أشرت في مقال سابق بعنوان "ثقافة الاعتماد على الغير"، إلى عيب خطير استشرى في المجتمع المصري، وتحديدًا من قِبل المسئولين في الدولة منذ عهد النظام السابق، ألا وهو مشكلة إدارة الأزمة، وذكرت أنَّنا قد تعودنا على ثقافة حل الأزمة بعد حدوثها – هذا إذا استطعنا حلَّها – دون أن نأخذ احتياطاتنا الكاملة قبل حدوثها لكى نمنع الكارثة، وهى ثقافة فقدناها منذ زمن بعيد ولازلنا نفقدها للأسف، فما حدث اليوم في الإسكندرية، المثال الأكبر على هذه المشكلة. انهمرت الأمطار بغزارة على المدينة الساحلية من الأمس حتى اليوم صباحًا، ولم يتوقف المطر تقريبًا، وتسبب هطول الأمطار في حدوث كوارث – كالعادة – في الطرق والكباري، والمنازل، ووصل الأمر للأرواح أيضًا، وياليتها كانت خسارة مادية فقط، تم قطع الطرق بسبب المياه التي تحولت إلى برك ومستنقعات، بل ووصلت في كثيرٍ من الأماكن إلى بحيرات، غرقت معها السيارات، وتعطلت مصالح الناس، وكل هذا لماذا؟ السبب واضح ومعروف جدًا للجميع؛ لأنَّ الإسكندرية لديها مشكلتين لا ثالث لهما، القمامة، والصرف الصحي، والمشكلتان لا حل لهما، رغم أنَّ حلهما بسيط فهى ليست حسبة برمة، القمامة تزداد في الصيف؛ لتزايد أعداد المصيفين؟! فلماذا لا تأخذ حِذرك قبل دخول الصيف؟!! مشكلة انسداد الشوارع بالمياه عند هطول المطر؟ حالة الطقس؟!! لا تقل لي أنك لم تكن تعلم بنزول المطر سيدي المسئول؟ ولا تقل لي أن كمية المطر كانت المشكلة التي تسببت في هذه الكارثة التي استيقظ عليها أهل الإسكندرية اليوم، لأنه وببساطة أى كمية مطر تتسبب بمشكلة كبيرة في شوارع الإسكندرية من أمد بعيد، لماذا لم تؤدي واجبك المنوط بك القيام به، وتقم باتخاذ الإجراءات الضرورية للحؤول دون حدوث ما يحدث في كل مرة ينزل فيها المطر، هل يجب علينا أن نمنع المطر عن النزول على أرض الإسكندرية، لكى تستكينوا أكثر في مناصبكم، وتنعموا بهدوء البال؟ فما حدث اليوم قد أزعجكم كثيرًا أيها السادة المسئولون، ونحن نأسف لكم، فلولاك يا مطر ما كان سيتم إزعاجكم بهذا الشكل. ومما زاد الطين بلة، أن السيد المحافظ – محافظ الإسكندرية – لم يكن يستطع وحده اتخاذ القرارت – بعد حدوث الكارثة – فأعطى رئيس الجمهورية أوامره لرئيس وزرائه بأن يذهب بنفسه إلى الإسكندرية، ليتفقد الحال على أرض الواقع، ويتخذ ما يلزم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه!!! .. اللهم لا اعتراض فلا أدري ما أقول في مثل هذه المواقف "الغريبة"، فكيف لمسئول عن محافظة بأكملها، أنْ لا يقدر على اتخاذ قراره بمفرده لمعالجة أزمة، هو من تسبب فيها من الأساس عندما انصبَّ اهتمامه على كماليات لا علاقة لها بجوهر أزمة المحافظة، وترك ماهو مهم ويجب عليه علاجه وفورًا دون تراخي. نحن لسنا في ازمة مع مسئول بقدر ازمتنا مع الضمير، فالضمير وحده هو القادر على تحقيق أى انجاز في أى وقت ومكان، ولنا في المسئولون في أوروبا والدول المتقدمة العظة والعبرة، فهم لديهم شتاء أيضًا وبنفس غزارة شتاءنا، ورغم ذلك لا يمكن أن نرى ما نراه في مدينتنا التي أصبحت بعد ما حدث، مدينة الغرق، وعروس البرك والمستنقعات، لا مدينة الجمال وعروس البحر المتوسط، الإسكندرية تُعاني؟ نعم، لكن معاناتنا الأكبر مع أنفسنا، وسأقولها ثانيةً "إنَّ الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، متى سيأتي هذا التغيير؟!!!، سأستعين بالمثل الشعبي "يدينا ويديكم طولة العمر" للرد على هذا التساؤل، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون