- اتخذت الجزائر موقفاً مشرفاً كالعادة في سياساتها الخارجية من القضايا الإقليمية والدولية والخلافات العربية-العربية التي تحاول دائماً حلها عن طريق الحوار ومحاولة تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع كما حدث في الأزمة الخليجية والتي حدثت بين دولٍ شقيقة ما يجمعها أكثر مما يفرقها بكثير،فالجزائر التي اتخذت موقفاً حيادياً منها على لسان وزير خارجيتها السيِّد عبد القادر مساهل إذ سارعت وزارة الخارجية الجزائرية إلى إصدار بيان دعت فيه إلى الحوار والتزام الهدوء ومحاولة إيجاد حل للازمة بطرق سلمية فتلك الأزمة ستؤثر سلباً على العمل العربي والتضامن المشترك بين دولنا،فقطر أدركت مبكراً بأنَّ الجزائر باعتبارها بلداً عربياً له وزن دبلوماسي ونفوذ عربي وإقليمي كبير يمكن أن تساهم في إذابة جبل الجليد بينَ مختلف أطراف الأزمة وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية القطري السيِّد سلطان بن سعد سلطان المريخي عند زيارته المفاجأة لجزائر،فالسِّياسة الخارجية لجزائر والتي تقوم على مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ودعم القضايا التحريرية في العالم وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال الصهيوني لأرضه المحتلة،تلقي بثقلها في هذه الأزمة بما لها من حنكة دبلوماسية كبيرة.فالسعودية والإمارات يعرفون جيداً بأنَّ الجزائر تستطيع أن تخفف من حدَّة الخلافات المتصاعدة بينها وبين قطر وحتىَّ إنهائها فالدول الخليجية التي تكيل سيلاً من التهم لبعضها البعض بدعم الحركات الإرهابية والجماعات المسلحة في كل من اليمن وسوريا وليبيا...الخ والتي يجمعها تحالف عربي في اليمن وتقوم بأعمال عسكرية مشتركة وصلت إلى طريق مسدود بعدما فشلت الوساطة الكويتية لحلحلة الأزمة والحيلولة دون عدم تأزم الأوضاع أكثر. -فالجزائر التي دافعت عن سوريا في الجامعة العربية وقوبلت بحصار خليجي وعربي غير مسبوق ووقتها هدَّد وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم أل خليفة والذي كان وزير خارجية قطر ورئيس وزرائها حتىَّ تاريخ26يونيو2013هدد سفير الجزائر لدى الجامعة العربية بأنَّ الدور آت عليها بعد سوريا،ولكن سرعان ما تغيرت الأمور وعرضت على الجزائر مساعدات اقتصادية سنة2015لإخراجها من الأزمة الاقتصادية التي بدأت تلقي بظلالها على المشهد السِّياسي والاجتماعي والاقتصادي لبلاد بعد الانخفاض الحاد في أسعار المحروقات في الأسواق الدولية ورغم تيارات المدِّ والجزر بين الجزائر من جهة وأطراف الأزمة الخليجية من جهة ثانية وتضارب مواقفها السِّياسية واستراتيجياتها في ملفات المنطقة وخاصة في ملفات الصحراء الغربية وليبيا وسوريا واليمن وموقفها من حماس وحزب الله ولكن حافظت الجزائر على الحدِّ الأدنى من التعاون العربي المشترك مع تلك الدول.فالجزائر تعلم علم اليقين بأنَّ الحرب إذ اندلعت في منطقة الخليج العربي فإنَّ شراراتها وانعكاساتها الّسلبية أكيد ستطاولها وتساهم في ازدياد التوتر والاحتقان الموجود أصلا وزيادة توسع وتغلغل الجماعات الإرهابية في النسيج الأمني والمجتمعي العربي.فالجزائر التي دعت ولا تزال جميع الدول العربية بما فيها دول الخليج العربي إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الأهواء والرغبات والأحقاد الشخصية وتوحيد جهودها من أجل محاربة الإرهاب الذي ينتشر كالسرطان في دولنا العربية ويهدِّد وحدتها الجغرافية وأمنها القومي فالإستراتيجية التي تتبعها الجزائر في حلِّ الأزمة الخليجية تقوم على تذكير جميع أطراف النزاع بأنَّ أمنها الإقليمي والقومي مهدد في الأساس وبأنها إن لم تجد حلاً عاجلاً وسريعاً لانقسامات والخلافات السِّياسية والإيديولوجية بين أنظمة الحكم فيها فإنَّ القادم سيكون أسوء لأنَّ ما يحدث بينها لن يخدم إلا دول إقليمية وقوى كبرى تحاول الاستفادة ما استطاعت من تلك الأزمة لإفراغ خزائن تلك الدول وصناديقها السيادية من الأموال ومحاولتها صبَّ الزيت على النار حتىَّ تتجه أنظمة دول الخليج إلى شراء المزيد من الأسلحة وتكديسها وهذا ما ينعش اقتصاديات تلك الدول الغربية التي تعاني من أزمة اقتصادية ومالية خانقة فالموقع الحيادي لجزائر والذي احترمته كل الأطراف بما فيها الرياض التي رغم أنها ممتعضة من سياسات الجزائر الخارجية التي لا تتوافق مع رؤيتها الإستراتيجية ولكنها مجبرة على أن تلجأ إلى الحكمة والدَّهاء الدبلوماسي لجزائر لأنَّ استمرار الأزمة يجعلها في موقف لا تحسد عليه ويعطي الفرصة لإيران وتركيا بأن تأثر على السّياسة القطرية وهذا ما يهدد نفوذها المباشر على دول الخليج ومنظمة التعاون الخليجي التي تعتبر السعودية مركز الثقل الاستراتيجي والسِّياسي داخلها إذن فالجزائر سيكون لها دور في محاولة التأثير الايجابي على كل الأطراف الخليجية ودعوتهم لطاولة مستديرة وتغليب مصالحها المشتركة العليا على مصالحها القطرية وهذا ما سيعيدها لواجهة الأحداث العربية بقوة بعد غياب دام لأزيد من20سنة نتيجة العشرية السوداء وما خلفه من تراجع لدور الجزائري على كافة الأصعدة والمستويات وخاصة على صعيد حل الخلافات العربية المشتركة. عميرة أيسر-كاتب جزائري