آمال الشرابى كادت ندى أن تحترق من اشعة الشمس المسلطًة عليها , وهى تنتظر وسيلة مواصلات تقلها إلى مقر سكنها فى قلب القاهرة فى رحلة عذاب يومية,فقط من توها هبطت ببارشوت من اختناق مترو الانفاق , من محطة رمسيس , كادت انفاسها تنقطع من قلة النفس , والحر الشديد , الذى يتصاعد معه غازات مسيلة للدموع , ولا وجود للأكسجين , فمرة واحدة التى ركبت فيها مترو الانفاق , وكان مكيفاً ولكن للأسف لم تنتظر طويلا , فكان عليها النزول بعد محطتين , كانت تريد أن تنام , حتى ولو على هذة الارض يكفى هواء المكيف , هو رحمة من حر وزمهرير الشوارع , ومع نداء الصوت الالى نحن الان فى محطة عرابى , كانت لا تريد الهبوط, تود أن تقول له ارجوك اتركنى أعيش لحظة الاإستمتاع بهذا الجو الجميل . انها ذكرى ما لبثت إلا قليلاً ,نلقاكم على خير فى العام القادم , هذا بالنسبة لمتروالانفاق المكيف , اما العادى فهو من حظى كل يوم , حتى عملنا نحن , انا وهو معاهدة تزاوج . ياااااه اخيراً جاء الميكروباص , ولكن هجوم سريع , لا مكان لى , فجأه ....!!! يشاور لى السائق , أن تعالى هنا مكان لكِ, شكرته ثم ركبت , قلت فى نفسى , هذا الرجل علم بما اعانية من لسعة الشمس, التى تلدعنى وكأن عقرب يمصص فى دمى . احسست براحة غير عادية , واستمتاع بعدما جلست , جاءت سيدة بدينة وجلست بجوارى وسدت كل منافذ الهواء عنى , واحتلت هى مقعدها فى صدر الهواء وكأنها تستقبله , وتعبئة لنفسها ومعها ابنتها الصغيرة تقريباً فى سن الخمس سنوات . كان السائق يشغل اغنية لعبد الحليم بتلومونى ليه , لو شفتم عنية , حلوين اد ايه , عشت مع الاغنية , وانسجمت معها , وسرحت بخيالى الواسع , ولكن خيالى لم يدم طويلأ , فلقد زنقتنى هذة السيدة البدينة , وكادت تهرس مفاصلى , وليس هذا فحسب , بل اخرجت كيساً مملوءً بالفاكهة , وظلت تأكل وتلقى بالقشور من شباك السيارة , قشر موز على قشر برتقال , وانا دمى وصل لنقطة الغليان , وكل العناصر التى فى جسدى بدأت فى الانصهار عندما اخرجت كيساً من اللب والسودانى , وتأكل وتلقى بالفضلات فى الشارع , واخرجت منديلأورقياً من جيبها ومسحت به انف البنت الصغيرة ثم القته من شباك السيارة . ثم رن الهاتف فردت بصوت جهورى , انا برة , لأ مش هعمل بط ولا وز , ولا النهاردة ولا بكرة, لأ مش هلحق , كلوا جبنة وبطيخ , تعبان ؟ ليه ؟ انت كنت بتعزق؟ هفتان ؟ بعض الكلمات استطعت أن افهم مغزى القصة , أن الرجل شقيان فى عملة , ويحتاج إلى وجبة دسمة , تعوضة عن متاعب اليوم , وهى مُصرٍة على تجويعة وحرمانه , واطعامة مايشتهيه , وخلصت الحكاية انها قررت ان الغداء جبنة وبطيخ . دقائق ثم اتصلت الو هدى ؟ ازيك ...عاملة ايه ؟ شفتى نادية اطلقت امبارح , وفوقية جوزها اتجوز عليها , ولا ناهد مش اتحرقت بسبب حماتها , كبت ياختى على نفسها بنزين , اصل الجاز شاحح اليومين دول , وهى بين الحيا والموت . شوية واخرجت علبتين من العصير , اعطت واحدة لإبنتها والاخرى لها , وفى لحظة كانت قد قضت عليها ثم امسكت بها لتلقي بها فى عرض الشارع من شباك الميكروباص . امسكت بيدها ثم قلت لها , ما هذا الذى تقومين به ؟ هل تفعلين ذلك فى منزلك ؟ هل تأكلين وتلقين بقشور اللب والموز فى منزلك , هل بيتك مزبلة مثلما تفعلينه الان , هذا لا يصح يا سيدتى الشارع ملك لنا جميعاً, فيجب المحافظة عليه , إذا كل واحد عمل مثل صنيعك هذا اصبحنا نعيش فى وطن ملئ بالأمراض بفعل هذة القمامة , ضعيها فى كيس ثم القيها فى اقرب مكان به قمامة . سمعت منى هذة السيدة هذا الكلام , ولا ادرى بنفسى إلا وانا فى المستشفى من اثار عضات الكلب التى قامت بها معى .