* في الساعة السابعة صباحا ، دق هاتفه المحمول : مرحبا ، من معي ؟ المتصل : ليس هذا وقته يا أخي ، إبنك الكبير عقره ( ذئب ) ونقل إلي المستشفي... الأب مقاطعا له : ذئب ! كيف وصل إليه الذئب ؟ أنت تمزح بالطبع ، إبني عضه ذئب ، لا لا أصدق ، من أنت يا أخي بالله عليك ؟ لا توجع قلبي بالصباح الجديد أرجوك ؟ المتصل : أنا جارك وقد حملنا إبنك إلي هنا ، فلتتحدث إلي زوجتك لتتأكد من صدق النبأ ؟ الأم ويغشاها البكاء : حبيبي ، للأسف هذا ما حدث منذ نصف الساعة ، ونحن الآن بالمستشفي ! الأب : هذه أنت إذا ؟ كيف حدث هذا ؟ إبننا حبيبنا مصاب ، أين كنتي وقتها ؟ أنا قادم حالا ، كيف حاله الآن ؟ وكيف عقره هذا الذئب وأين إلتقي به ؟ ( وخرج الأب مصدوما وعلي عجلة من أمره ليستقل سيارة تذهب به إلي ساحة السيارات الأجرة ليغادر إلي بلدته ومازال ممسكا بهاتفه ) الأم : القصة طويلة سنقصها عليك عندما تأت بخير ، وأهم شئ والحمد لله أن ( أولاد الحلال ) قاموا بنقله سريعا إلي المشفي وحقن بالمصل قبل أن يتسمم جسده ونفقده لاقدر الله . الأب : الحمد لله والشكر لله ، الله أعلم بحالنا وبحاجتنا وحبنا إليه . الأم : الحمد لله فقد لطف الله بنا ، فإبنك ولد طيب مثلك ، والله يحبه وقد كتب له عمر جديد . الأب : الحمد لله . الأم : هل ستترك العمل وتأت إلينا ؟ الأب : لم أذهب إلي العمل اليوم ، فقد كثر العمال وقلت فرص العمل ، وأصبح من الصعب الحصول علي فرصة عمل ولو ليوم واحد في تلك العاصمة الجافية ، فهي ( قاهرة ولا تقهر سوي البسطاء أمثالنا ) . الأم : إن شاء الله فرجه قريب . الأب : إن شاء الله ، ما عدت أكترث لشئ الآن إلا الإطمئنان علي ( فلذة قلبي ) ، ، ، حبيبتي ، إللي اللقاء الآن ؟ وسأعاود الإتصال والإطمئنان عليكم لاحقا لأني قد آتيت ساحة السيارات الأجرة .. وصل الأب لمبتغاه ، وبدأ البحث عن ( السيارة الأجرة ) التي ستستقله إلي بلدته بمحافظة ( أسيوط ) بجنوب مصر . ومن حسن حظه وجدها وينقصها راكب واحد فقط ، فركب وإكتملت ، وقرأوا الفاتحة جميعا ، ثم بدأت بشق الريح إلي الجنوب القاسي .. شرد الأب بذهنه بعيدا ، بدت عليه علامات الحزن والندم ، بدأ يغمغم بكلمات مبهمة ، بدأ يأنب نفسه وقد علا صوته حتي صار مسموعا لمن جواره بالمقعد ، بدأت الكلمات تنساب من فاه بلا رقيب وبلا خوف وبكل مرارة : يارب ( إنا لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ) ، الحمد لله أنه علي قيد الحياة ، ولكنه خطأي من البداية ، نعم خطأي ، لأني تركت ( القاهرة ) وإنتقلت بعائلتي إلي تلك المدينة الصغيرة التي تجاور ( الجبال ) الشاهقة بالجنوب البعيد ، فبالطبع من الصعب علي عائلتي التأقلم بسهولة علي تلك الحياة الجنوبية القاسية . ( سبعة عشرة عاما ) منذ تزوجت ونحن نعيش بالقاهرة وفجأة ننتقل إلي الجنوب ونستأجر شقة بمبلغ زهيد بالقرب من عائلة أبي ، يا الله ! وبعدما كنت أستيقظ مبكرا علي أصوات مشاجراتهم معا والتي بت أفتقدها الآن ، أصبحت لا أعرف للنوم طريقا ، وفراقهم لي أنبت بجسدي آلاما وزادني شوقا لهم . ولكن لم يكن أمامي خيار سوي ماحدث ، فقد نضبت فرص العمل ، وقل دخلي معها ، فبعدما كنت موظفا وطردت من وظيفتي ، أصبحت عاملا لا أكثر ، وإزدادت إحتياجاتنا ، وتضخمت مصاريف البيت والأولاد ، و (الدروس الخصوصية ) إلتهمت نصف الدخل ! والإيجار الآخر ، وإرتفاع فواتير الكهرباء والمياه والغاز .. ! لم يقوي ( جيبي ) علي المواجهة أكثر من ذلك . وعندما تحدثت إلي أحد الأصدقاء بالجنوب إكتشفت أن الحياة هناك بسيطة وغير مكلفة ، ولا توجد عندهم ( دروس خصوصية ) فالمدرسين هناك مازالوا يشرحون الدروس بالمدرسة . فكانت ( الفكرة الصائبة ) وعرضت الأمر علي زوجتي وأولادي وقد رحبوا بالفكرة ، فجميعنا في مركب واحدة . وزوجتي أيضا لها أقاربها بالجنوب . وبعد إنتقالنا إلي الجنوب أصبح لدينا مانوفره من أموال زيادة عن حاجياتنا الأساسية والحمد لله . ولكن أنا من إبتليت بالوحدة ، وأصبحت لا آراهم ولا أتونس بهم إلا ( خمسة أيام ) في مطلع كل شهر ، والحمد لله علي كل حال .. أفاق الأب من شروده ، وعاد إلي جسده . نظر من خلف زجاج النافذة بعينان بائستان ، فوجدها صحراء قاحلة تمتد بجانبي الطريق ، ثم إلتفت إلي ساعته متسائلا : لماذا توقفت العقارب ؟ فجأة ، سمع صوتا بجانبه يقول : تبقت ساعة واحدة ونصل إن شاء الله . رفع الأب بصره إلي مصدر الصوت بالمقعد القريب وهو الرجل الذي سمع ما كان يأنب به نفسه ، ورد عليه : حقا ، الحمد لله ياأخي أشكرك .. (وبعد مرور سبع ساعات بالسيارة ) وصل الأب المدينة ، وجد الهرج والمرج يسود شوارعها ، وجد قوات الشرطة مدججة بالسلاح ومنتشرة في كل مكان ، فزاد قلقه وخوفه وبدأ يركض بإتجاه بيته ، وكان الجيران يستوقفونه ليسلمون عليه فيأبي التوقف حتي وصل البيت .. وبعد أن سلم علي أهله وإطمأن علي إبنه جلسوا جميعا . الأب : الإصابة في كتفك يابني ، كيف حدث هذا ؟ الأم : إبنك حاول إنقاذ سيدة من الذئب فإنقض الذئب عليه وعقره في كتفه ! الأب : تريثي أنت ؟ لتسرد لنا ماحدث لك يابني ؟ فأنت بالطبع أدري من إمك ، تحدث يابطل الجنوب ؟ الإبن : لقد خرجت مبكرا لأحضر دواءا لأخي الصغير من الصيدلية التي بنهاية شارعنا ، دخلتها فوجدت ( سيدة ) تشتري بعض الأدوية ، فإنتظرت حتي تنتهي ويحن دوري ، فلا يوجد بالصيدلية إلا طبيب صيدلي واحد فقط . أخذت السيدة أدويتها وهمت بالخروج ، ولكن فجأة ، دخل الصيدلية وبسرعة البرق حيوان يشبه الكلب له أنياب طويلة ، وهيأته مخيفة ، وإنقض علي أرجل السيدة ، وإلتقم قصبة إحدي رجليها وغرز نابيه ، وبدأ بسحب السيدة إلي الخارج ، فبدأت تعلوا صرخاتها ، وتشبست بالطاولة أمامها . إصيب الطبيب الصيدلي بالذهول وجحظت عيناه ، ووقف محله يشاهد في صمت . لم يعجبني ما يحدث فسارعت بركل هذا ( الحيوان الشرس ) بقدمي وبكل قوتي حتي يبتعد عن السيدة ، وبالفعل إنفك عن السيدة وإرتمي بعيدا من شدة الضربة . فإعتقدت أن بهذا قد حسمت المواجهة وسيهرب بعيدا . ولكن فجأة ، إستعاد قواه ، وقفز تجاهي بكل مرونة وشراسة ، وعقرني في كتفي ، ثم لاز بالفرار . تجمع الناس بالخارج عندما سمعوا صراخ السيدة ، فخرج أمامهم ، فحاول الناس قتله ولكن لم يفلحوا ، فكلما إقترب منه أحد قفز عليه وعقره ثم لاذ بالفرار . وعمت الفوضي المدينة ، حتي إجتمع الكثير من الناس بعصيهم ، وقاموا بقتله بصعوبة . وقال الطبيب البيطري : أنه حيوان مهجن من قطبين الأول ذئب والثاني كلب ويسمي " الكلب المستذأب " أو " الكلب الذئب" وبعض الأحيان وفي بعض المناطق في مصر يطلق عليه " السلعوة " وينتج من تزاوج الكلاب والذئاب فالكلاب والذئاب تتمتع بحرية كبيرة فى التزاوج بين بعضها البعض وترجع هذه الظاهرة الى التشابه الكبير بين النوعين فى صفاتها، وما يميز الهجين بقدرته على أن يسلك سلوك الذئب ويكتسب صفات كثيرة منه أحيانا ، وأحيانا أخرى يتبع سلوك الكلب ويتأثر بصفاته، وذلك النوع تكون إما بالإرادة الإلهية وحدها أو كان ليد الانسان سبب فى وجودها ، وما بدر منه كانت مداعبة فقط ، ومن حسن الحظ أنه لم يقتل أحدهم ، هذا كل مافي الأمر .. الأم : لماذا أنقذت السيدة وآذيت نفسك ؟ الإبن : يا أمي ماذا لو كنت أنت مكان تلك السيدة وهجم عليك الذئب ! ألاتجدين من يخلصك ؟ الأب : أحسنت صنعا يا ولدي ، بارك الله فيك . الأم : بارك الله فيك حبيبي ، أنا لا أقصد ولكن قلبي موجوع عليك وعلي ألمك .. فجأة ، سمع إطلاق النار ، ودب الصراخ والذعر بالخارج ! أسرع الأب وفتح الباب ليعرف ماذا يحدث بالخارج : فنهره أحد أفراد الشرطة قائلا : إغلق هذا الباب ؟ الأب : لماذا ؟ الشرطي : الذئب قبل أن يمت عقر كلابا كثيرة بالمدينة ، والكلاب سعرت وإنقلبت علي أهل المدينة بالشوارع وأصبحت تعقر كل من تجده أمامها ...