حدا بنا إلى التطرق في مقال اليوم إلى هذا الموضوع تحديداً أن ثمة أنشطة قائمة في المجتمع يمارسها أصحابها ونراها بأعيننا كل يوم ، وقد نتعامل مع القائمين عليها بيعاً وشراءً أو انتفاعاً بما يقدمون ، برغم أنه ومن المفترض في منظور القانون أنهم يخضعون في نشاطاتهم تلك للضرائب على الدخل ، إلا أن الواقع العملي لهم يقضي بالعكس من ذلك ، حيث يتمكن هؤلاء من التهرب من الخضوع للضريبة . وقطعا فإن لؤلئك المتهربين آلياتهم التي تجعلهم يفلتون بتلك الأرباح التي لا شك تكون باهظة من الخضوع للضريبة . ويعد من أبرز تلك الآليات في الواقع العملي أن يستخدم الممول شخصاً آخر عادة يكون فقيراً ومعدماً يجعله ممولاً ظاهرا ليختفي وراءه ويجعله ستاراً له إما بطريق الصورية أو بطريق التواطؤ . ومثالاً علي ذلك أن يمارس شخص نشاط شراء وتشييد العقارات من أجل بيعها ، ولأنه يعلم أن التشريع الضريبي إنما يُخضع ذلك النشاط للضريبة وأن الضريبة على تلك الأرباح سوف تكون من وجهة نظره مرتفعة ، فإنه يبحث عن شخص آخر ليعقد معه اتفاقاً ما من شأنه يكون الشخص الأخير هو الممول الظاهر أمام الدولة ، ويأتي ذلك الممول الخفي ليجري كافة تصرفاته كوكيل عنه أو غير ذلك ، فإذا واجهت مصلحة الضرائب ذلك النشاط وجدت الممول الصوري في مواجهتها . ومن الملاحظ أن الممول الصوري عادة ما يكون فقيراً ومعدماً ، أو أنه طامعاً إلى منفعة أو وعد بمنفعة من نوع معين ، مما يدفع به إلى قبول استغلال الممول الحقيقي له لقاء المال أو أحد أو بعض المنافع أو الوعود أو حتى كل ما سبق بحسب الأحوال . جدير بالبيان أن كان للفلسفات القانونية دورها في هذا الصدد ، حيث وضعت نصوصاً تحكم عملية الاختفاء التي يجريها الممول ، ووضعت أحكام قانونية تقابل ذلك التهرب المصطنع والمقصود ، فلقد نصت المادة 92 من القانون 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضرائب على الدخل أنه " إذا ربطت الضريبة على شخص وثبت أنه يعمل لحساب شخص آخر بطريق الصورية أو التواطؤ للحصول على أية مزايا أو للتهرب من أية التزامات مقررة بمقتضى أحكام هذا القانون ، كانا مسئولين بالتضامن عن سداد الضريبة المستحقة على الأرباح " * التعليق على نص المادة :- ولعلنا نجد أنه وبرغم محاولة المشرع لسد تلك الذريعة على من أراد التهرب ، إلا أن هذا النص في عقدنا شأن الكثير من النصوص القانونية يعوزه النقص والحاجة الماسة إلى التطوير والشمولية بل والضبط ، فحيث يفترض النص القانوني حالة معينة ومحددة بذاتها هي حالة ربط الضريبة ، ثم يتضح بعد ذلك أن الممول المربوطة عليه الضريبة إنما يعمل لحساب شخص آخر ، وبرغم أن الفقه والعاملين على تطبيق النص قد يتوسعون في تطبيق النص ويأخذونه سندا قانونياً لجعل المسئولية تضامنية إذا ما اتضح لهم في أي مرحلة من مراحل التحاسب الضريبي أن الممول الماثل يعمل لحساب شخص آخر . جدير بالذكر أن مراحل التحاسب الضريبي كثيرة حيث تبدأ بإرسال نماذج 31 ضرائب و 32 ضرائب المعهودة كعمل تحضيري لبداية الفحص ، ثم يتبعها مرحلة المعاينة ، ثم مرحلة المناقشة ، وقد يحتاج الأمر بعضا من الأحايين إلى إرسال طلب إلى مباحث الضرائب والرسوم لإجراء تحريات عن أرباح الممول عند عدم اتضاح الأمر أمام أعيننا ، إضافة إلى الإطلاع على تعاملات الممول بالجهات الملزمة بالخصم والتحصيل من تحت حساب الضريبة كما يقرر القانون ، وكذلك النظر فيما إذا كان مسجلاً لدى مصلحة الضرائب على القيمة المضافة من عدمه ، وكذلك أيضاً الإطلاع لدى مصلحة الجمارك ، ثم يتبع ذلك كله مرحلة تحضير المذكرة القانونية لتقدير الأرباح على هدي من كل ما تقدم ذكره للفحص والتحاسب الضرائبي ، ثم إخطار الممول بعناصر ربط الضريبة ثم مرور المدة القانونية المقررة للطعن ، ثم الربط على الممول ، حيث يأتي الربط بمرحلة جديدة ومستقلة سواء كان ربطا على أساس عدم الطعن أو أنه وفقا لقرار اللجنة الداخلية المتخصصة أو لقرار لجنة الطعن أو حتى وفقا لحكم القضاء ، فهل يعقل أن يأتي المشرع من بين كل تلك المراحل ويذكر فقط مرحلة الربط ؟ أمر غير منطقي من وجهة نظرنا ، كما أن الاجتهاد بالتوسع في تطبيق النص ليس أمرا خالياً من العوار ، إذ لا اجتهاد في ظل وضوح النص وهو نصاً واضحا فيما أراد عندما قرر أنه " إذا ربطت الضريبة على شخص " وترك بدوره كافة المراحل الأخرى ليقف مأمور الضرائب حائراً إذا اتضح له ذلك التخفي في أحد المراحل لاسيما السابقة على الربط هل يجتهد ويتخذ من نص المادة 92 سندا لجعل الممول متضامن ، أم ينتظر حتى يربط على الممول الظاهر ثم يشرع في تطبيق النص ؟ وهو أمر غير منطقي أيضاً إذا أكمل عمله على أساس هو يعلم أنه غير سليم في انتظار مرحلة الربط ، ثم يبدأ بتنفيذ دوره الموكول بموجب النص . نرى أن المشرع لم يحالفه الكثير من الصواب عندما نص على أنه " إذا ربطت الضريبة على شخص " وقد كان سيحالفه الصواب حقاً إذا نص مثلا على أنه " إذا ثبت للمصلحة في أي مرحلة من مراحل الفحص والمحاسبة أو الربط أن الممول يعمل لحساب شخص آخر .... إلى أخر النص " . ولنا على النص مأخذ آخر حيث لم يتطرق المشرع إلى الطريقة التي بها يمكن ثبوت قيام حالة الصورية أو التواطؤ المذكورة بالنص ، وبرغم أننا نرى أنه قد ترك ذلك للقاعدة القانونية التي تقضي بالرجوع عند خلو النص إلى الشريعة العامة للقانون محل النقص ، والذي في ذلك الصدد يكون القانون المدني وقانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 وكذلك لقانون الإجراءات الجنائية ، إذا كان الأمر يشكل جريمة وهو ما نراه كذلك أيضا ولعل المشرع في ذلك قد توسع في طرق الإثبات . إلا أننا نرى أننا أمام قانون يفترض فيه الشمولية النسبية فالكمال المطلق لله وحده في حكم كل ما يتعلق بمجال الضرائب على الدخل ، وعليه كان يتوجب على المشرع أن يذكر مثلاً عبارة ، " بأي طريقة من طرق الإثبات " كي يضع التوسع المبتغى بين أعين المتخصصين بالكيفية المطلوبة وبشكل واضح ، أو أن يحيل إحالة صريحة وواضحة إلى التشريعات التي تحمل بين طياتها قواعد الإثبات . وأخيراً .. نأخذ على النص أنه لم يضع كيفية لتحديد نطاق المسئولية التضامنية بين الممول الظاهر والممول الخفي إذا كان للممول الظاهر شق آخر من الدخل الخاضع أيضاً للضريبة ولا يخص الممول الحقيقي محل الفرضية ، سواء لأن ذلك الشق يخص الممول الظاهر نفسه فهو بالنسبة له ممولا حقيقياً وهو أمر غير مستبعد أو أنه يخص ممول حقيقي آخر . ولعل الفقه الضريبي قد أدلى بدلوه من جديد في سد ذلك النقص ، لوضع آلية تمكننا من تحديد نطاق المسئولية التضامنية من بين مجموع صافي دخل الممول الظاهر ، والذي يخص الممول الحقيقي . حيث أشار الأستاذان / محمود جاب الله ، و السيد إمام في كتابهما بعنوان " تأصيل قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005 ولائحته التنفيذية " إلى أن القانون الملغي رقم 157 لسنة 1981م معدلاً كان قد أوضح أنه إذا كان للممول الظاهر إيرادات أخرى بالإضافة إلى الأرباح موضوع التصرف الصوري فتحدد الضريبة موضوع المسئولية التضامنية بنسبة هذه الأرباح إلى صافي الوعاء المتخذ أساساً لربط الضريبة المستحقة ، ولقد اتجه الأستاذان إلى ضرورة استمرار العمل بذلك لاتفاقه مع الأصول العلمية .. وتكون الضريبة المستحقة على أرباح التصرف الصوري كما ورد بكتابهما على النحو التالي :- نطاق الضريبة محل المسئولية التضامنية = الضريبة المربوطة على الممول الظاهر × الوعاء موضوع الصورية ÷ الوعاء الكلي للممول الظاهر وأنا أتفق أيضاً مع ذلك الاتجاه لما يمليه واقع الأمور علمياً وعملياً ، لكنني أرى ضرورة تدخل المشرع بوضع آلية مماثلة ، وعدم ترك المسألة للاجتهاد تسهيلاً على السادة العاملين بمصلحة الضرائب ، وكذا لصالح أموال الخزانة العامة للدولة ، وكذلك أيضا لمصلحة من أسميهم " جمهور الممولين أو أصحاب الوعاء الضريبي الحقيقي بالدولة " والمتحملين الفعليين لدفع دين الضريبة حيث يتوجب علينا عدم إرهاقهم بأقلامنا وعقولنا وتحميلهم المسئولية الضريبية في حين أن آخرين ينعمون بتهربهم وكأننا نكافئهم على اجتهادهم نحو التهرب الضريبي . وتبقى لنا نظرة تاريخية حول مشكلة الممول الظاهر والممول الحقيقي ، لنجد كم أن المشكلة ليست بالجديدة في الواقع العملي ، بل هي قديمة قدم الزمن ، حيث يحضرني في ذلك كلمة قرأتها حينما كنت أطالع المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1973م وهي تعالج مواطن الخلل التي انتابت القانون الأسبق عليه رقم 14 لسنة 1939م المعدل هو الآخر عدة مرات آنذاك ، حيث ذكرت فيما ذكرت مشكلة الممول الظاهر والممول الحقيقي ( أو الخفي ) فيما جاء بها أنه " وقد أسفر التطبيق العملي للقانون عن قصور في بعض أحكامه أدي إلى إفلات أرباح من الخضوع للضريبة إما لأنها نتجت عن أعمال لا تعتبر عملاً تجارياً بطبيعتها بما يحقق لجانبها وضعاً مميزاً غير عادل أو بسبب أن الممول الظاهر فيها فقير معدم يعمل لحساب ممول حقيقي ملئ آخر رغبة في زيادة المنفعة أو درءاً للمسئولية أن يبقى وراء الستار حتى يجني الأرباح ودون أن يشارك مواطنيه مسئولياتهم وأعبائهم المالية " وها نحن قد وصلنا إلى عام 2017م ولازالت المشكلة قائمة . بقلم : عماد شفيق مصلحة الضرائب المصرية المحامي سابقاً دبلوم الدراسات العليا بالتحكيم الدولي ماجستير الدولة في القانون العام باحث دكتوراه