الدكتور / رمضان حسين الشيخ كلنا رأى في حياته مشهد الطفل الصغير وهو يخطو خطواته الأولى بقدمين ضعيفتين، فكم مرة يتعثر فيقع على الأرض، ثم يحاول الوقوف والسير من جديد ليقع من جديد، ومع ذلك فهو لا يكف عن المحاولة، ونرى الجميع من حوله يشجعونه بكل وسيلة، لكي يتابع الخطى ولا يتوقف عن المحاولة، وهم فرحون بذلك مسرورون، مع الجزم أن هذه الخطى المترنحة ستقوده لا محالة إلى النجاح والسير بخطى ثابتة واثقة، ولكن المشهد يتغير كثيرا عندما يكبر ذلك الطفل أو غيره من أبناء وطني العزيز، حيث ينشأ على ثقافة اليأس والإحباط، فنراه لا يسعى بتلك المثابرة وإن تعثر مرة لا يحاول النهوض مرة أخرى، كما أن هواة الاحباط حوله يثبطون من عزمه وينقصون من همته، ولا نعد نرى كلمات التشجيع، أتعلمون لماذا؟ إنها حالة انعدام الثقة في النفس، والخوف من الفشل، وسيطرة روح اليأس والإحباط. إنهم قلة أشخاص في مجتمعنا يؤثر عليهم بعض الاشخاص غير المحبطين لوطنهم، نجدهم يسيرون طوال حياتهم في نفق مظلم، نظرتهم قاتمة السواد، وتلازمهم نظرة تشاؤمية تقود إلى إحباط وتذمّر مزمن يصاحب البعض ويجعلهم أسرى لثقافة مأزومة تبحث عن السلبيات وجلد الذات وتفرح بجوانب القصور وتغتال الطموح وتقتل الأمل من خلال قراءة خاطئة للواقع في بعض الأحيان، أو مقارنة غير عادلة وغير صحيحة يجعلونها أساساً تنسج حوله التوقعات الخاطئة الموغلة في التشاؤم والمبنية على نظرة حاقدة وكارهة لكل ما هو مصري ايجابي. أيها المصريون: إن هؤلاء تجدهم معترضين بشكل دائم، لا يعجبهم شيء، ينظرون بشك وارتياب إلى كل شيء جميل، ولا يهنأ لهم بال حتى يجدوا له تفسيراً سلبياً، أصابهم عمى لجميع الألوان الجميلة، ولا يرون إلا اللون الأسود، تحدثت كثيرا مع هذا النمط الذي اثبت لي أنه لا يمكن أن تنجح في تبصيرهم بالجوانب الإيجابية في حياتهم أو في مجتمعهم، لأن الاحباط واليأس والحقد أصبح نمط حياتهم المفضل، يفرحون كثيرا عندما تحدث عملية ارهابية لقتل او حرق او.... في مجتمعهم، فأين الإنسانية في حياتهم؟! وأين هم من مراقبة الله لهم؟!، وأين هم من الولاء والانتماء وحب مجتمعهم المصري؟!. لقد أصبحت الروح الانهزامية حالة مرضية وتحوّل إلى مزاج عام ومظهر سائد، فالكل متذمّر من عمله ومن مرتبه ومن مهنته ومن مسكنه ومن بيئته.....!، فأصبح الشخص الذي يصرح بأنه سعيد في عمله وراض عن وضعه ينظر إليه باستغراب من قبل زملائه والمحيطين به. البعض ليس مقتنعا بما يقول، ولكن تماشيه مع الثقافة المسيطرة والمزاج السائد من حوله يجعله أسيراً لهذا النوع من السلوك، لأن من حوله يتوقعون منه أن يفعل ذلك. إن نتشار هذه الثقافة بشكل واسع في المجتمع المصري إنعكست على الإنتاجية وقادت إلى التكاسل وعدم الجدية وانعدام الاخلاص وفقدان الامانة وعدم محاسبة النفس وتوجيه اللوم للآخرين، وانتشار الفساد والرشاوي، وعدم الالتزم باخلاقياتنا وقيمنا. إن هواة الإحباط الذين يساهمون في نشر اليأس والانهزامية بين المصريين يستشيطون غضباً عندما تناقشهم وتحاول إقناعهم بوجود نواح إيجابية في مجتمعنا، فتجدهم يسارعون إلى تغيير مسار الحديث فيحولونه إلى السلبيات والإحباط والنظرة السوداء إلى المستقبل المشرق باذن الله تعالى، وللأسف أن من يدعم ويروّج لنشر الإحباط واليأس هم أكثر الناس تقصيرا في عملهم والأقل إنتاجية، والبعض منهم غير منتجين بالفعل وليس لديهم استعداد لتحمل المسؤولية، وقد تكون هوايتهم المفضلة هي نشر الإحباط واغتيال الأمل وقتل الطموح. هؤلاء ينتقدون كل شيء إلا أنفسهم، ويقللون من شأن كل أمر لا يشاركون فيه، وينظرون بشكل سلبي لكل مشروع يرونه أمامهم دون أن يكلفوا أنفسهم محاولة معرفة الأمور بشكل كامل. والتساؤل الأهم الآن، هل الهدف إحباطك أيها المصري الحبيب أم أن هناك أموراً تترتب على شعورك بالإحباط؟ للعلم فقط الإحباط حالياً من ضمن الوسائل المستخدمة لتوجيه سلوك المجتمع المصري، إذن فالاحباط لا يكتفي بجعل الشخص يشعر بنوع من الاستياء فقط، بل يجعله مهيأ لتحويل هذا الشعور إلى سلوك عدواني - السلوك العدواني سلوك موجه بهدف الإيذاء من الممكن أن يكون" لفظياً، نفسياً، جسدياً، بوست أو صورة في الفيسبوك، تغريدة في التويتر، شتماً، ضرباً، قتلاً..". وما أخاف من خطورة نشر هذه الروح الانهزامية واليأس فيما بيننا أيها المصريون أن يتم غرسها في نفوس الأطفال والشباب التي يفترض أن تكون مفعمة بالحيوية والتفاؤل بدلاً من اللجوء إلى ثقافة الإحباط والروح الانهزامية، التي سوف تصنع لهم شماعة يعلقون عليها جميع أخطائهم وتقودهم إلى تفكير غير عقلاني، وتشجعهم على عدم تحمل المسؤولية. هذه الثقافة كفيلة بقتل روح الإبداع وفقدان الأمل، وسوف تساهم في تنشئة أجيال تحمل نفسيات مثقلة بالأزمات، منفصلة عن الواقع الحقيقي، خائفة من المستقبل، لأن هواة الاحباط ومثبطي الهمم صنعوا لهم شبحا مخيفا يدفعهم إلى الانهزامية واليأس وعدم الجدية والإخلاص في العمل. أيها المصريون: في النهاية يبقى الرهان على وعي المصريين بفكرهم وسلوكهم وقيمهم في التعاطي مع المنجزات الحالية من مشروعات تنموية كبرى ومحفزات التغيير والتطوير المستهدف وتقييم وفرز النقد البناء وغير الموضوعي وعدم الالتفات لمن يغذي روح "الإحباط"، و"االيأس"، و"الانهزامية"، و"السخرية" عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الاعلام المغرضة وغيرها، لأن قطار التنمية والتقدم يسير ولن يتوقف، كما يجب على المواطن المصري الواعي أن يفرق بين اسلوب الفكاهة ومواضعها التي لا يجب أن تخرج عن اطارها وبين السخرية التي تخرج عن الحد وتتجاوز المنطق والمقبول، كما أن النقد في كل مواضعه له أدبيات وأطر أخلاقية وقانونية ومهنية، يصبح صاحبها عرضه للمساءلة متى ما تجاوزها إلى ممارسات غير حضارية تستهدف الإساءة للتقليل من حجم العمل المبذول في وقت ينشد ويؤمل فيه من كل فرد أن يكون جزءاً من التحول والتطوير وأن ينظر دائماً للأمام ولا يلتفت للمحبطين مهما كانت حجم التحديات. أيها المصريون: تذكروا دائماً أن بناء المستقبل المشرق لمصرنا الحبيبة يحتاج إلى نشر ثقافة التفاؤل والإصرار على النجاح والعمل على تلافي الأخطاء وزرع ثقافة الطموح في الأجيال القادمة دون إغفال للنقد البناء الذي من شأنه أن يساهم على تصويب جوانب القصور، فهناك خيط رفيع بين النقد الذي تحيا به المجتمعات فتقوم تجربتها وتعيد إنتاج حضارتها وحيويتها، والانتقاد الذي يجعلها بائسة محبطة غير واثقة بقدراتها عاجزة عن أداء ما يفترض أن تؤديه، فالناجحون دائما هم من يرون بصيص الأمل في دياجي الظلام، لا يتجاهلون الظلمة ولكنهم أبدا يرون وميض الأمل!، وهذا من منطلق حبنا لمصر الجميلة، حفظها الله "شعباً، جيشاً، وقيادة" من كيد كل خائن وفاسد يارب. وصدق الله العظيم "الذين قال لهم الناسُ إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم أيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل". اسمعوني جيداً إياكم والإلتفات إلى الخلف أبداً، لا تنظروا إلى الوراء، لا تتحسروا على ما فات، استمروا في طريقكم فالندم على أشياء قديمة لا يفيدكم بشيء بل يجعلكم ترجعون إلى الخلف ثم ترجعون إلى بداية الطريق .. صدقوني ليس صعباً أن تعبروا هذا الطريق أبداً بل أسهل مما تتوقعون فقط خذوا أمتعة التفاؤل والامل بالله واستبشروا الخيرات معكم وستصلون إلى النور باذن الله. الدكتور / رمضان حسين الشيخ باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]