محمد فاروق يس عضو المجلس المصرى للشئون الاقتصادية الحالة الاقتصادية وصلت الى حالة من الاسترخاء، توقفت معها جميع الآليات الفاعلة وحلت محلها القبضة الأمنية التى لا يمكن الاعتماد عليها وحدها فهى تزيد من تعقيد المشكلة، ولو أن كل جهة قامت بتفعيل آلياتها فى محاربة السوق السوداء، هل تم القضاء على تجارة المخدرات؟! هل تم القضاء على تجارة السلاح؟!..... وقد كنا فى غنى عن الوصول لهذا الحال لو كنا نمتلك رؤية اقتصادية متكاملة قابلة للتنفيذ. فحجم الاحتياطى النقدى الأجنبي المتاح للدفاع عن ضعف العملة محدود، ومن ثم فإن تتدخلات البنك المركزى لعمل مزادات دولارية بين الحين والآخر ما هو إلا لمواجهة اضطراب تحركات قصيرة الأجل وقد تنتهي بأزمة، علاوة على أن السياسة النقدية التى انتهجها البنك المركزى خلال الفترة الماضية أظهرت فشلاً من خلال مجموعة من المؤشرات، على رأسها الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه مما أدى إلى زيادة معدل التضخم، كذلك فإن حجم الاحتياطي من النقد الأجنبى يرتفع عندما يتلقى البنك المركزي الودائع الخليجية، ويتراجع عندما يلبي بعض حاجات السوق لتغطية الاستيراد، بالإضافة إلى دفع أقساط وفوائد الديون الخارجية، كذلك عدم قدرة الدولة على تحقيق التوازن بين العناصر الثلاثة الأساسية المكونة للقطاع المالي والتى تتمثل فى المؤسسات المالية "البنوك وشركات التأمين......"، والأسواق المالية "أسواق رأس المال وأسواق النقد"، والبنية التحتية "التشريعات والإجراءات التنظيمية ونظم الدفع والمحاسبة" وهو ما يُعرف بالاستقرار المالى، وهناك علاقة طردية بين الاستقرار المالي والمكونات الأخرى للاقتصاد ، فكلما كان هناك استقرارا ماليا بالدولة تحقق الاستقرار الاقتصادي، وانضباط إحداهما يوفر الانضباط للآخر ويُعظمه. الأمر الذى يحد من جدوى تدخلات المركزى فى ظل غياب المنظومة الاقتصادية المتكاملة التى تعتمد بالأساس على التفاعل المتناغم بين جميع أجهزة الدولة. وقد أصدر البنك المركزى المصرى قرار بتداول الشيكل الاسرائيلى بالبنوك المصرية، هذا القرار سياسى أم إقتصادى؟!! وبنفس المرجعية يمكن التعامل مع العملة المصرية من خلال الاتفاقيات الثنائية مع بنوك الدول الأكثر تصديراً لمصر مثل الصين، بمعنى أن يتم الاتفاق معها على استخدام العملتين الجنيه واليوان فى عمليات التبادل التجارى بين البلدين والتى تخطت نحو 11 مليار دولار مقابل منحها امتيازات خاصة لمواطنيها ومستثمريها وكذلك أوجه التعاون الأخرى، وكذلك روسيا وباقى الدول فلماذا يتم منحهم امتيازات دون أن نحصل نحن على امتيازات؟ خاصة فى ظل تغير الخريطة السياسية فقد أصبح المناخ أكثر ملائمة لذلك، كذلك يمكن تقنين عدد مرات السفر للشعائر الدينية، ويمكن ايضا مراجعة برامج وتكلفة السياحة الداخلية لدخولها فى منافسة حقيقية مع السياحة الخارجية والتى اصبحت أكثر تكلفة من السياحة الخارجية لجذب الآلاف من الأُسر المصرية التى دأبت على القيام بعطلاتها ورحلاتها الترفيهية بالخارج، كذلك اين نشاط السياحة العلاجية فهو خارج الخدمة تماما ولا نمتلك خبرات كافية للتعويل عليه، والحال كذلك للنشاط التعليمى فأين هى الجامعات المعترف بشهاداتها دوليا لجذب الآف الطلاب سنويا من الدول الأفريقية بخلاف اعتماد نظم التعليم الاكترونى الدولية والتوسع فيها. والمواطن ليس فى احتياج للمزيد من الشعارت التى لا يطبقها مروٍجِيها، لإعادة بث الروح الوطنية، وضرورة عدم الاحتفاظ بالدولار، والتعامل مع البنوك بالأسعار الرسمية، فهو لا يرى سوى تحقيق مصلحة شخصية قصيرة المدى، ولا يريد أن يتوقف عند الحقائق بأن زيادة الطلب على الدولار يؤدى الى خفض قيمة الجنيه، ومن ثم زيادة أسعار السلع الزراعية والانتاجية وكذلك الخدمية بخلاف تراجع مستوى جودتها، فقد فَقَدَ الثقة فى كل ما يسمعه من الجهات الرسمية، وأصبح لا يصدق إلا هوى نفسه فقط، وهذا أسوأ ما يمكن أن يصل اليه شعب. وزيادة أسعار الفائدة فى عدم وجود أزمة عملة أجنبية يؤدى الى جذبها الى البنوك للحصول على السعر المرتفع من تحويلها الى العملة المحلية، أما زيادة سعر الفائدة فى وجود أزمة عملة أجنبية فهو بلا شك يؤدى الى الشعور بعدم عليها ويؤثر بالسلب على قوة العملة المحلية وكذلك أسعار السلع والخدمات. مفهوم عجز الموازنة لا يجب أن يُقتصر على مجرد رقم أو مؤشر ولكنه ايضا يجب أن يشمل عدم قدرة الحكومة على تنفيذ أهداف الموازنة وهو ما يُعرف بكفاءة الأداء، وقد يكون الاستقرار فيتم التعامل مع العملة الأجنبية كمخزن للقيمة، ومن ثم زيادة الطلب هذا أخطر من حجم الرقم ذاته، نظراً لما يُخلفه من نتائج سلبية تراكمية مضطردة سنوية على كافة الأنشطة والمجالات الداخلية والخارجية. عجز الموازنة يمثل مشكلة محورية للحكومات المتعاقبة ولم تنجح أحدها فى التعامل معه بصورة حقيقية الى الآن، ويعد العجز المتزايد والمزمن في الموازنة العامة للدولة سببا قويا من أسباب التضخم وتفاقم الديون، وعجز الموازنة فى حد ذاته ليس مؤشر اقتصادى سلبى، ولكنه قد يصبح كذلك اذا لم تستطع الحكومة توفير الاعتمادات المالية لتحقيق أهداف الموازنة المعلنة فتضطر الى الاقتراض مما يتعاظم معه العجز عن السداد وكذلك التغاضى عن تحقيق اهداف الموازنة كاملة لعدم القدرة عن تنفيذ بعض بنودها، فتزداد حجم الديون الاجمالية ويتحول العجز الى عجز تراكمى سواء من ناحية القيمة أو من ناحية عدم القدرة على تحقيق معدلات التنمية المُعلنة، ومن ثًم تراجع الخدمات المقدمة التى وبلا شك تنعكس فى النهاية تدريجياً على السلوكيات المجتمعية، ونجد أنفسنا فى دائرة معادلة مضطردة كارثية، فكلما إزداد عجز الموازنة المصحوب بعدم القدرة على السداد إزداد حجم الدين الإجمالى ويكون كلٌ بمثابة تغذية عكسية للآخر لا نهاية له إلا الهاوية. ولا سبيل للخروج من العثرات المتتالية وهذا العجز المتزامن إلا بزيادة معدلات التشغيل من خلال زيادة الاستثمارات الحقيقية وخلق المناخ الملائم للتنمية الاقتصادية بكافة أنشطتها، وتطبيق سياسات مالية تستهدف ترشيد الإنفاق الحكومي وخفض الدين العام، والتنسيق فيما بين الجهات المسئولة عن السياسات المالية وبين المسئولة عن السياسات النقدية لتخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة، وتنمية موارد الدولة وتنوعها وإصلاح السياسات الضريبية وتحصيل مستحقات الدولة لزيادة الإيرادات، وضم الاقتصاد غير الرسمى إلى المنظومة الرسمية لزيادة حصيلة الايرادات، وتنوع مصادر التمويل، وألا يكون التمويل بالإقتراض هو السبيل الوحيد مع ضرورة الموائمة فيما بين الاحتياجات التمويلية وعملية الاقتراض ذاتها. واعتقد لتحقيق ذلك فإنه لا إختلاف على أهمية وجود إدارة رشيدة تستوعب حجم المشكلة قبل أن تصبح حالة تحول دون الاستقرار الاقتصادي وتتحول الى معضلة. منطقيا أن تتحدد أسعار الفائدة بناء على قوى العرض والطلب للمعروض من الأموال فإذا ارتفعت معدلات الطلب على ما هو معروض فسوف يقود إلى ارتفاع أسعار الفائدة وفي الوقت ذاته سيعمل على تخفيض معدلات الإقراض. والعكس، وتكون هذه العملية تفاعلية، فالسوق المالي الذي تتسم أسعار فائدته بالارتفاع تجذب إليها رؤوس الأموال بحثاً عن ربحية أعلى فيزداد المعروض من هذه الأموال، وهذا بدوره يقود إلى تخفيض سعر الفائدة مستجيباً لقوى العرض والطلب، في الوقت ذاته تطرد الأسواق ذات الفائدة المنخفضة رؤوس الأموال مما يترتب عليه تناقص في المعروض منها وهذا عامل في ارتفاع سعر الفائدة. كذلك يترتب على ازدهار الحالة الاقتصادية ارتفاع في أسعار الفائدة حيث تميل أسعار الفائدة إلى الارتفاع في كل فترة التي تحتاج فيها المؤسسات الاقتصادية إلى تمويل كاستجابة لزيادة الإنتاج التي يتطلبه حالة الانتعاش الاقتصادي فيزداد الطلب على رؤوس الأموال مما يعمل على رفع السعر أما أن يتم تقليص مشكلات الاقتصاد المصري في اهتمامات السياسة النقدية دون النظر لأبعادها السلبية على الاستثمار، ورفع تكاليف الإنتاج، والحد من التجارة. ومما لا شك فيه فإن عجز الموازنة بالتأكيد سوف يزداد سواء إن كان يتم تغطيته بالعملة المحلية أو العملة الأجنبية، حيث دأبت الحكومة على تسديده عن طريق الإقتراض. بسندات وأُذون الخزانة بالعملتين المحلية والأجنبية، وزيادة سعر الفائدة يؤدى الى زيادة تكلفة الإقتراض. وتحرك الفائدة هو أحد أدوات البنوك المركزية للتحكم فى سعر عملاتها أمام الأسعار الأخرى، فإذا ما قام البنك المركزى برفع الفائدة فهو يهدف بذلك الى سحب السيولة من السوق لتقليل المعروض منها مقابل العملات الأخرى وهو مقبول فى نظم السق الحرة وفى حالة وجود إستقرار مالى، أما فى ظل الظروف الاقتصادية التى نمر بها فإن إرتفاع أسعار الفائدة سوف يؤدى الى إكتواء المواطن بزيادة الأسعار، وتراجع فرص الإستثمار نظراً لإرتفاع فاتورة الإقتراض. وما يتبع ذلك من زيادة أعداد البطالة، وإنتشار الفقر، والجرائم، ومن ثم تهيئة المناخ للتدنى السلوكى المجتمعى بما فى ذلك نوعية الجريمة نفسها. محمد فاروق يس عضو المجلس المصرى للشئون الاقتصادية [email protected]