمأمورية المختصة . ولم تجعل الاختصاص للمصلحة برمتها كما فعلت المادتين 93 ، 124 من القانون . فنحن عندما نرى المشرع في مواضع أخرى من القانون يذكر كلمة "المصلحة" في إشارة منه إلى مصلحة الضرائب المصرية وفقاً لنص المادة 1 من القانون ، فإنه يقصد هنا المأمورية ولجنة الطعن في جميع المراحل التي تمر بها الحالة الماثلة . أما وأن اللائحة قد نصت على أن تكون "المأمورية المختصة" فإن الأمر هنا يتعلق حتمياً بتدخل المأمورية بصفتها مختصة دون غيرها بتصحيح ذلك الخطأ . وإذا كان القرار الوزاري يقصد بذلك المصلحة بأكملها لنص على ذلك صراحة بذكر كلمة " المصلحة " بدلا من كلمة " المأمورية " . وعليه فإذا ظهر الخطأ أمام لجنة الطعن ، وكان الربط غير نهائي كأن يكون ربط لعدم الطعن فإن على لجنة الطعن عدم التطرق لتصحيح الخطأ وأن توقف نظر النزاع الضريبي الماثل أمامها ، وأن ترسل إلى المأمورية المختصة لتصحيح الخطأ ، ذلك أن لجنة الطعن ليست مختصة .. فالربط ليس نهائياً . 3) وضعت المادة 117 من اللائحة شرطاً لتدخل المأمورية في مسألة تصحيح ذلك النوع من الأخطاء ، هو ألا يكون الربط نهائي ، فالحالة هنا تعالج فقط الربط لعدم الطعن ، فإذا كان الربط نهائياً فإنه لا يمكن تصحيحه إلا بناء على طلب يقدم من الممول خلال خمسة سنوات من تاريخ أن أصبح الربط نهائياً . كما أن الإعمال هنا يكون لنص المادة 124 من القانون وليس للنص المادة 117/2 من اللائحة . ولعل القرار الوزاري عند وضعه لنص اللائحة قد عالج النقص الوارد في نص المادة 124 من القانون ، والمتمثل في حالة ما إذا كان الربط غير نهائي وشابه أحد الأخطاء المنصوص عليها في المادة 124 من القانون . 4) أن هناك إفراد لنص المادة 117/2 من اللائحة ، وتفرقة بينها وبين ما جاء بنص المادة 124 من القانون . يتمثل في الآتي : أ- أن المادة 124 تخاطب المصلحة . وكما ذكرنا فإن نص المادة 1 من القانون أشار إلى أن تلك اللفظة تعنى مصلحة الضرائب المصرية ، وورود إشارة المشرع إلى المصلحة برمتها يعنى أن الاختصاص قد يكون إلى المأمورية أو إلى اللجان على اختلاف درجاتها ( داخلية _ طعن ) . أما الفقرة الثانية من المادة 117 من اللائحة ، فقد اختصت بذلك المأمورية المختصة وفقاً للقواعد العامة للاختصاص في التشريع الضريبي . ب جعلت المادة 117/2 من اللائحة التصحيح سواء كان من تلقاء ذات المأمورية أو بناء على طلب يقدم من الممول ، وذلك على خلاف نص المادة 124 من القانون التي حصرت التصحيح أوقفته على طلب الممول وفقط . ج كما ذكرنا .. فإن التصحيح وفقا لنص المادة 117/2 يكون في الربط غير النهائي وهو الربط لعدم الطعن ، أما التصحيح وفقاً لنص المادة 124 من القانون فإنه يكون في الربط النهائي وفقط أيا كان سبب نهائيته . د لم تحدد المادة 117/2 مدة زمنية يمكن التصحيح خلالها بل أطلقت المدة أمام المأمورية . أما المادة 124 من القانون فقد حددت لذلك مدة خمس سنوات من تاريخ نهائيته ، وهو أمر غير مبرر في نص القانون إلا من حيث كون الحق يتقادم بمرور خمسة سنوات. إلا أننا لا نتفق مع المشرع في ذلك .. إذ أن الحق أصبح مقيداً بموجب القانون في الربط النهائي من حيث المدة القانونية ، ومطلقا بموجب اللائحة من حيث المدة القانونية ، إذ أن الحيثية واحدة وهي المدة الزمنية في حين أن الفلسفة القانونية مختلفة في كل حالة من الحالتين . وهو أمر لا يجد لدينا مسوغ جدير بالاعتماد عليه . ولعلنا نرى أنه من الأفضل جعل المدة القانونية مطلقه من حيث تصحيح الأخطاء التي تعد في حكم الخطأ المادي ، وذلك لتسهيل الأمر أمام المصلحة حيث أن هناك حالات تمر عليها سنوات كثيرة ولا ينظر في أمرها إلا بظهور الممول الذي قد يظهر بعد مرور الخمس سنوات بفترة كبيرة في بعض الأحايين ، فلا يوجد ما يمنع من المطالبة بحقه في تصحيح ما وقعت المأمورية فيه من خطأ فعلاً عند محاسبته والربط عليه . 5 ) إن جميع الحالات المنصوص عليها في المادة 124 من القانون هي أخطاء فنية بطبيعتها وليست بحسب الأصل أخطاء مادية ، إذ أنها تتعلق بالقائم بعملية الفحص والمحاسبة ، إلا أن المادة 117/2 من اللائحة أعطتها وصف الأخطاء المادية حكماً وذلك عندما نصت على أنه " ويعد في حكم الأخطاء المادية التي يكون على المأمورية المختصة تصحيحها .... إلخ" والدليل على ذلك أنه :- أولاً : أن اللائحة أعطت الاختصاص في التصحيح للمأمورية التي أحدثت الخطأ ، وهو أمر منطقي عندما يكون الخطأ فني ، فمأمورية الضرائب هي الورشة الفنية إذا جاز التعبير المختصة بالفحص والمحاسبة ، وعليه فإن رد الخطأ إليها لتصحيحه أمر يقتضيه منطق الأمور ، إذ هي الأكثر تخصصاً وهى الأقدر على معرفة الحالة الماثلة وعلى فحصها ومحاسبتها ابتداءً ، وعليه فهي الأقدر على تصحيح ذلك الخطأ . ثانياً : كما أنه لا يوجد خطأ في حكم الخطأ الحسابي ، وذلك لأن الخطأ الحسابي هو خطأ تخصصي قائم على الجمع والطرح وغيره من العمليات الحسابية التي تدخل في صميم عمل مأمور الضرائب ، الأمر الذي لا يمكن معه إلحاق ما هو ليس من جنسه به نظراً للتخصص ، حيث أن الأعمال التخصصية هي أعمال حصرية بطبيعتها تقع من متخصص ويقوم بها فني ، وعليه لا يمكن إدخال ألوان أخرى من الأعمال التي لا تعد في حقيقتها من جنس تلك الأعمال التخصصية . أما الخطأ المادي في حد ذاته ليس خطأ تخصصي حصري على مأمور الضرائب ، بل إن حيثيات القرارات وحملها للقرار الصادر إلى ما ذهب إليه ، هي أمور يختص بها رجالات القانون من قضاة ومحامين وكذلك الإدارات القانونية في الهيئات والكيانات المختلفة ، فهي تعد من صميم أعمالهم الفنية ، ولا تدخل بطبيعتها بين ثنايا التخصص الصميم لرجالات الضرائب إلا بالكيفية التي تلزم لإتمام عملهم ، وعليه فإن أي خطأ في تطبيق الحيثيات وإنزالها على القرار الصادر في الفحص والمحاسبة الضريبية أو تطبيق القانون على الحالة الماثلة يعد خطأ مادي في حقيقته من المنظور الضرائبي ، وعليه أيضاً فمن الممكن إلحاق الأخطاء الفنية به واستخدام ذلك ذريعة لفتح الباب أمام تصحيح ذلك النوع من الأخطاء . ويلوح في الأفق بون آخر فارق بين نص كل من الفقرة الأولى والفقرة الثانية من المادة 117 من اللائحة ، حيث جاءت الفقرة الأولى لتوضح ما تغياه المشرع في المادة 93 من القانون من وراء مصطلح الأخطاء المادية والحسابية ، وذلك بأن نصت الفقرة الأولى من المادة 117 من اللائحة على أنه " يقصد بالأخطاء المادية في تطبيق حكم المادة 93 من القانون ، ورود النتيجة مخالفة للحيثيات ، ويقصد بالأخطاء الحسابية في تطبيقها الأخطاء في نقل الأرقام أو الجمع والطرح وكافة العمليات الحسابية " . وبذلك فإن نص الفقرة الأولى قد جاء كاشفاً عن إرادة المشرع وموضحاً لها بأن وضع تحديداً للمقصود من المصطلحات المذكورة . إلا أن الفقرة الثانية من ذات المادة جاءت لتنظم حالة جديدة لم يورد المشرع لها نصاً في القانون ، ألا وهي حالة ما إذا كان الربط الضريبي غير نهائي ، وكانت المأمورية قد وقعت في أحد الأخطاء التي نصت عليها المادة 124 من القانون ، علماً بأن المادة الأخيرة لا يمكنها التصحيح إلا إذا كان الربط نهائي ، وعليه فإن الفقرة الثانية جاءت على خلاف الفقرة الأولى من ذات المادة بتنظيم جديد لم يسبقها إليه القانون ذاته . وتبقى في ذلك المجال عدة تساؤلات .. فهل يمكن للجنة الطعن تصحيح الأخطاء المادية والحسابية التي وقعت من المأمورية ؟ وهل يمكن للجنة الطعن أن تنظر وتصحح ذات الأخطاء إذا وقعت منها هي حتى ولو بعد صدور القرار من لجنة الطعن وإعلان الخصوم به ؟ وهل يمكن للمأمورية أن تصحح هي الخطأ الواقع من لجنة الطعن ؟ وهل يمكن للمحكمة أن تصحح الأخطاء المادية والحسابية وكذلك الأخطاء التي تعد في حكم الخطأ المادي التي وقعت من المأمورية أو من لجنة الطعن ؟ والأبعد من ذلك هل يمكن تصحيح تلك الأخطاء في أي مرحلة من المراحل المذكورة إذا كان التصحيح سوف يؤدي إلى إساءة المركز القانوني والضريبي للممول ؟ ... كل هذه التساؤلات يمكن بحثها في المقال القادم إن شاء الله .. والله الموفق والمستعان . بقلم : عماد شفيق مصلحة الضرائب المصرية المحامي سابقاً باحث دكتوراه ماجستير الدولة في القانون العام دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد والعلوم المالية دبلوم الدراسات العليا في التحكيم الدولي