الدكتور رمضان حسين الشيخ إن المبادرة تعتبر من أهم مبادئ وأسس الحياة الفعالة وصناعة النجاح ومن أهم ما يجب أن يتعلمه ويتربى عليه الإنسان منا، لذا تعتبر من المشكلات التي نعانيها في مجتمعنا المصري عدم المبادرة أو ضعفها في كثير من المجالات، حتى أمست معضلةً متجذّرة في الذات الإنسانية تعيقها عن تحقيق الطموحات التي تتطلع إليها بفعل الشحنات السلبية التي تملؤها. هذه ليست ثقافتنا في الأصلِ كشعبٍ استمدّ من الإسلامِ جذوةَ هممها، ويقين إيمانها، وأسس منطلقاتها، وخالص دروسها.. ليست ثقافتنا بالتأكيد، ولما كانت المبادرة صفة محمودة ذكرت في القرآن الكريم في عدة مواقف ولعلي أقف الآن على موقف ربما أدهش الكثير لغرابته ولروعته، ذلك الموقف هو موقف النملة المبادرة صاحبة القرار والمسؤولية التي صاحت في معشر النمل قائلة: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا..) ولعل بقية النمل شاهد نفس الموقف ولكن ردة الفعل اختلفت.. فكانت هي المبادرة التي تحملت المسؤولية فاستحقت بذلك أن تذكر في القرآن الكريم. إن الدعوة للمبادرة (كن مبادراً) لا تعني ركوب الصعب ولا طرق المستحيل، وإنما تستهدف تفعيل الطاقة لصالح المجتمع المصري فكراً وقولاً وعملاً، وهي موجهة إلى كل فرد حسب ما منحه الله من منح عظيمة؛ فربما غلبت مبادرة رأياً صائباً، مصداقاً لقوله تعالى: "اوْلَئكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سابقون"، والمبادرة الذاتية، قد تدفع الناس إلى موقف صائب كانت غافلة عنه، أو متهيبة له خائفة منه، أو لم يكن من أولوياتها الحالية. وللمبادرات فوائد كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أنها تسهم في القضاء على وقت الفراغ، فالأمة المبادرة لا يوجد لديها وقت فراغ، فالكل يعمل والكل يبادر ونتيجة لذلك تقل الجرائم وتقل البطالة لأن الكل يعمل وينتج كما أنها تزيد إنتاجية المجتمع وهذه نتيجة طبيعية للنقطة السابقة والتي ذكرنا فيها أن الكل يعمل. وأيضا تزيد الإبداع لدى الأمة المبادرة، وتزيد مستوى التفكير الإبداعي لدى الأفراد. وتسهم المبادرات كذلك في حل المشكلات، حيث إن كثيرا من المبادرات تأتي لحل مشكلة معينة موجودة في مجال ما، وبالتالي كلما زادت المبادرات قلت المشاكل. عزيزي القارئ.. ان الشخص الذكي هو الذي يعلم متى تحين الفرصة ويبادر بإستغلالها قبل الأخرين وليس المقصود أن تكون متسرعاً في أمور حياتك ولكن هناك فرقاً كبيراً بين إمتلاكك روح المبادرة وبين أن تكون متسرعاً فالتسرع قد ينتج عنه تصرفات كثيرة خاطئة نندم عليها فيما بعد أما عن روح المبادرة فتعني اختيارك للقرار المناسب في الوقت المناسب وهو ما يسمى وقت قد حانت فيه الفرصة لتستغله وتكون أسرع من الأخرين في إنتهازك لهذه الفرصة مثلما تكون في محل يعرض ملابس للبيع بسعر خيالي فترى أنها فرصة جيدة لشراء ملابس بهذا السعر وبجودة عالية فهكذا كل الأمور التي في الحياة عبارة عن مجموعة من الفرص على الإنسان معرفة متى يبادر بإستغلالها . كن مبادراً.. تعني أن حياتك يجب أن تكون نتيجة قيم أنت تؤمن بها، ولديك اليقين الكامل فيها وتعيش حياتك وفقاً لها، ولديك الاستعداد أن تموت من أجلها، ألم تسمعوا قصة بلال بن رباح رضي الله عنه (أحدٌ أحد)؟ وعلى سبيل المثال: من كان الصدق يمثل قيمة عالية عنده، فهو يعيش حياته وفقاً لذلك ، ولا يكذب مهما كان الأمر، ومهما كان الصدق مراً، ولأنه إنسان مبادر فإنه يقول الصدق مهما أحيط بمجتمع كاذب. أن تكون مبادراً.. عليك بتحفيز نفسك ورفع شأنك وعدم انتظار الآخرين بحيث تكون مبادراً في كل أمورك ولا تقف في مكانك دون أن تغير وتنتظر الظروف والأشخاص المحيطين بك يتغيرون إنما أنت اسع وبادر إلي تغيير نفسك وتقدير ذاتك بإرسال لافتات ايجابية عن نفسك وعن الآخرين على سبيل المثال: (أنا أعرف كيف أتصرف.. أنا لدي طموح للدراسة وسوف أكمل دراستي.. أنا قوي.. أنا لدي ميزات كثيرة في المقابل لدي سلبيات اقل وسوف أطور من نفسي كي امحوها.. الكل يحترمونني وأنا احترمهم.. كلنا بشر معرضون للخطأ وعلينا تقبل الآخرين على ما هم عليه لاختلاف بيئتهم واختلاف منشئهم وطريقة تربيتهم). أن تكون مبادراً.. يعني أنه لا يجب بأي حال من الأحوال أن تكون حياتك نتيجة لقرارات انفعالية ، تخضع للمزاج أو المشاعر أو ما يريده أو ما قد يقوله الآخرون ، أن تكون مبادراً يعني أن تنبذ قوانين الفيزياء في التعامل مع البشر، بمعنى أن قاعدة (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه) تنطبق عند التعامل مع الآلة، ولا تنطبق البتة في التعامل مع البشر، بل يجب أن تخضع لقوانين الفعالية العالية، وأولها أن تكون مبادراً، فكم شخصاً قام بتصرفات وأعمال وهو غير راض عنها وندم عليها لاحقا؟، ولكنه قام بها حتى لا يشذ عن الجماعة أو حتى يحقق تطلعات الآخرين، وأحيانا يشعر بالغضب والحنق لأنها لا تتفق مع مبادئه، ولكنه يستسلم لعملها، لهذا نقول أن حياتك يجب أن تكون مبنية على قرارات خاضعة للمبادئ لا لما يريده الآخرون ، فإن كان ما يريده الآخرون يتفق مع المبادئ ، فالحسَن زاد حُسناً ، وإن لم يكن ف ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). كن مبادراً.. ابحث في حياتك عن أمور تحتاج إلى تغيير وتقويم، لا تنتظر أحداً يأتي من الخارج ليغيرك، لا تنتظر صدمة أو حادثة توقظك، بل بادر بتغيير حياتك للأفضل ثم طور ما غيرته ليكون أفضل ما يكون. إن مما يؤسف جمود بعض الناس في روتين قاتل دون تغيير أو مراجعة أو محاسبة، فهؤلاء ديناصورات العصر الحديث لا يتأثرون ولا يتغيرون ولا يتطورون ولا يتكيفون ولا يلاحظون المتغيرات الكثيرة من حولهم، ولا عجب إن قلت لك أن هناك من هم أسوأ من ذلك.. إنهم من يتغيرون ولكن للأسوأ.. إما بتقليد أعمى أو لمجرد لفت الأنظار أو في محاولة لإثبات الوجود؛ بتقليعات غربية أو شرقية لا تمت لديننا ولا قيمنا بصله. كن مبادراً.. فكر في أمر يهمك ويهم مجتمعك، كن متميزاً في مجال يجذبك ويستهويك.. اعرضه على ميزان الشرع والعقل والقيم والأخلاق والبيئة فإن وافقها فهو مما يجدر بك الاستمرار بل والتميُّز فيه. كن مبادراً.. ابحث عن هواياتك.. اقرأ كتاباً نافعاً.. احضر دورة مفيدة.. جالس المفكرين وأصحاب الرأي والمشورة والتفكير.. استخدم طاقات عقلك لإيجاد حلول مختلفة لمشاكل معاصرة.. فكر في تحسين وضعك الديني والمادي والوظيفي والأسري.. اكتب أهدافاً تود تحقيقها قصيرة وبعيدة المدى.. اجعل أهدافك نصب عينيك.. بادر في التحرك خطوة للأمام نحو تحقيق أهدافك. عزيزي القارئ.. إن من المؤسف جداً أن نجد أن هناك الكثيرون ممن يعتقدون أنّهم غير محظوظين في حياتهم، ويسبب لهم هذا الاعتقاد الفشل والإحباط، وعدم القدرة على صناعة مستقبل مشرق لحياتهم، لكن عليك هنا أن تقف مع نفسك وتقول لا يوجد هناك أشخاص غير محظوظين، وإنما هم استطاعوا التأقلم والسيطرة على التقلبات الّتي حدثت في حياتهم، ونجحوا في استغلال الأمور لصالحهم. وهنا سأوضح لك الخطوات التي ستساعدك في صناعة حياة ناجحة، ومنها: • اكتشاف المهارات والمواهب الّتي تتميّز بها. • الإيمان الرّاسخ أنّ كل شئ صعب بالحياة سيكون سهل المنال، عن طريق عزيمتك وإرادتك. • الحرص على أن تجعل كل شئ بحياتك منظّماً، من خلال وضع خطة بالأهداف الّتي تود تحقيقها بحياتك. • السير على طريق النجاح الذي رسمه غيرك من الناجحين. • الإيمان بأنّ الله سيعطيك في حياتك ما يكون لصالحك. • امتلاك الثقافة الواسعة، لكي تتمكن من معرفة ما يجول من حولك. • المسارعة لعمل العلاقات الاجتماعية الّتي تساهم في رفع مكانتك. • خلق تصور إيجابي حول ما يحدث من حولك. • استغلال الفرص والصدف التي تقابلك في الحياة. • التفاؤل والابتعاد عن التشاؤم فهو شيطان ينهش العقل والروح. • الإيمان بأنك وحدك من يصنع حياتك لا أحد سواك. • تغير العادات السلبية التي تمتلكها. • الإدراك أنّ الحياة جميلة. • امتلاك الثقة بالنفس التي تمكنك من تحقيق نجاحاتك. • التعلم من الأخطاء الّتي تقع بها، واتخاذها خطوة لكي تسير نحو النجاح. • الإيمان بأنّك ستنجح ما دمت على صلة مع الله عز وجل. • الاحتفاظ بمذكرة بالأعمال التي تود إنجازها، وأخذها معك لأيّ مكان ستذهب إليه. • العمل على صنع المعروف وخدمة الناس، دون أن تنتظر المقابل من أيّ أحد. • الحرص على محبة نفسك والآخرين لكي تكون حياتك جميلة. • جعل الابتسامة مرسومة على وجهك دائماً. • معاملة الآخرين كما تحب أن يعاملوك. عزيزي القارئ: كن أنت إيجابياً تفكر فيما تريد لا فيما لا تريد.. كن أنت مبادراً تفكر فيما رسمته وخططت من أجله.. كن أنت فاهماً للحياة تفكر في العبور إلى المستقبل بأمان.. كن أنت مطمئناً بالحصول على دليل يؤكد نجاح مستقبلك. عزيزي القارئ: إياك ثم إياك أن تكن غيرك.. فغيرك: لن يفكر لك فيما تريده، ولو فكر لك سيفكر فيما هو يريده!.. وغيرك: لن يكون أكثر منك مبادرة وتلبية وسرعة منك الآن!.. وغيرك: لن يرسم مستقبلاً ولن يخطط لك أهدافك.. وغيرك: لن يفهم حياتك كما تفهمها أنت لنفسك.. وغيرك: لا يهمه الحصول على أي دليل فالإطمئنان لقلبك وليس لقلبه!. عزيزي القارئ.. لا تكن كالذين يظنون أن لا قدرة لهم على التصرف بكيفية مغايرة للعادي والمألوف، إنهم كالسائرين في نومهم، فالإيحاءات التي يحصلون عليها من وعيهم الباطن أقنعتهم بأنهم أناسٌ من فصيلة اخرى، لقد آن الأوان أن يوقظ الإنسان نفسه من حالة الغفلة والذهول وأن يؤكد لذاته بأنه يمتلك أعظم المواهب البشرية روح الإبداع. الدكتور / رمضان حسين الشيخ باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]