د.أحمد أبو مطر وجّه الدكتور " همام سعيد " المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، يوم الخميس الثالث من ديسمبر الحالي، رسالة إلى " إخوانه و أخواته " أي أنّها رسالة خاصة رغم نشرها في العديد من المواقع على الإنترنت ، والدكتور " همّام سعيد " شخصية معروفة ليس داخل مجتمع الإخوان المسلمين بل في عموم المجتمع الأردني فهو أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراة في علوم الحديث النبوي من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر المصرية عام 1977 ، وله العديد من المؤلفات الدينية في مجالات مختلفة كما شغل منصب أكاديمية مرموقة، ونال عضوية البرلمان الأردني من عام 1989 إلى عام 1997 ، وهو يشغل منصبه الحالي كمراقب عام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن منذ أبريل 2008 وتنتهي ولايته هذه في أبريل 2016 . وإيرادي لهذا التقديم والتذكير بما هو معروف عنه كشخصية مشهورة ، الغرض منه القول صراحة إنّ إيرادي بعض الملاحظات النقدية على رسالته ل " إخوانه و أخواته " لا تنقصّ أبدا من قدره ومكانته خاصة أنّه يذكّر في رسالته ما يؤكد إيمانه ب " مبدأ الحوار والتفاهم والأخذ والعطاء دون أن يفرض أحد على أحد نظرته الأحادية ". ومن هذا المنطلق أورد ملاحظاتي التالية على رسالته التي يبدأها بالمقدمة التقليدية التي يستهل بها غالبية خطباء صلاة الجمعة خطبهم : " إنّ الحمد لله نحمده تعالى ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله......". وأنا لا إعتراض عندي على هذه المقدمة الإيمانية ، فقط تكرارها لا مناسبة له في رسالة يفترض أنّها سياسية تنظيمية لأعضاء في جماعة حزبية، خاصة أنّ الافتراض الطبيعي يعني أنّ كافة أعضاء الجماعة أعضاء في حزبها السياسي المرخص رسميا " حزب جبهة العمل الإسلامي "، كما أنّ هؤلاء الأعضاء وغيرهم يسمعون هذه المقدمة إسبوعيا في كل صلاة جمعة. لماذا تجاهل مبادرات مهمة من داخل الجماعة؟ ذكر المراقب العام في رسالته أنّ " الكثير من المبادرات سواء منها ما جاء من المراقب العام والمكتب التنفيذي أو ما جاء من إخوة وأخوات كرام وكريمات وكلهم أصحاب سابقة وقدم في الدعوة ". وهذه فقرة عامة لم يعقبها ذكر أي من هذه المبادرات وردود فعل قيادة الجماعة عليها خاصة مبادرتين مهمتين شكّلتا شرخا و تحولا مهما في صفوف الجماعة: مبادرة زمزم " رحيل غرايبة " هذه المبادرة التي أطلقها صباح السبت الخامس من أكتوبر 2013 القيادي في الجماعة الدكتور " رحيل غرايبة " ومعه قيادات أخرى مشهورة منها " عبد الرحيم العكور " ومن ضمن إعلان القائمين على المبادرة آنذاك أنهم لا يسعون إلى الانشقاق عن الجماعة وأنها ليست مناكفة للجماعة ولا يريدون تحويل مبادرتهم إلى حزب سياسي، وقد جاءت المبادرة لإخراج الجماعة من التأزم الذي تعيشه خاصة الصراع بين تيارات متعددة، أطلق عليها البعض " الصقور والمعتدلين " والبعض وصفها ب " المعتدلين و المزايدين ". لذلك أكّد الدكتور " رحيل غرايبة " ب " أنّ المبادرة هي حالة وطنية أصيلة تهدف إلى تشكيل الدولة المدنية...وأنها تؤمن بالإسلام الواسع الذي يستنهض العقل نحو التفكير ومسايرة العصر... في هذه المرحلة لا يستطيع أي طرف الاستفراد بالمشهد مهما كانت قوته مما يقتضي البحث عن صيغة تشاركية تتسع لكل القوى السياسية والمكونات الاجتماعية من دون استبعاد لأي قوة مهما كانت درجة الاختلاف السياسي والفكري معها.... انها مرحلة تقتضي منهجية مختلفة تقوم على التوافق وتقليل مساحات الاخلاف والفرقة ومواجهة خطاب التحريض والكراهية لان الظرف لا يحتمل مزيدا من الانقسام ". ماذا كان ردّ قيادة الجماعة على مبادرة زمزم؟ كان يفترض في جماعة تنظيمية عمرها يزيد على نصف قرن أن تبدأ حوارا مع القائمين على المبادرة كونهم قيادات تاريخية معروفة داخل الجماعة، لأنّ هذا الحوار كان من شأنه أن يؤدي لتفاهمات مشتركة تصبّ في مصلحة الجماعة وتحسين صورتها وأدائها داخل المجتمع الأردني، لكنّ النظرة الفوقية التي لا تقبل أي نقد أو تصحيح لدي قيادة الجماعة جعلتها تأخذ قرارا بفصل القيادات التي تقف وراء مبادرة زمزم وهم " رحيل غرايبة و نبيل الكوفحي و جميل دهيسات " ، وتحويلهم إلى المحكمة التنظيمية للجماعة لمخالفتهم اللوائح الداخلية في الجماعة كما أعلن آنذاك نائب المراقب العام زكي بني ارشيد....هل يمكن تسمية هذه العقلية لدي قيادة الجماعة بغير أنّها عقلية قمعية تصادر رأي الآخر حتى لو كان قياديا في الجماعة مثل الأسماء الثلاثة المذكورة. . وبالتالي يبدو واضحا ومؤكدا أنّ قول " همام سعيد " في مطلع رسالته حول إيمانه بالحوار والتفاهم ليس صحيحا ولا مطبقا لدى قيادة الجماعة، وبالتالي فهو مجرد انشاء لدغدغة عواطف أعضاء الجماعة الذين يواجهون سلوكا قمعيا يختلف عن هذا الخطاب العاطفي الذي لا تطبيق له. وماذا عن الإنشقاق الجديد وترخيص جماعة جديدة؟ الذي قام به المراقب العام السابق للجماعة " عبد المجيد الذنيبات " في مارس 2015 حيث أعلن ومعه العشرات من قيادات وكوادر الجماعة الإنشقاق عن الجماعة القديمة ، وتشكيلهم كيانا جديدا حصل على ترخيص رسمي من وزارة التنمية السياسية بإسم " جمعية الإخوان المسلمين " ، وبالتالي أصبح في الأردن جماعتان يحملان نفس الإسم ولهما مراقبان عامان. ردّ الجماعة القديمة كان انفعاليا متهما دوائر أمنية أردنية بتصعيد الخلافات داخل الجماعة وصولا لهذا الإنشقاق، بينما لم تحاول قيادة الجماعة القديمة منذ سنوات نقاش الأصوات المعترضة على سياسة الجماعة ومحاولة رأب الصدع الذي كان يتصاعد تدريجيا وصولا لهذا الإنشقاق، خاصة في ملف العلاقة بين الجماعة الأردنية و حركة حماس الفلسطينية، وأيضا طريقة التعامل التنظيمي داخل الجماعة حيث كشف المنشقون عن الطرق الإقصائية المتعالية التي تمارسها قيادة الجماعة بما فيهم المراقب العام الحالي صاحب الرسالة لإخوانه وأخواته " همام سعيد " ، ومحاولات تشكيل تنظيم سرّي داخل الجماعة وهذا ليس مستبعدا خاصة إذا تذكّرنا وجود مثل هذا التنظيم داخل الجماعة المصرية الأم لكافة جماعات الإخوان المسلمين كما كشف ذلك منشقون مصريون مثل الدكتور " ثروت الخرباوي " في كتابيه " سر المعبد و قلب الإخوان "، هذا ومن المعروف أنّ الجماعة الأردنية حصلت على ترخيصها عام 1945 كفرع للجماعة المصرية، ولم تقم طوال ما يزيد على نصف قرن لتعديل ذلك وترسيخ وجودها كجماعة أردنية. ومغالطات أخرى في رسالته منها مثلا، قوله " أنّ حزب جبهة العمل الإسلامي مؤسسة وطنية مستقلة لا سلطان للجماعة على خياراتها القيادية". وهذا عمليا وواقعيا غير صحيح على الإطلاق فكيف تكون هذه الإستقلالية المدّعاة وتأسيس الحزب أساسا كان بقرار من قيادة الجماعة بعد الانفتاح الديمقراطي الذي بدأه المرحوم الملك حسين عام 1989 ؟.و بالتالي فالحزب تابع تبعية مطلقة للمراقب العام وقيادة الجماعة في كافة قراراته وتوجهاته، وبالتالي فهو حزب لا يمثل إلا جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تقاطع الانتخابات البرلمانية في دورة وتشارك فيها في دورة أخرى دون الحديث عن أسباب المقاطعة أو المشاركة التي تطالب رسالة المراقب العام الجديدة المكتب التنفيذي للجماعة " إلى مباشرة الإعداد للإستحقاق الانتخابي والبدء بتحضير قوائم الناخبين وتوزيع المقاعد على الشعب "، وهذا بالطبع علىى خلفية قانون الانتخابات الجديد الذي ألغى قانون الصوت الواحد الذي كان محل اعتراض غالبية القوى السياسية والحزبية الأردنية. من سيفوز من الجماعتين الإخوانيتين بتمثيل وحيد للإخوان؟ أرى أنّه لا الجماعة القديمة ستلغي الجماعة الجديدة ولا الجماعة الجديدة ستصادر وجود الجماعة القديمة، وستستمر الجماعتان في العمل بإسم جماعة الإخوان المسلمين في الأردن دون توقف المشاحنات والاتهامات بين الجماعتين، وربما تبدأ صراعات ومشاكل داخلية جديدة خاصة حول أملاك الجماعة المسجّله كلها للجماعة القديمة وهي تقدّر بالملايين من عقارات ومدارس ومستشفيات وغيرها. www.drabumatar.com