تدريب الدفعة الخامسة من مبادرة "30 ألف معلم" بدمياط    لينك الحلقة 2.. رانيا يوسف وسيد رجب يكتشفان أنهما ضحيتان لنفس الهاكر    البريد يوقع بروتوكول تعاون مع «المصري لتمويل المشروعات» لدعم الشمول المالي    بعد اقترح ترامب مشاركته.. نتنياهو لن يشارك فى قمة السلام بشرم الشيخ    مشادات في الكنيست الإسرائيلي أثناء خطاب ترامب    إنجاز تاريخي.. منتخب مصر يتأهل للمونديال دون هزيمة للمرة الأولى منذ 91 عامًا    جهاز الزمالك يدرس الدفع بالجزيري في هجوم الأبيض أمام بطل الصومال    أمن القليوبية يكشف لغز السطو المسلح على عمال محطة بنزين    تأجيل إستئناف أحمد عبد المنعم أبو الفتوح علي حكم سجنه لسماع أقوال الشاهد    حبس ربة منزل قتلت زوجها وأحرقته أثناء نومه بالشرقية    محمد كرم يكشف تفاصيل الدورة الرابعة ل مهرجان حفل جوائز الأفضل عربيًا    تفاصيل تعاون هيئة التأمين الصحي الشامل مع منظومة الشكاوى الحكومية    فرجاني ساسي يسجل هدفا لتونس أمام نامبيا في تصفيات كأس العالم    دار الإفتاء تؤكد جواز إخراج مال الزكاة لأسر الشهداء في غزة    تأكيدًا لما نشرته «المصري اليوم».. «الأطباء» تعلن نتائج انتخابات التجديد النصفي رسميًا    الرئيس السيسي يؤكد لرئيسة وزراء إيطاليا أهمية اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    رئيس جامعة بني سويف التكنولوجية يستقبل وفد المعهد الكوري للاقتصاد الصناعي والتجارة    «ارمي نفسي في النار عشانه».. سيدة تنقذ طفلها من الغرق في ترعة بالغربية    قمة شرم الشيخ.. الآثار الإيجابية المحتملة على الاقتصاد المصري بعد اتفاق وقف الحرب في غزة    طارق الشناوي عن عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة: «دليل على انحياز الرقيب الجديد لحرية التعبير»    بالصور.. تطوير شامل بمنطقتي "السلام الجديد والتصنيع" في بورسعيد    حسن الدفراوي: منافسات المياه المفتوحة في بطولك العالم صعبة    إحالة العاملين المتغيبين في مركز الرعاية الأولية بالعريش للتحقيق بعد زيارة مفاجئة    فحص 1256 مواطنًا وإحالة 10 مرضى لاستكمال العلاج ضمن القافلة الطبية بكفر الشيخ    المشدد 3 سنوات لعصابة تتزعمها سيدة بتهمة سرقة موظف بالإكراه فى مدينة نصر    الأهلي يدعو أعضاء النادي لانتخاب مجلس إدارة جديد 31 أكتوبر    محافظ الوادي الجديد يشارك فى مؤتمر الابتكار العالمى للأغذية الزراعية بالصين    إلهام شاهين لاليوم السابع عن قمة شرم الشيخ: تحيا مصر عظيمة دايما    ترامب: ويتكوف شخص عظيم الكل يحبه وهو مفاوض جيد جلب السلام للشرق الأوسط    ضوابط جديدة من المهن الموسيقية لمطربي المهرجانات، وعقوبات صارمة ل2 من المطربين الشعبيين    وزير الري: مصر كانت وما زالت منبرًا للتعاون والعمل العربي والإسلامي المشترك    دار الإفتاء توضح حكم التدخين بعد الوضوء وهل يبطل الصلاة؟    جامعة بنها تتلقى 4705 شكوى خلال 9 أشهر    حسام زكى: نهاية الحرب على غزة تلوح فى الأفق واتفاق شرم الشيخ خطوة حاسمة للسلام    ضبط صانع محتوى في الإسكندرية نشر فيديوهات بألفاظ خادشة لتحقيق أرباح    قمة شرم الشيخ| ندى ثابت: الاتفاق يؤكد دور مصر المحوري في الدفاع عن الاستقرار الإقليمي    فيديو توضيحى لخطوات تقديم طلب الحصول علي سكن بديل لأصحاب الإيجارات القديمة    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    «المالية»: فرص اقتصادية متميزة للاستثمار السياحي بأسيوط    إعلام إسرائيلى: ترامب يعقد اجتماع عمل مع نتنياهو فى الكنيست    تموين الفيوم تلاحق المخالفين وتضبط عشرات القضايا التموينية.. صور    فحص 1256 مواطنا وإحالة 10 مرضى لاستكمال الفحوصات بقافلة طبية فى مطوبس    استمرار تلقي طلبات الترشح لمجلس النواب بالشرقية    إشادة بالتعاون بين «السياحة والآثار» والسفارة الإيطالية في الترويج للمقاصد المصرية    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    «أسير» و«دورا».. عروض متنوعة تستقبل جمهور مهرجان نقابة المهن التمثيلية    10 آلاف سائح و20 مليون دولار.. حفل Anyma أمام الأهرامات ينعش السياحة المصرية    "هتفضل عايش في قلوبنا".. ريهام حجاج تنعى الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    الكنيست يوزع قبعات بشعار «ترامب رئيس السلام» بمناسبة خطابه في المجلس (صور)    «أننا أمام محك حقيقي».. ماذا قال رينار قبل مواجهة السعودية والعراق؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    بالفيديو.. الأرصاد: فصل الخريف بدأ رسميا والأجواء مازالت حارة    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    مصطفى شوبير: لا خلاف مع الشناوي.. ومباريات التصفيات ليست سهلة كما يظن البعض    القوات الإسرائيلية تداهم منازل أسرى فلسطينيين من المقرر الإفراج عنهم    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    عبد المنعم سعيد: الطريق لدولة فلسطينية موجود في خطة ترامب    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد صبحي منصور يكتب : كتاب المكي والمدني في التنزيل القرآني ( الجزء التاسع )
نشر في شباب مصر يوم 27 - 03 - 2016


د. أحمد صبحي منصور
ما زال الحديث موصول بعون الله تعالي حول كتاب (المكي والمدني في التنزيل القرآني) للدكتور أحمد صبحي منصور ونقول الأتي
في التعامل مع المشركين الكافرين سلوكيا بالاعتداء :
1 جاء لهم عرض الهي لهم بالانتهاء عن العدوان مقابل أن يغفر لهم ما سبق من عدوان ، وإذا رفضوا العرض فالأمر بقتالهم لوضع حد للفتنة أو الإكراه فى الدين ، يقول جل وعلا فى إلتفات مركب ، المُخاطب فيه هو النبي مع إشارة الى الغائب وهم الكافرون : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) ثم إلتفات مركب بمخاطب هو المؤمنون مع إشارة الى غائب وهم الكفار المعتدون الذين يرتكبون الاضطهاد الدينى أو الفتنة فى ( الدين ) الذى ينبغى أن يكون حرا ، المرجعية فيه لرب العزة يوم الدين : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) ثم إلتفات الى المشركين ( فَإِنْ انتَهَوْا ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل علا : ( فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)، وإلتفات فى الآية التالية من الغائب وهم المشركون :( وَإِنْ تَوَلَّوْا ) إلى المخاطب وهم المؤمنون :
( فَاعْلَمُوا ) إلى الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( أَنَّ اللَّهَ ) إلى المخاطب وهم المؤمنون :(مَوْلاكُمْ ) إلى الحديث عن رب العزة جل وعلا :( نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
فى التعامل مع ( شر الدواب )
1 عبارة (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ ) جاءت مرتين فقط فى القرآن الكريم ، وفى سورة الأنفال تحديدا، وصفا لنوعين من الكافرين ( الكفار قلبيا فقط ) أو ( الكفار قلبيا وسلوكيا معا ) . وقلنا أن هناك الكافر بقلبه ولكنه مؤمن سلوكيا مأمون الجانب مسالما فيتمتع بلقب الذين آمنوا حسب الظاهر ، ولكن يظل محتاجا للوعظ حتى يهتدى قلبه ، ويظل أيضا محتاجا إلى الوعظ والتهديد والترهيب حتى لا يتحول الى الكفر السلوكي يجمع بينه وبين كفره القلبى .وهذا كان حال بعض الصحابة من المهاجرين والذين ظلوا يعبدون الأنصاب حتى أواخر ما نزل من القرآن الكريم دون أن ينتهوا عن عبادتها ( التوبة 90 : 92 ) .
2 يقول جل وعلا للمؤمنين سلوكيا
( بمعنى الأمن والسلام ) ولكن لا يطيعون الله ورسوله ويخونون الله ورسوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) .
3 ونلاحظ الآتي :
3 / 1 عدم وصفهم صراحة بالكفر بل بأنهم الصُّم البكم الذين لا يعقلون الذين يتولون عن الرسول معرضين عنه شأن الذين قالوا سمعنا بالأذُن وهم لا يسمعون أي لا يطيعون . وأنه لا فائدة منهم ولا خير فيهم .
3 / 2 أن هذه الأوصاف جاءت فى سياق خطاب الهي مباشر للذين آمنوا أو الصحابة المؤمنين سلوكيا ظاهريا دون إيمان قلبي . أي مؤمنون مأمون الجانب مسالمون سلوكيا ولكن قلوبهم كافرة ترفض سماع الحق،وهم متصفون بنفس صفات الكافرين الذين لا يعقلون ، وأنهم شر الدواب ، والدابة هى كل كائن حى يدبُّ ويتحرك بحركة مقصودة من الحشرة إلى الفيل والخيل والبغال والحمير ..
3 / 3 وجرى في الآيات السابقة أسلوب الالتفات على النحو التالى : المُخاطب هو المؤمنون سلوكيا وليس قلبيا ، وهو إلتفات مركب بإشارة الى الله جل وعلا والرسول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا ) ثم إلتفات من المخاطب الى الغائب، وهم الكفار الصُّرحاء فى ( كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) ( واستمرار في وصف هؤلاء الكفار قلبيا :
( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23). ثم إلتفات من الغيبة الى المخاطب للذين آمنوا سلوكيا فقط ، وهو إلتفات مركب لأنه يحوى إشارة لله جل وعلا وللرسول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28).
4 عبارة (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ ) جاءت أيضا فى نفس السورة وصفا للكافرين قلبيا وسلوكيا بالاعتداء ونكث العهود ، يقول جل وعلا : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56)) . كان الحديث عنهم بالغائب ، ثم بعده إلتفات إلى المخاطب وهو النبي في تشريع بالتعامل مع أولئك الكافرين المعتدين ناكثى العهود ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ( 58 )
5 الخطورة هنا أن يتعاون ( شر الدواب ) داخل المدينة مع ( شر الدواب ) خارجها . الصنفان معا يصفهم رب العزة بالخيانة (الأنفال 27 ، 58). ولو تحالف الفريقان الخائنان ( من شر الدواب ) ضد النبي والمؤمنين الحقيقيين لتم تدميرهم المسلمين ودولتهم الإسلامية ، خصوصا وأن شر الدواب خارج المدينة موصفون بأنهم (يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ ). لذا كان التشريع للنبي عليه السلام فى التعامل مع ( شر الدواب خارج المدينة ) أنهم إذا اعتدوا فليحاربهم بقوة تُرهب من هم خلفهم ، اى شر الدواب فى المدينة : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ). وإنه بسبب تكرار حنثهم ونقضهم للعهود فإذا خاف خيانتهم أعلن لهم وقف العمل بالعهد معهم بكل استقامة كي لا يعطيهم فرصة الخداع والمكر:
(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ) .
فى الاستعداد الحربى لردع العدو المعتدى
1 هنا المخاطب هم المؤمنون قلبيا وحقيقيا مع إشارة للغائب وهم الكفار المعتدون ، فى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) أولئك الذين لا يعلمونهم هم
( شر الدواب ) من المؤمنين سلوكيا بينما قلوبهم تطفح بتقديس الأنصاب والقبور المقدسة.
2 قوة الدولة الإسلامية المسالمة هى التي ترهب العدو الظاهر والعدو المحتمل المستتر الذي لا يعلمونه والذي يعلمه رب العزة جل وعلا . الإرهاب هنا فى مصطلح القرآن هو لحقن الدماء ، دماء العدو ودماء المسلمين أيضا . الدولة الإسلامية المسالمة التي لا تعتدي على أحد لو كانت ضعيفة فسيتشجع العدو المعتدى على غزوها ، لهذا لا بد أن تتقوى بكل استطاعتها لتردع أو لترهب هذا العدو المعتدى .
3 وهذا الاستعداد الحربي يتطلب نفقة مالية ، لذا يستمر الخطاب للمؤمنين :
( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60).
4 فماذا إذا جنح العدو المعتدى للسلام ، يستمر الخطاب للنبى عليه السلام بالجنوح للسلام متوكلا على ربه جل وعلا فى إلتفات من المؤمنين إلى النبى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) .
5 فماذا إذا كانوا يريدون الخداع فالله جل وعلا هو الذي يكفيه والذى يؤيده بنصره وبالمؤمنين ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)) فيما سبق إلتفات مركب للمخاطب وهو النبى مع إشارة للمخادعين
6 ويأتي حديث عن رب العزة ونصره وأنه الذى ألّف بين قلوب المؤمنين الحقيقيين بما لا يستطيعه بشر :( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ )هذا حديث عن رب العزة جل وعلا ، يليه إلتفات الى المخاطب وهو النبي عليه السلام ( إلتفات مركب ) يحوى إشارة إلى المؤمنين :( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) .
7 المؤمنون سلوكيا فقط لا فائدة فيهم فى القتال لأنهم كافرون قلبيا ولأنهم مسالمون يخافون من الحرب لذا كانوا يعصون ولا يسمعون . باستبعادهم يتبقى المؤمنون الحقيقيون ، وهم أيضا مسالمون ولكن مخلصون لرب العزة دينهم . أي يحتاجون إلى التحريض على القتال لذا يستمر الخطاب للنبى مع حديث عن رب العزة جل وعلا وإلتفات إلى الغائب وهم المؤمنون الحقيقيون في : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) ثم بعدها إلتفات إلى مخاطب آخر وهم المؤمنون الحقيقيون ونفهم أنهم وقتها أقلية ضئيلة ضعيفة لذا لا بد من التمسك بالصبر لينالوا النصر ، يخاطبهم رب العزة مباشرة فيقول :
( إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)).
فى الموالاة والولاء للدولة الإسلامية :
1 انتماء المسلم الحقيقي والمؤمن الحقيقي هو للقيم العليا
( الحرية والعدل والسلام ) . وإذا تعرض للفتنة في دينه وجبت عليه الهجرة ، وإذا تخلف عنها مع استطاعته ومات ، مات كافرا
( النساء 97 : 99 ). وكانت دولة الإسلام المدنية واحة أمن للمستضعفين المؤمنين ( إيمانا سلوكيا بمعنى الأمن ) والمسلمين ( إسلاما ظاهريا بمعنى المسالمة والسلام ) . وفى داخلها تمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار والموالاة بينهم في إطار دولتهم . وكانت الهجرة إليها مفتوحة لكل من أراد الحرية الدينية ، يمارسها كيف شاء طالما لا يرفع سلاحا ولا يضطهد أحدا في الدين .
2 وكما جاءت الآيات الأخيرة في سورة النور عن الشورى والديمقراطية المباشرة ، وجاءت الآيات الأخيرة من سورة الممتحنة عن البيعة الفردية حتى للنساء فى دخول الدولة الجديدة فإن الآيات الأخيرة من سورة الأنفال كانت عن تشريع المواطنة في هذه الدولة ، والتي هي حق لمن يعيش فيها من المهاجرين والأنصار ، وهى أيضا حق لمن هاجر إليها واستقرّ فيها ، والمؤمنون خارجها ليسوا مواطنين فيها طالما لم يهاجروا ، والمستضعفون لهم حق النُّصرة إلا إذا كان هناك عهد بعدم الحرب بين الدولة الإسلامية وتلك الدولة الفتى يعيش فيها أولئك المستضعفون . وكما أن الكفار المعتدين يوالى بعضهم بعضا فواجب المؤمنين المسالمين أن يوالى بعضهم بعضا حتى لا يكون فساد في الأرض واضطهاد أي فتنة في الدين الذين .
3 في هذا يقول جل وعلا في خطاب للغائب : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ثم إلتفات إلى من الغائب إلى المخاطب وهم المؤمنون في دولتهم الإسلامية :
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72). ثم خطاب الغائب عن الكافرين المعتدين وموالاتهم بعضهم البعض :
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ثم إلتفات إلى المؤمنين : المخاطب : يقول لهم :
( إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)، وبعده إلتفات إلى الغائب :
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) ثم إلتفات إلى المخاطب أي المؤمنون (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ . ) ثم الغائب في :
( وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)) .
وللكتاب بقية فيتبع .....
----------------
د. أحمد صبحي منصور
من علماء الأزهر سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.