د / أحمد صبحي منصور ما زال الحديث موصولا حول كتاب ( حق المرأة في رئاسة الدولة الإسلامية لمحة أصولية تاريخية ) للدكتور أحمد صبحي منصور ونقول الأتي : ملكة زبيد اليمنية --------------- وأختلف الحال مع أم الملك الناصر سيف الإسلام الأيوبي حاكم اليمن ، والتي كانت معاصرة لشجرة الدر في مصر، فقد توفى ابنها فقامت بأعباء الملك خير قيام إذ ضبطت أحوال زبيد وبعثت تستقدم أميرا من البيت الأيوبي ليحكم معها . وعثرت على سليمان شاه الذي كان مدعيا للتصوف في مكة فاستقدمته إلى زبيد وتزوجته، ولكنه ملأ البلاد ظلما ، ثم غدر بها وتزوج عليها ، وكان يحارب مع بني عمه الأيوبيين فانهزم ، واستولى على اليمن الملك المسعود بن الكامل . وبعث به وبزوجته ليعيشا في مصر (الوافي 15/391 ،392 ). شجرة الدّر ------------ 1 ونصل لشجرة الدر أشهر سلطانة في تاريخ المسلمين . فهي سيدة بدأت حياتها بين سطور التاريخ ولكنها قفزت إلى عناوين التاريخ لتحتل مركزا فريدا في تاريخ المسلمين ، حيث ارتبط تاريخها بفترة حرجة ، إذ شهدت حملة لويس التاسع على دمياط وهزيمته وأسره فى المنصورة ، وشهدت انتقال الحكم من الدولة الأيوبية إلى الدولة المملوكية حيث كانت أول سلطانة أو بمعنى آخر أول من تولى الحكم في الدولة المملوكية. بدأت حياتها جارية محظية للسلطان الصالح أيوب الأيوبي، وانتهت حياتها صريعة بنهاية مأساوية لا تتفق مع حرمة الأنثى ولكنها لعبة السياسة التي مارستها فلم ترحمها ، وماتت بنفس الكأس الذي أذاقته لغيرها. 2 كان السلطان الصالح أيوب مشهورا بالسطوة والوقار ولزوم الصمت والبعد عن العبث. وشخصية بهذه الصفات يكون من الصعب عليها أن تخضع للحب أو تستغرق فى الغرام ، ويكون من الصعب على جواريه أن تمتلك إحداهن قلبه وتتمكن من إقناعه بأن يعتقها ويتزوجها ،وذلك هو التحدي الذي نجحت فيه شجرة الدر ، دخلت قصره جارية تركية حسناء وما لبثت أن اقتحمت بجمالها وذكائها حصون قلبه فأعتقها ثم تزوجها ، وانجذبت له ولدا توفى وهو طفل اسمه خليل فصار لقبها الرسمي "أم خليل" . 3 وجاءت فرصة أخرى لذكاء شجرة الدر في وقت حرج ، إذ هجم الصليبيون ين على دمياط وهربت الحامية وتركتها خاوية للفرنج وملكهم لويس التاسع ، وحينئذ اشتد المرض على الصالح أيوب ويئس الأطباء من شفائه ، وقد تحرك الصالح أيوب بالجيش إلى موقع مدينة المنصورة حيث أنشأها لمواجهة الصليبيين . وأثناء هذه المحنة نهضت شجرة الدر فاستكتبت زوجها آلاف التوقيعات على أوراق رسمية بيضاء خالية ، وكونت لجنة لإدارة البلاد ومتابعة الاستعداد الحربي ، ومات الصالح ايوب فكتمت موته ، وبعثت لابنه الغائب توران شاه كي يأتي إلى مصر ليتولى السلطنة، وأخذت له البيعة، وواصلت جهودها حتى انتصرت على حملة لويس التاسع وأبادت جيشه وأسرته في دار ابن لقمان بالمنصورة. 4 ووصل توران شاه ليجد العرش والنصر فى انتظاره ، وبدلا من أن يرد الجميل لشجرة الدر والمماليك البحرية ، مماليك أبيه إلا أنه أغلظ لهم وبادر بتقديم مماليكه عليهم ، وطالب زوجة أبيه شجرة الدر بالأموال ، وتربص بها شرا ، فأشارت شجرة الدرعلى المماليك بقتله فقتلوه ، وبذلك بدأت شجرة الدر طريق التآمر وطريق السلطة أيضا . 5 فقد اتفق كبار المماليك على إقامتها سلطانة وأن يكون لها التوقيع على المراسيم السلطانية، وكانت علامة توقيعها" والدة خليل " ، وخطبوا لها على المنابر بقولهم " اللهم أدم سلطان الستر الرفيع والحجاب المنيع ملكة المسلمين والدة الملك خليل ". وبدأت سلطنتها يوم الخميس ، صفر 648هجرية ولبست خلعة السلطنة وهى خمار من الحرير المرقوم بالذهب ، وقام الأمراء بتقبيل الأرض أمامها حسب العادة .ولكن من وراء حجاب. وكان أول قرار لها هو التفاوض مع الملك الفرنسي الأسير ، وقد افتدى نفسه من الأسر بأربعمائة ألف دينار 5 واستنكر الخليفة العباسي المستعصم بالله تولى شجرة الدر السلطنة وبعث يعيّر المصريين ويقول لهم :"أعلمونا إن لم يكن عندكم رجال لنرسل لكم رجالا " ، فلما بلغ ذلك شجرة الدر تنازلت بنفسها عن السلطة. وتزوجت عز الدين أيبك ليصبح أول سلطان مملوكي . 6 والواقع أن تنازلها عن السلطة كان ظاهريا فقط ، إذ ظلت تحكم من وراء ستار ، وتجلى ذلك في اختيارها عز الدين أيبك زوجا لها ليتولى السلطة بالاسم بينما تمسك هي بمقاليد الأمور في يدها ، والواقع أنه كان أمامها مرشحان للزواج والسلطنة، وتنافسا على الفوز بها ، الأول الأمير أقطاى زعيم المماليك البحرية وحوله شجعان الفرسان المماليك ومنهم بيبرس الذى تسلطن فيما بعد، والثاني عز الدين أيبك كبير المماليك فى القصر السلطاني وأشهر أتباعه قطز الذي تسلطن هو الآخر فيما بعد. وقد فضلت شجرة الدر واختارت أن تتزوج أيبك اعتقادا منها أن نفوذها سيستمر معه وأنه أسلس قيادا من أقطاى . وتزوجت أيبك وغضب أقطاى وتآمر عليهما وسلط أتباعه يسلبون وينهبون ، فكان أن تخلص منه السلطان والسلطانة بمؤامرة اغتيال ، وصفا لهما الجو ، ولكن ضاق أيبك بنفوذ شجرة الدر ودب النفور بينهما ، ترك أيبك لها القلعة وعاد إلى زوجته القديمة أم على ابنه ، وبعث يخطب أميرة أيوبية هي صاحبة الموصل كي يسكنها القلعة بدلا من شجرة الدر . وجن جنون شجرة الدر، ومنعتها غيرتها من التفكير السديد فاحتالت على استقدام أيبك إليها وصالحته ثم قتلته ، ونسيت أن مماليك أيبك لن يرضوا بمقتل سيدهم ، وأن المماليك البحرية من أتباع أقطاى لن يتوانوا عن الانتقام منها إذا سنحت لهم الفرصة ، وهذا ما حدث إذ أنهم حين عرفوا بمقتل السلطان أيبك اعتقلوا شجرة الدر وسلموها إلى غريمتها وضرتها أم على ، وانتقمت منها أم على انتقاما هائلا ، إذ جعلت جواريها يضربنها بالقباقيب حتى ماتت ثم ألقوا بجثتها عارية خلف أسوار القلعة ، وفى النهاية حملوها فى قفة ودفنوها . !! (السلوك للمقريزي 1/361 ، تاريخ ابن كثير 13199 ، فوات الوفيات 16 120 ، الذهبي : العبر5 222 ، أبو المحاسن : النجوم الزهراء 7560 السيوطي : حسن المحاضرة 2 39 ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب 568 ) 7 أي أن شجرة الدر هزمت الأمراء والسلاطين من الرجال ..ولم يهزمها إلا قلبها وضرتها . وللحديث بقية --------- بقلم الدكتور/ أحمد صبحي منصور من علماء الأزهر سابقا