ابراهيم امين مؤمن عم كسيح يعمل مكوجى فى الحارة . له سبعة اطفال يكد عليهم, ولا يغمض له جفن من شدة صراخهم بسبب قسوة البرد وشدة الجوع والفاقة . تمر الناس عليه فينظرون الى عمله الذى لا يكاد يقوى عليه بسبب كثرة العناء وهجوم المشيب. ما ينظرون اليه المارة الا وجدوه يعمل من اجل اطفاله فى اعياء شديد . وتنهدات تنم عن قلب تتوالى دقاته بسرعة البرق وكانه فى الرمق الاخير. لقد اخذ الجوع من جسده حتى اصبح عظما بلا دم ولا لحم ولا حتى عروق. يسير مترنحا كريح تعصف بغصن يابس تهزه لتكسره رغم انه مكسور . ترتعش قدماه عندما تدفع المكواه وكانها تدفع القطار. ويداه ترتعش وكانها تخلع من الشجر الورقاء . وعيناه لا تكاد ترى النسيج الا ضبابا كالسحاب . وظهره منحنى من المشيب فازداد انحنائه عند كويه الكساء . جاءه الفتوة ( جبار ) يريد الاتاوة والمال. ماسكا بتلابيبه ان ادفع ايها الخبيث المكار . جاءه ومعه نفر من ست فتوات . كلا منها يتوعده بالحديد والنار . ان ادفع بالتى هى احسن ولا تخبئ المال . نحن نحميك من شيطان الانس والجان . وكل الهوام التى تطير وتجرح . وكل الزواحف التى تلسع وتقتل. وكل وحش فى البر او البحر فادفع يا دساس . ولولانا لمات اولادك من الجوع وتشردوا فى الحوارى واكلهم كل بر وفاجر . فادفع . ادفع . ادفع . وكادت روح الرجل تفيض الى الرحمان . حتى جاء موسى وقال:: ويلكم . انه كسيح ومثله كثير . ارتشفتم دمائهم رواءا . وادفئتم اجسادكم من عراهم استدفاءا. وثمنتم من لحومهم حتى اصبحتم عمالقة واصبحوا هم اقزاما. وشيدتم قصوركم من الف الف بيت لهم فنمتم بالقصور وباتوا هم فى الاكواخ والعراء . ثم استقويتم عليهم وهم الذين اغنوكم واوكم واطعموكم واكسوكم كرها . فماذا تريدون بعد ذالك ..... فقال جبار لموسى : لا شان لك بعملنا يا ابن الكافرة . اذهب على قدميك قبل ان تحمل على نقالة فى اللحظة الانية. وانت ابن الزانية . وصفعه جبار ثم بصق على وجهه ثم جذبه من تلابيبه ورماه ثم ركله فى دبره وقال اخرج يابن الداعرة . فاعتدل موسى من ترنحه واستقام كالشجرة الباسقة . وانبعثت من قلبه عزيمة لا تقهر . عزيمة نبعت من قوى الخير التى منحها الله الدمغ والظفر . عزيمة مخيفة كالرعد والبرق . عزيمة نستقرا فيها كل دمعة ساخنة وكل كبد حارة . عزيمة انفلتت ولن ترجع الى مرساها الا بالقصاص والانتقام والغلبة . فاستطالت انيابه , واحمر وجهه , وانتفخت اوداجه , وركب عزيمته تلك . ورسم فى خياله لوحة الظلم والظلام . لوحة الظلم والظلام التى تجسد كيف الافتراس . كيف تكون الغاب . لوحة فيها الدموع . والدم المسفوك . وصراخ الضعفاء والمساكين . العزيمة تنفلت مدفوعة برغبة القصاص واطعام المسكين وكسوة العريان ومسح الدمع من الجبين . رغبة القصاص لعم كسيح وكسير وهزيل واليم وكل الناس الذين يعيشون فى الحارة الحمقاء . عزيمة فيها اللوحة التى سيتم فيها الخلاص من الفتوات . عزيمة تركزت فى قبضته وكل كيانه حتى اذا صرخت عزيمته صرخ لها تباعا تباعا . وصال فيهم وجال كالبرق الخاطف . واصبح كرجل بالف الف رجل . وارداهم جميعا قتلى . وعلم قومه درسا ان الحق لينتصر يحتاج الى قوة وعزيمة وصبر . وساد الامن والامان فى الحارة . واصبح عم كسيح قويا وكانه فتى الفتيان . ومثله كثير دبت فيهم روح الشباب بعد المشيب وابتسمت لهم الدنيا .. هذا الكون كله ليعمر بالحسنة فنسعد او يقوض بالسيئة فنحزن .. تلك هى الحياة ...