صفارات الإنذار تدوي في عدة مناطق بالجليل الأعلى شمال إسرائيل    موعد مباراة ضمك والفيحاء في الدوري السعودي    عاجل - حالة الطقس اليوم.. الأرصاد تعلن تفاصيل درجات الحرارة في محافظة أسيوط والصغرى تصل ل22 درجة    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    استشهاد 4 فلسطينين وإصابة آخرين في هجوم على مخيم للنازحين بغزة    بسبب زيادة حوادث الطرق.. الأبرياء يدفعون ثمن جرائم جنون السرعة    كندا تفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين بسبب انتهاكات    سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الجمعة 17 مايو 2024    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    وقوع زلازل عنيفة بدءا من اليوم: تستمر حتى 23 مايو    الاستخبارات العسكرية الروسية: الناتو قدم لأوكرانيا 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    كيفية معالجة الشجار بين الاطفال بحكمة    أضرار السكريات،على الأطفال    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    الوادى الجديد: استمرار رفع درجة الاستعداد جراء عواصف ترابية شديدة    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جند النيل لم يكن يوما غازيا أو معتديا على أرض غيره ( 2 )
نشر في شباب مصر يوم 18 - 10 - 2015

ما زال الحديث موصول حول موضوع جند النيل لم يكن غازيا أو معتديا علي أرض الغير ونقول بعون الله الآتي :-
( 2 ) جيش الدولة القديمة
بدأت بواكير الجيش المصري النظامى تظهر فى أثناء حكم الأسرة الخامسة، ثم أصبح الأمر أكثر وضوحا منذ الأسرة السادسة، وخصوصا فى عهد أشهر ملوكها «بيبي الأول»، ففى عهده قام البدو القاطنون على الحدود الشرقية بإحدى غاراتهم على الدلتا، ولما كانوا أكثر من أن تستطيع فرق المقاطعات الواقعة على الحدود مواجهتهم فقد قرر الملك «بيبى الأول «استدعاء جميع الفرق العسكرية لتعمل تحت إمرة أحد كبار رجال عهده هو «وني»، وقد روى لنا هذا القائد أخبار هذه الحملة من خلال سيرته الذاتية على جدران مقبرته بمعبد «أبيدوس» مركز البلينا محافظة سوهاج .
وهكذا خاض الجيش المصري أول معركة حقيقية فى هذه الفترة المبكرة من تاريخ مصر القديم وكتب له فيها النصر على سكان فلسطين، وبدا واضحا بعد ذلك أن مصر أصبحت فى حاجة إلى جيش قوى يحمى أرضها ويحقق لها الأمان والاستقرار، ولقد كان الملك «سنوسرت الثالث» أحد أشهر العسكريين فى تاريخ مصر القديمة عندما توجه على رأس جيشه أكثر من مرة للحرب جنوبا.
مطاردة الهكسوس
فى عصر الانتقال الثانى الذى تلا سقوط الدولة الوسطى، والذى صادف غزو الهكسوس لمصر، والذين أذاقوا أهلها مرارة الاحتلال، وحد المصريون صفوفهم وتسلحوا بأقوى العتاد، وتحمل عبء هذا النضال ثلاثة من حكام طيبة «الأقصر حاليا» هم «سقنن رع»، وابناه «كامس وأحمس»، وأتى الأول فى المعركة وهو يقود جيشه دفاعا عن شرف مصر، وحمل الراية من بعده ابنه «كامس» الذى ورد فى أحد النصوص المصرية القديمة على لسانه مخاطبا شعبه: «سأقاتل الهكسوس حتى يقسم كل مصرى باسمي، إننى أريد أن يتحدث كل منهم عني، قائلا : ها هو «كامس» محرر مصر»، وبالفعل حقق «كامس» نصرا مؤزرا على جيش الهكسوس بالقرب من الأشمونين .
وعلى شجاعته وإقدامه فقد سقط «كامس «فى إحدى المعارك ليحمل الراية من بعده شقيقه» أحمس» الذى واجه الهكسوس حيثما وجدوا، وتبقى أعظم انتصاراته التى خلدها التاريخ هى تلك التى نجح فيها بجيشه البرى وبأسطوله البحرى فى غزو عاصمة الهكسوس «أواريس» المعروفة حاليا ب«تل الضبعة» مركز فاقوس محافظة الشرقية، حين اجتاح الجيش المصرى المدينة واضطر الهكسوس إلى الانسحاب ، ثم تحصنو في حصن «شاروهين» في جنوب غزة، وظل الجيش المصرى يحاصرهم ثلاث سنوات، حتى سقط الحصن وقضى الجيش نهائيا على الهكسوس، ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة، ليكتب الخلود للملك «أحمس» إلى الأبد.
وعلى عهدة المؤرخين، فقد خرجت مصر من حرب الهكسوس بمجموعة من الدروس المستفادة
إنه لا إمكانية لتحقيق أمن البلاد وازدهارها إلا بتكوين جيش قوى يصون لها كرامتها ويشعر جيرانها بقوته.
أن الحكام والقادة العسكريين أدركوا أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع ، وبنوا سياستهم على أساس تأمين الحدود.
استوعب المصريون سلاح الهكسوس وهو العجلة الحربية، وكيفية تصنيعها فى مصر وبهذا السلاح نفسه انطلقت الجيوش المصرية لتكوين واحدة من أضخم إمبراطوريات العالم القديم .
وتلك الدروس، كما يشير الدكتور أحمد قدرى فى كتابه « المؤسسة العسكرية المصرية فى عصر الامبراطورية 1570 -1087 ق م « جعلت الجيش يلعب دورا رئيسيا فى حكم مصر بعد طرد الهكسوس، فلقد اكتسب المصريون موعظة بعد أول احتلال لبلادهم، فبدأوا فى تكوين جيش عامل كبير ومنظم، وبهذا الجيش العظيم تكونت إمبراطورية ضخمة من أوائل الامبراطوريات التى عرفها التاريخ، ضمت إلى مصر أرض السودان وفلسطين وسوريا وبعض بلاد النهرين، أى امتدت على حد تعبير المصريين القدماء «من قرن الرض حتى أطراف المياه المعكوسة « أى من وراء الجندل الرابع فى السودان إلى منعرج نهر الفرات فى أطراف سوريا الشمالية الشرقية.
ازدهار صناعة السلاح
ترجع البداية الحقيقية لتطور وازدهار صناعة السلاح فى مصر إلى ما بعد أن هزم الملك رمسيس الثانى الحيثيين فى معركة «قادش «والذى واكب عصر الامبراطورية، وأصبحت «طيبة» عاصمة مصر والامبراطورية، حيث انطلقت الجيوش وأقيمت الحاميات والمعسكرات للجند فى شرق البلاد وغربها وجنوبها، وازداد الجندى المصرى خبرة ومهارة، وهكذا بدأت مصر أعظم فترة عسكرية فى تاريخها، وأصبح لمصر جيش واحد، حتى صار هذا العصر ذا طابع عسكري، وآية ذلك أن جدران المعابد وغيرها تزخر بأخبار الانتصارات والفتوحات هنا وهناك، كما كان ملوك مصر يقدمون الأوسمة والنياشين للقادة العسكريين ، فنجد الملك «أحمس الأول» يمنح القائد «أحمس بن أبانا» نوط «ذهب الشجاعة» خمس دفعات تقديرا لبسالته فى المعارك، ووضعت الخطط للجيوش فى معاركها حسب نوعية العدو وعدد أفراد جيشه وطبيعة الأرض وموقع المعركة.
كما بدأ الجيش يتكون من مقدمة وقلب وميمنة وميسرة، بالإضافة إلى العناصر المساعدة في المقدمة وفي المؤخرة واتبع الجيش المصرى الكثير من الخطط العسكرية التى كان من بينها «الحرب المفاجئة» ثم هناك «التراجع التكتيكي» لإعادة تنظيم الصفوف و»التمويه والخداع» و»فرق الاستطلاع الحربي»، وكلها مصطلحات عسكرية معروفة ضمن أبجديات عمل الجيش حتى وقتنا الحالي، ولعل من أشهر المعارك التى خلدت هذا الجيش هى معركة «مجدو» التى جرت أحداثها فى عهد الملك «تحتمس الثالث»، وليس هناك شك أن أعمال «تحتمس الثالث» العسكرية فى هذه المعركة تعد مفخرة يعتز بها التاريخ الحربى فى العالم القديم ، فهو أول من نظم الجيوش وقسمها إلى قلب وجناحين ،وأول من درس ساحة القتال قبل أن يخوض المعركة، وأول من نفذ «الحرب الخاطفة المفاجئة»، وبفضل براعة «تحتمس الثالث» بدأ المصريون مبكرا فى تطبيق الأفكار الحربية الاستراتيجية، وقد لعبت «المناورات» الاستراتيجية التى تجريها الفرق والجيوش المصرية دورا حاسما فى كسب المعارك فى ميادين القتال، وذلك بفضل التدريب المستمر والمناورات العملية التى كان يشترك فيها «المشاة» متعاونين مع راكبى الخيول من الفرسان، وراكبى المركبات الحربية من الرماة، مع التدريب على جميع الحركات التكتيكية بين هذه الوحدات وبعضها، بشكل يجعلها قادرة على إحراز النصر بصفة مؤكدة فى أية معركة تدخلها مع العدو، مهما كان شكلها.
وجاء من بعده «أمنحتب الثاني» الذى كان هو الآخر محاربا من طراز رفيع، فاتخذ من والده «تحتمس الثالث «القدوة والمثل، ومن ثم فقد حقق لمصر كثيرا من الانتصارات، كما تحمل إلينا الأسرة التاسعة عشرة أسماء لامعة فى مجال العسكرية المصرية وعلى رأسهم الملك «سيتى الأول»، الذى تربى فى رحاب العسكرية المصرية، ونال من الخبرة ما أهله لكى يصبح قائدا من الطراز الأول، وبتوليه العرش وضع نصب عينيه تقوية دعائم الامبراطورية المصرية التى كانت قد تعرضت لبعض الهزات فى النصف الثانى من عصر الأسرة الثامنة عشرة، غير أن نجاح «سيتى الأول» فى كسر شوكة «مملكة خيتا» فى آسيا الصغري، من خلال المعارك التى خاضها ضدها بالقرب من» قادش «وخلفه على العرش ابنه «رمسيس الثاني «أحد أعظم ملوك العالم القديم، وصاحب العلامات البارزة للعسكرية المصرية، وصاحب أكبر المنشات عددا على أرض مصر. فقد نجح فى مواجهة أطماع ملك الحيثيين فى معركة «قادش» التى تعد بمثابة بوابة سوريا الشمالية، وكانت المعركة سجالا بين جيشين قويين، سجلت أخبارها علي جدران معابد «الكرنك والأقصر والرامسيوم وأبو سمبل» ، ولقد ذكر رمسيس فى سجلات هذه المعركة أن ملك الحيثيين قد طلب العفو حتى لا يفنى ما تبقى من رعاياه .
سيف الطبيب «سنوحي»
وهنا قصة تستحق أن تحكى فى ضرب المثل على تفاعل أبناء الشعب المصرى مع جيشه فى وقت الأزمات، فحتى ولو كان المصرى غريبا عن أرضه لا تتقطع أوصاله أبدا عن هذا التراب المقدس، والقصة تحكى أن الملك أمنمحات الأول» قد كبر فى السن، وبدأ الصراع الخفى بين اثنين من أبنائه على وراثة الحكم، كما يحكيها «سنوحى» الذى نشأ فى قرية «أتيت أواى» التى كانت عاصمة لمصر فى هذا الوقت، وكان أبوه طبيبا من أثرياء هذه المنطقة فى عصر الملك أمنمحات الأول» كما فى مذكراته: إنه سمع ذات ليلة أثناء سيره فى الطريق حديثاً خافتاً بين رجلين، واستشعر أنهما يدبران شيئاً خطيراً، فاقترب وسمع حديثهما، وعرف أن أحدهما هو سنوسرت الأول»، أحد أبناء الملك «أمنمحات»، وكانا يرتبان خطة قتل الملك.
أعتقد سنوحى أن أحد الرجلين قد لاحظ وجوده وسماعه لحديثهما، ففر مسرعاً وهو فى حيرة بين أمرين: أن يبلغ الملك لينقذه، أو أن يهرب بما عرفه من سر خطير ليحافظ على حياته، وفى النهاية قرر الفرار بعد أن حمل معه بعض أدواته الطبية التى كان يستعملها وهو يعمل مع أبيه الطبيب، وهرب سنوحى إلى بلاد «تنو العليا» وسط بلاد الشام، و التى كان «موتلي» ملكها، وعمل طبيباً للفقراء فى بادئ الأمر حتى ذاع صيته بكنية «سنوحى المصرى»، فطلبه الملك «موتلي» حين مرض يوماً، وتمكن سنوحى من علاجه فأحبه وجعله طبيبه الخاص المقرب منه، ومستشاره لاحقاً.
كانت علاقة «موتلي» بملك مصر سيئة للغاية، وكان يعد جيشه لهجوم كبير ضد مصر، وتمكن من تجهيز الجيش بسيوف معدنية، وكانت السيوف آنذاك تصنع من الخشب، وحيث اعتبروا هذا السيف المعدنى تطوراً وتقدماً نوعياً سيضمن لهم النصر على الجيش المصرى الذى يمتلك أسلحة تقليدية خشبية، تمكن سنوحى من الحصول على واحد من هذه السيوف، وأرسل رسالة إلى ملك مصر يطلب منه فيها الأمان ليعود لمصر ويقابله لأمر مهم، وأمنه الملك المصرى على حياته فعاد سنوحى إلى مصر ومعه السلاح الجديد، أمر الملك «سنوسرت الأول» بتسليح الجيش المصرى بنفس السلاح، وتأتى الحرب، ويتمكن الجيش المصرى من صد الغارة وملاحقة جيش العدو لخارج الحدود المصرية.
جيش مصر الإسلامية
فى كتابه « الجيش المصرى فى العصر الإسلامى من الفتح العربى إلى معركة المنصورة ، من عين جالوت إلى رشيد» يسرد لنا «الدكتور عبدالرحمن زكي» ملامح انتصارات وانكسارات عديدة، منذ الفتح العربى إلى معركة «المنصورة - م1250» والتى حكم مصر فيها ولاة وفدوا من المدينة أو دمشق، أو بغداد ، ثم من بعدهم الطولونيون والفاطميون وأسرة الأيوبيين التى أسسها صلاح الدين الأيوبي، وكلها مراحل تاريخية تشهد على براعة الجيش بعناصره وأسلحته ومعاركه التى خاضها ضد المعتدين على مصر.
وهنالك سير تروى عن كفاءة الجندى المصرى فى صد البيزنطيين»الروم» أعداء الدولة العربية عامة، والصليبيين الذين احتلوا القدس وساحل فلسطين، وفى عهد الفاطميين كانت مصر دولة كبرى تتزعم المنطقة بنفوذها البرى والبحري، كما تنافس بغداد فى الشرق، وقرطبة فى الغرب، بفضل نظم الجيش وأسلحته ومعاركه الظافرة على أيام السلطان صلاح الدين ، ومنها معركة حطين الحاسمة ، وتحرير القدس بعد إنزال الهزيمة الساحقة بالصليبيين.
وجدير بالملاحظة أن سياسة مصر العسكرية منذ القدم وهى سياستها التقليدية حتى يومنا هذا كانت سياسة دفاعية وليست هجومية ، وينبغى القول هنا بأن مصر وسورية كانتا فى معظم العصور الإسلامية تؤلفان وحدة سياسية، باستثناء بعض الفترات القصيرة، وهو ما يؤكد ضرورة التأكيد على هذا المصير المشترك فى الظرف الحالي.
معارك الشرف والفداء
كثيرة هى المعارك التى برهن المقاتل المصرى على الشرف والفداء ضمن جيوش المسلمين، وربما شكلت «معركة حطين» نقطة التحول الأولى والبارزة فى تاريخ الحروب للناصر صلاح الدين الإثيوبى، وكانت معركة فاصلة بين الجيوش الإسلامية وجيوش الصليبيين، وهو ما يؤكد أن العسكرية المصرية كانت تقف بكل أصالتها خلف هذا النصر. وقعت معركة «حطين» عام 1178، وكانت القوات الصليبية تحتل جزءا من المناطق الساحلية بفلسطين، وكانت تحصيناتهم تعتمد على الصراع القوى فى الدفاع والهجوم، وقد حشد الصليبيون عشية «حطين» جيشا يتألف من 50- 70 ألفا من الفرسان والمشاة، وبعد أن عقد الناصر صلاح الدين اجتماعا حربيا مع كبار قادته، حضره أخوه الملك العادل، استقر الرأى على الدخول فورا فى معركة فاصلة ضد قوات الصليبيين، ونبذ أسلوب الدفاع حتى لا تتزعزع ثقة الجند، وعرض صلاح الدين خطة الهجوم وقاد بنفسه جيوش المسلمين يوم الجمعة 25 ربيع أول ه الموافق 3 يوليو 1178 م فى اتجاه «طبرية» وفى فجر السبت 4 يوليو 1178 التحم مع فرسان «جي» ملك الصليبيين، وتقدم وحطم محاولات الصليبيين ونجح فى عزل مؤخرتهم عن بقية الجيش، وبعد معارك طاحنة بين الجيش الاسلامى ضد الصليبيين أصيبت قوات الملك «جي» بخسائر فادحة انسحب على أثرها من جميع المواقع، وتم النصر المؤزر على الصليبيين فى معركة حطين الخالدة .
وتأتى «معركة المنصورة» كثانى الحروب التى تعبر عن تضامن الجيش المصرى مع الشعب فى الدفاع عن دمياط، فبعد هزيمة الصليبيين فى «حطين» جاءوا مدعومين بالفرسان والمدافع والآلات ليهاجموا مصر ويستوطنوا فيها، إلا أن قوى الشعب وقفت بالمرصاد ولقنوا هذه الحملة درساً فى مدينتى المنصورة ودمياط، ليتم القضاء نهائياً على تلك الحملات ، وعاد من تبقى منها عقب القضاء عليها إلى بلادهم. وقد انكسرت القوة الضاربة للجيوش الصليبية بعد معركة المنصورة فى فبراير 1250 م.
وهكذا كسرت مصر الروح الصليبية التى سادت القرن الثالث عشر الميلادى ، ذلك أن المملكة الصليبية فى الشام وبيت المقدس ما لبثت بعد فترة وجيزة من تلك المعركة الفاصلة أن تقلص ظلها ثم زالت، فلم يكد يمر واحد وأربعون عاما على انتهاء معركة المنصورة الخالدة حتى قام سلطان مصر باحتلال عكا فى 18 مايو 1291 م، وبذلك قضت مصر على البقية الباقية من الوجود الاستعمارى فى بيت المقدس .
الشاهد من التاريخ جيش مصر أظهر شجاعة نادرة فى الانتصار فى معركة «عين جالوت»، كان «جنكيزخان» قائد المغول قد بسط سلطانه على المحيط الهادى شرقا وحتى قلب أوروبا وعواصم الشام غربا، ومن بعده «مكوفان» حفيده الذى تولى عرش التتار واستدعى أخاه «هولاكو» ليقود الجيوش وأصدر تعليماته ليتقدم إلى ويجتاح إيران مروراً بالعراق، وفى تلك اللحظات التاريخية التى لم يهزم فيها التتار توجهوا للأمة الاسلامية فى الجزيرة والعراق وبلاد الشام ومصر ومملكة الصليبيين فى فلسطين.
وبعد سقوط بغداد فى يد التتار قاموا بالزحف الى سوريا، لتسقط «نصيبين وحمص وحراه والرها والبيرة وحلب»، توجه الجيش التتارى بعدها لغزة واستولوا عليها دون مقاومة، وهكذا أصبح الجيش التترى على بوابة مصر الشرقية، وبعد تولى السلطان «قطز» عرش مصر جاءته رسالة «هولاكو» بتسليم البلاد دون مقاومة ، ولكنه رفض بإباء وشمم، وبذل قصارى جهده من أجل جمع كلمة المسلمين للقضاء عليهم، فعمل على إعداد الجيش واستكمل عدده وعتاده وانتصر فى معركة «عين جالوت» فى 25 رمضان سنة 658 ه.
وعلى عهدة الدكتور عبد الرحمن زكي، فإن سير معركة عين جالوت أظهر الجندى المصرى كفاءة خاصة على مستوى القتال والتكتيك العسكري، فعندما التقى الفريقان فى المكان المعروف باسم «عين جالوت» فى فلسطين فى 25 رمضان 658 ه الموافق 3 سبتمبر 1260 م ، حين قام «سيف الدين قطز» بتقسيم جيشه لمقدمة بقيادة «بيبرس» وبقية الجيش يختبئ بين التلال وفى الوديان المجاورة كقوات دعم أو لتنفيذ هجوم مضاد أو معاكس، وبأسلوب الخداع الاستراتيجى قامت مقدمة الجيش بقيادة «بيبرس» بهجوم سريع ثم انسحبت متظاهرة بانهزام مزيف هدفه سحب خيالة المغول إلى الكمين، فى حين كان «قطز» قد حشد جيشه استعدادا لهجوم مضاد كاسح، ومعه قوات الخيالة الفرسان الكامنين فوق الوادي.
وانطلت الحيلة على «كتبغا» فحمل بكل قواه على مقدمة جيش المسلمين واخترقه وبدأت المقدمة فى التراجع إلى داخل الكمين، وفى تلك الأثناء خرج «قطز» وبقية مشاة وفرسان الجيش وعملوا على تطويق ومحاصرة قوات «كتبغا»، حيث كانت جيوش المسلمين تنزل من فوق تلال الجليل، والمغول يصعدون إليهم، ثم هجم «كتبغا» بعنف شديد إلى درجة أن مقدمة جيش المسلمين أزيحت جانبا، فاستبسل «كتبغا» فى القتال، فاندحر جناح ميسرة عسكر المسلمين وإن ثبت الصدر والميمنة، وعندئذ ألقى السلطان «قطز» خوذته عن رأسه إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته «وإسلاماه»، وحمل بنفسه وبمن معه حتى استطاعوا أن يشقوا طريقهم داخل الجيوش المغولية، مما أصابها بالاضطراب والتفكك، ولم يمض كثيرا من الوقت حتى هزم الجيش المغولى ونصح بعض القادة «كتبغا» بالفرار فأبى الهوان والذل وقتل بعض أصحابه، وجرت بينه وبين رجل يدعى العرينان مبارزة حيث لم يمض وقت طويل عليها حتى سقط كتبغا صريعا مجندلا على الأرض وكان انتصاراً كبيراً للجيش المصرى.
وللحديث بقية....
-------------
ملف - أعدها محمد حبوشة
كاتب وباحث وصحفي بجريدة الآهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.