«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانسان و الحرب
نشر في شباب مصر يوم 12 - 10 - 2015


المكان مدينة عربية... الوقت صباحا
ربوة عالية لفها دخان كثيف ضارب في عنان السماء... بين أشجار الكلتوس والصنوبر و السرو و الذرو و العليق...و الكروم و التين و البرتقال... و التوت وأشجار مثمرة أخرى تجثم مدينة لفعتها و ما حولها من بلدات وقرى... سحب الدخان المتصاعد من جميع الاتجاهات وغيوم دهماء اكتسحت السماء...فدثرتها بديثار رمادي و أزرتها ايزارا قاتم اللون يوحي بالكآبة و يبث في النفس الحزن ... الطريق المؤدية إليها جد صعبة و شاقة الأنفاس من جراء الانحدارات و المرتفعات وتكدس أغصان الأشجار التي كسرتها الرياح العاتية... و تراكم الوحل و الاتربة التي جرفتها مياه الأمطار الغزيرة على عرض الطريق...ورائحة دخان الأشجار المحترقة تغمر المكان مع بعض الأغصان المفحمة المتناثرة في كل مكان و على عرض الطريق و إلى جانبيه تخبر المشاهد بان أمرا فضيعا قد جد بالمكان...
يعانق الطريق و يلاصقه شارع جد رديئ... موحل ومبتل امتلأت حفره بالماء حتى صارت كالبرك الصغيرة.....يشق المدينة الكئيبة ...حتى ان عابره يشك بأنه مسلكا لا بالطريق المعبد...و بقايا مياه الأمطار تجري منسابة في تكاسل وحياء يوحي بالبؤس و الأسى... بجانبي الرصيف كالجداول الصغيرة ... فبدا الطريق موحشا...مقفرا...ما عدا من بعض الكلاب السائبة و القطط الساربة تجوب الشارع بين اللحظة و الاخرى في انكسار و ذل ...ومن بعض المارة يسيرون مطأطئي الرؤوس في صمت رهيب و سكون يخيل الى الرائي ان صدورهم تكتم فاجعة كبرى او امرا ما مرعبا و مهولا، وهي تغلي كالبراكين من شدة الغضب وعدم الرضى ...وقد خيم الحزن والغم على وجوههم المصفرة المغبرة... حتى النسمات هي الاخرى تشعرك بالبؤس الشديد و الخوف و الالم... وتجعلك تحس بالجزع في صوت حفيف اوراق الاشجار المبتلة بحبات الامطار التي هطلت في الليلة البارحة...فغسلتها حتى طهرتها من غبار الدمار الذي حل بالمدينة الليلة الماضية ... اثر قصف العدو المكثف لها ...و المعارك الضارية التي دارت في شوارعها و حاراتها و ازقتها بين الجيش الحكومي و داعش ذات التركيبة العجيبة الغريبة الرهيبة من فصائل من شتى انحاء العالم و الاجناس البشرية المختلفة من شتى الاديان في ظاهرها الاسلام و في باطنها ديانات مختلفة و عنصرية و ثار و انتقام... والكتائب المتشعبة و المتفرقة و المختلفة هي الاخرى...وجيش المعارضة المتألب على دولته....فجأة تهب ريح باردة تصحبها نسمات شهر ديسمبر القارسة، اللاذعة...سرعان ما يعقبها وميض برق خاطف، يتلوه دوي قصف رعد شديد يهز الارض من تحت قدميك هزا...فيشعرك بالتماور و فقدان التوازن... بعض المارة يطلق العنان لساقيه من هول الفزع فينطلق مهرولا في سرعة قصوى وهو لا يلوي على شيئ من شدة الخوف و الهلع...ويعلو صوت نباح الكلاب من كل مكان فيزيد المكان وحشة و كربا.... و القطط هي الاخرى تنط في سرعة عجيبة وهي تموء مواء كالانين فيحدث صوت سمفونية الالم والاهات و الوجع... على ضفتي الشارع انتصب ركام البيوت المنسوفة و حطام الدور المتهدمة اثر المعارك وتبادل اطلاق النار و القصف فبدت كأطلال عروشها خاوية...شاهدة على الحادثة المرعبة و معلنة شدة المأساة التي حلت بالاهالي و السكان و بممتلكاتهم و بمدينتهم و ما جاورها ...مما اضفى عليها وحشة رهيبة...فبدت حزينة،...كئيبة كآبة تقشعر لها الاجساد و ترتجف لها القلوب لوعة و حسرة...وتبكيها العيون غما و كمدا.
في ناصية ذات الشارع جلس رجل في مقتبل العمر على ركام بيت نصفه تصدع و نصفه الثاني نسف نسفا كليا فاصبح كومة من التراب و الحديد و الحجارة و الاجر و السيراميك و الاخشاب و البلور مع بعض من قطع الاقمشة الممزقة و...و...و...تظهر قطة تتجول صعودا و نزولا وسط ركام الحطام ...بين الفينة و الاخرى تطاطئ راسها مستنشقة الركام ثم تشرئب بعنقها الى اعلى كانما هي تبحث عن شيئ ما ...تقف قليلا ثم تواصل تجوالها بين بقايا البيت ...تارة تصعد و تارة تنزل...تحين منها التفاتة ... تبصر الرجل فتنطلق نحوه جريا ...تقترب منه تموء وهي تمسح براسها ركبته في انكسار وذيلها المعقوف منتصبا وراءها...تتمطط بجانبه محاولة لفت انتباهه اليها...تمرغ راسها على ركبتيه كانما تبثه او تبوح له بمكنون صدرها وبلواعج نفسها المكلومة قائلة : "ان المصاب جلل...تمسك بالصبر فهو الحل ...كن شجاعا و تجلد" ...ترفع وجهها اليه ...تموء بصوت حزين ثم تدور حوله وتقف امامه وهي تنظر اليه في حزن و انكسار... تموء وهي تشرئب بعنقها اليه ... ثم تمسح راسها على ركبته و كانما هي تخاطبه قائلة:" لا تحزن فانا معك...اشاطرك الماساة ...لقد كان لي ست هريرات وابنك الصغير صديقا عزيزا لي و لها...له عندي مكانة خاصة دونا عن افراد العائلة...انا ابكي هريراتي و ابكيه و ابكي البيت الذي اواني و عائلتي"...تعود لموائها المتقطع الحزين ...ترفع بصرها متطلعة الى وجهه...ترمقه بنظرة مكدودة تنضح الما وحزنا دفينا و جرحا عميقا ...تموء من جديد وهي تمرغ راسها على يد الرجل التي تركها تتدلى دون وعي ... يتفطن الرجل اليها ...يمرر يده على راسها الصغير و ظهرها يتذكر ابنه الصغير الذي فارقه منذ سويعات وامه و اخيه، كيف كان يلهو مع القطة و هريراتها... تفيض الدموع من عينيه بغزارة مع شهيق...يحاول كبت دموعه و حبسها...لكنه ينهار فيلتصق بالركام... وفجاة من هول الهم الذي جثم على صدره يمرغ وجهه في ترابه لحظة ومن شدة اللوعة و الحسرة يهوى على الارض بكلتا يديه...يقبض قبضة من ترابها يدفن وجهه الباكي فيها لحين...ثم بغتة ينثرها حوله وهو يقول في اسى وبصوت مكلوم :انها الكارثة الكبرى " كل شيئ ضاع... اصبح ترابا وحجارة و بقايا ديار كانت امس المساء ديارا...صرت وحيدا ضاعت الزوجة و الابناء يا الهي يارب السماء انت القاضي في العلاء"... تحين منه التفاتة فيلمح زاوية من صورة تجمع زوجته و طفليه بادية من تحت التراب ...يجذبها بلهفة شديدة... يمعن فيها النظر وهو ينتحب ...ثم يواري وجهه خلفها باكيا بحرقة... و بكل انفعال و لوعة وحقد و غل ونقمة يرفع عقيرته متسائلا في انفعال شديد مع سخط اشد.
− انتم صانعوا السلاح جزاروا البشر... تجار الموت و الدم ليتني اقدر عليكم... ليتني اصل اليكم...ليتني استطيع تصفيدكم... ليتني اقضي على ركن السوء الذي بعقولكم...ليتني ...ليتني... ليتني" يصمت قليلا ... يخاطب نفسه" يا ويلتي اصبحت كالعجائز... آه المصاب جلل افقدني صوابي وقوتي وشجاعتي...وشل تفكيري... الصدمة كبيرة، كبيرة لا قبل لي بها لقد جعلتني اعلن عجزي..."...يعود الى الصمت و السكون... يضرب بيده على جبهته " آه الحرب نعم انها الحرب المجرمة السفاحة انها المستعملة للسلاح و هو اداة جريمتها...انها المسؤولة عما يحدث من خراب و دمار و قتل و تشريد...انها الطاغية ...انها الظالمة الغاشمة...
يخترق السكون والأجواء وميض البرق وقصف الرعد وصوت الصواعق الذي يشعرك بقيام الساعة...
الرجل:" يقفز واقفا من شدة القصف... يصرخ في انفعال شديد"
− أين انت أيتها الحروب؟...أين انت ايتها اللعينة؟...ياغراب البين... يا مفرقة الجماعات... ومخربة الديار و مقفرة العمار...أين أنت؟؟؟ افقدتني الزوجة و الولد وهدمت داري واسكنتني البراري... واوحشتي صدري...واكلمتي قلبي... فاعميت بصري...واسلت دمعي...اين انت ايتها المجرمة الخفية ...تالله لو أدركتك لمحقتك من الوجود. فارتحت واسترحت...كم انت ظالمة متجبرة..."يجهش بالبكاء وهو يرتجف من الغضب و الانفعال".
الصوت: " منبعث من مصدر مجهول"
− أتسأل عني أيها لانسان؟...أنا هنا...
الرجل:"يتتبع الصوت في ذهول...يلتفت يمنة و يسرة ملتمسا المصدر"
− من المتكلم؟...أفصح من أنت؟... وأين ؟
الصوت:"بقوة"
− أنا من تبحث عنه.
الرجل:
− أأنت الحرب؟
الصوت:"مقهقها في عنجهية و صلافة"
− نعم
الرجل:
− أنت الحرب اذا...
الصوت:"...."
" الصمت يخيم على المكان"
الرجل : "يدور حول نفسه كاللولب وراسه مرفوع الى اعلى"
− أين أنت ؟..."يصرخ بحدة " اجيبيني ما لك صمتي؟...
الصوت:"مقهقها بشدة ... "
الرجل: "في انفعال وسخط"
− ابعد الذي فعلت تقهقهين!!!
الصوت:" يدوي دويا يرجعه الصدى"
الرجل:
− هل اصابك الخرس ام فررت؟...
الصوت:
انا هنا، حولك ... امامك و خلفك...قريبة منك و بعيدة عنك... انت من يقربني الى حبل الوريد ومن يبعده عنه ...
الرجل:"يلف حول نفسه"
اتسخرين مني...ليس في نفسي فسحة للسخرية...ولا مكان لمضيعة الوقت...افصحي من انت؟...و اين؟
الصوت: "يحدث دويا وجلبة"
− انا الحرب الدوار...اوجد حيث يوجد الانسان...حيث يوجد الظلم و الطغيان...حيث يستفحل الاستضعاف والقهر و الحرمان...حيث يوجد النعيم و ينعدم الاستقرار... حيث تحكم الانانية ويصبح المال سيد القرار...حيث تنعدم الرؤية ويحل العمى...حيث تطمس البصيرة...حيث تدلهم الايام و الشهور و الاعوام...حيث يتحد الانسان و الشيطان...حيث تطغى المصلحة و الانا العليا عند الانسان....حيث ينقلب الانسان الى سياف و جزار...الى حاكم و سجان...حيث يلتقي الكبريت و العيدان...حيث يلتقي البنزين و النيران...حيث يقل السلم و ويطغى العدوان...عندما يصبح الجبروت والفجر و الفسق و الاثم و البغي في تحالف وتسابق ضد الامان و الايمان ...حيث يفيض الظلم و الاستبداد والاضطهاد فيصبح طوفانا يجرف الياسمين و الصبار...حيث تنفخ عاصفة الجبروت فتقوض عش اليمام و الغربان...و البوم و الصقر و الخفاش الكل عندها سيان...حيث يزمجر صدر الحليم ويغلي كالمرجل فيصبح البركان الثائر، الناثر للحمم في كل مكان...
الرجل" ...يصم اذنيه بسبابتيه... مقاطعا وهو يزمجر صارخا في انفعال"
− الا كفى تبريرا لنفسك ايتها الظالمة....ايتها المجرمة...
الصوت:
− لقد آلمتك الحقيقة!!!...
الرجل:
− ما طلبت منك وعظا و لا ارشادا...ولا تحليلا واستنتاجا.
الصوت:"ساخرا"
− ماذا كنت تنتظر مني؟... المجاملة!!!...
الرجل:
− لا، انما اردت معرفة مكانك فقط "يصمت"
الصوت:" بسخرية"
اذا تريد معرفة مكاني؟...
الرجل :"عابسا...ثائرا"
− بلى...وهذا... "يصمت"
الصوت:"في صخب"
لقد وظحت....فحددت لك المكان و الزمان... اظنني احسنت ارشادك...بامكانك الان ان استطعت الامساك بي...وشد خطامي...اواذا تمكنت من اللحاق بي وقدر لك الاطاحة بي..."تقهقه في هستيرية عجيبة تنم عن سخرية واستهزاء وجبروت"ولو ان هذا الامر بعيد، بعيد عنك و صعب المنال ومستحيل.
الرجل:"يستشيط غضبا"
− لماذا مستحيل القضاء عليك؟؟؟ هل انت من الاشياء اللا مرئية
الصوت: "غاضب"
− لانك صاحب القرار وحافر المآزق ومفجر النيران...
الرجل:
− من انت حتى تحكمي علي؟....
الصوت:
− انا العارفة بك اكثر من نفسك
الرجل:"يصرخ"
− صه، صه
الصوت:
− لماذا؟ لاني كاشفة امرك
الرجل:"يصر باسنانه بحنق و غيظ"
− عن اي أمر تتكلم؟!
الصوت:
− امر نفسك الامارة بالسوء
الرجل: "بحقد و كراهية"
− الامر يهمني وحدي... و لا يعنيك...
الصوت:"متهكما"
− ماذا تقول يا صاحب الامر و النهي؟...كيف لا يعنيني! ! ! او لست انا المعنية؟ ام انك غيرت رايك بغتة...
الرجل:"يعقد يديه على صدره...يبدو وكانه يحسم قرار امر هام"
− بلى...لكن امر الامساك بك و القضاء عليك يهمني شخصيا...
الصوت:
− كيف لا يهمني؟!...اولست التي ستسحقها...و تطيح بها...فتستريح و تريح الخلق مني....اليس هذا كلامك ام تراني مخطئة؟!...
الرجل:"مطأطئ الراس"
− بلى...صدقت..."يسكت...يلف المكان في صمت رهيب... يقطعه جيئة و ذهابا...القطة تدور حوله وهي تموء...ينحني على القطة يربت على راسها...يرفع بصره الى اعلى ...نظرات الحقد و النقمة ممزوجة بالحيرة و الحزن المخيم على وجهه...يرفع صوته متسائلا في حرقة و لوعة "...ايتها السفاحة المتجبرة المتكبرة...ليتني امسك بك حقا ...فاشفي غليلي و غليل امثالي منك.
الصوت:"مقهقها"
− لن تستطيع ذلك مطلقا...
الرجل:"بعناد شديد"
− بلى استطيع ذلك واقدر...
الصوت: "ظاحكا في سخرية"
− لن تستطيع مطلقا مادام الشيطان يسكنك و الخسة و النذالة و الطمع والجشع و الظلم و الجبروت و الطغيان و العداوة و الحقد و البغضاء و الحسد و الانانية و الاستعلاء والاستبداد والحقارة.
الرجل:"لا تزال نظرات الحقد و الحيرة بعينيه"
− الا اخبريني ما مدى شعورك حين وقوع الكارثة و بعدها؟؟؟..."يكور قبضة يديه...يضرب بها الارض بعصبية شديدة"
الصوت:"بكبرياء ممزوج بنبرة الانتصار"
− اشعر بفرحة لا تعدلها فرحة.. بنشوة الانتصار...بعظمة القوة و الجبروت...فاستحم بدموع الباكين... و اثمل بدماء الموتى و الجرحى ...و اضحك من شهقات الباكين...واترنم على انين المنكوبين...واشرب على نخب عويل النائحين و ارقص على صوت الارامل و الثكالى...وازهو بصوت اليتامى المكلومين...و...و...
الرجل :"مقاطعا...بتاثر عميق"
− انت صادية...انت النزعة الدموية ذاتها...انت..."يفرك جبينه...يضرب قبضة يده اليمنى بكفه اليسرى...يصرخ" بما سأنعتك؟...لو اطلقت عليك كل النعوت القبيحة التي عرفتها البشرية ما كفتني فيك.
الصوت:"بتشف"
− ها قد عجزت عن ايجاد نعت واحد يشفي غليلك ...وهذا اثبات منك على عدم قدرتك على ان توقع الهزيمة بي "تشهق من شدة الضحك"...انت انسان عاجز مسكين... لقد اوقعت الرعب في قلبك فشللت عزمك...انهض ولم شتات نفسك...
الرجل:"يصرخ غاضبا"
− او تستفزينني ايتها الصادية...ايتها اللعينة...لست بما نعتني في شيئ... قولي ما شئت فالميدان لك ...هو براح امامك...صولي و جولي كما بدا لك...مادامت المعادلة في العالم ميزانها قد اختل ...والعقلاء اصبحوا فيه قليلون كالظل في الصحراء ...و مادام الخرقاء عددهم غفير والاغبياء عددهم وفير والظالمون عددهم غزير تكتلوا وتجراوا وبغوا حتى تعسفوا لكن مادام العقل فيه مزيج بين السداد و الحكمة و الادراك والروية و الحمق و الغباء و العقل و الخبل لا بد من الانتصار عليك فالحرب سجال بيننا..."يصمت قليلا"... لكن افيديني بعيد ميلادك...
الصوت:"بتهكم و سخرية"
− لم؟...فبماذا يفيدك؟
الرجل : بصوت اجش"
− الكثير... الكثير
الصوت:"بكبرياء و غطرسة"
− تاريخ ميلادي هو تاريخ ميلادك ايها الانسان..اعرفت الآن؟
الرجل:"غاضب"
− كفى مراوغة....ماذا تقولين؟...
الصوت:
− الحقيقة
الرجل:
− خور هو ما تقولين...انا رجل تخطى الخمسين...وفيما اعتقد ان ميلادك منذ...
الصوت:"مدويا"
− تاريخ ميلادي هو تاريخ ميلاد الانسانية
الرجل:"باهت لا يصدق ما سمع"
− كيف؟...من ادراك؟...ما هو دليلك و اثباتك على صحة ما تقولين؟
الصوت:"متهكما"
− انسيت ابني آدم قابيل و هابيل وخبر اقتتالهما من اجل قربان...اليست هذه اول حرب بين البشر و بين اخوين وقعت على اديم الارض...وفيها ارتوت باول قطرة دم بشرية...و عرفت اول قبر وضمت رفاة اول بشر؟...لقد كان ذاك اول نداء لي من بني آدم على الارض فاستقررت بين البشر و مجتمعاته اسياده ..ورقه و نحله و ملله وطوائفه و مختلف دياناته.
الرجل:"الصمت يلفه ...اخرسته المفاجاة و الجمه الذهول...يخاطب نفسه..."
− صدقت الطاغية
الصوت :" ضاحكا بغرور و فخر"
− كانما تعانقت مع الانسان و نزلنا سويا الى الارض...فاصبح كلانا متبوعا للاخر...لا نتخلى عن بعضنا ان لم يناديني الطامع ناداني الظالم او غيرهما من البشر حتى اننا لا نستطيع الاستغناء عن بعضنا البعض...ولا الانفصال حتى وان حصل فيكون كالهدنة سرعان ما نلتقي بعد ايام وقلما بعد اعوام ويتعلل الانسان بالجوع بالانهيار الاقتصادي بالموارد الطبيعية بالانحراف عن الدين وب....وب....وب....
الرجل:"محتجا"
− كلا...انت كاذبة...كثيرا ما تمر سنين سلام واستقرار مفعمة بالحب و الوئام...
الصوت:
− تلك ايها الغبي سنوات هدنة...
الرجل :
− ماذا تقولين؟ هدنة؟
الصوت:
− هدنة حربية...بعد ان يكون الانسان المحارب قد غنم ما غنم ... فيلجأ حينئذ الى الحرب الباردة... الانسان لا يستطيع العيش دون حرب...
الرجل:"في تعجب و استنكار"
− حينما تهفو النفس الخيرة للسلام... يكون الهدف و الدافع هو الجنوح الى السلم وطلب العلم والجد والكد و العمل و السعي للصالح العام فيكون لها الانتصار ولو بعد حين...بعد لأي و جهد جهيد و مثابرة حينئذ يبرز الانسان الصالح... و ينزوي الطالح بعد الملل منك...و الشرير بعد الياس من نتائج مصائبك واستهتاراتك و كوارثك التي لا ترحم...و من الفاجعات التي تسببت فيها...
الصوت:
− تكف الحرب حين اكون في فسحة بين " الطيور و الوحوش" في الغابات...الا تعلم ان الحيوانات هي الاخرى لها حروب ضارية...
الرجل:
− ماذا تقولين؟
الصوت:
− وعندما اكون في تجوال بين العشائر وفي اصقاع الدنيا... هنا وهناك وهنالك في انحاء العالم...حينها تسكن الحرب في مكان و تشتعل في مكان آخر سواء كانت حربا ساخنة او باردة...
الرجل:
− اوانت ايضا صاحبة الحرب الباردة؟ُ!!!
الصوت:" في فخر و تكبر"
− اولست انا الحرب...الا تعلم ان الانسان لا يتركني اركن الى الراحة و لو لحين
الرجل:"واجم حزين"
الصوت:"يتساءل"
− الا تسمعني؟
الرجل:"بصوت بائس حزين"
− بلى اسمعك...و كلي آذان صاغية
الصوت:
− اسمع يا هذا ان الحياة خليط من قبح و جمال... من فعال و خصال...من ماء و نار....من نور و ظلام...من خوف و امان...من سلم و عدوان....من شبع و حرمان...من طمع و قناعة...من جشع و اكتفاء....من عطش وارتواء...من فقر و ثراء...من سقم و عافية...باختصار من خير وشر...هذه هي موازين الحياة...علو وانحدار...
الرجل:"الحيرة تطفو على محياه"
− من اين تاتين؟...واين تظهرين؟....
الصوت:
− انا لا اتي من تلقاء نفسي. ومن اي مكان...انما يدعوني الانسان...من سبب و من لا سبب... امره يدع الى الاستغراب و العجب...من حسد و غضب...من طمع و شغب...من انانية... و قلة مروؤة...ممزوجة بنذالة و خسة ...من نفس اصابها العطب... من جبروت و من جمرات كالقسر فتداخلت و تعاضمت الخطوب...وطغت على السعادة الكروب...حتى اشرفت الشمس على الغروب... من شر سكن النفس و القلب... فقربت النار من الحطب.... وتتجمع هذه العناصر وترتطم السحب... فيزمجر الرعد وتدوي الصواعق و تنزل الشهب...فيتطاير الشرر...ويكون اللهب...فتنقلبت الارض ..بتضاريسها الى براكين...وينقلب الثلج صخرا صلدا من حمم بلا دوي و لا صخب...و مياه الانهار مراجيل تغلي مخضبة بالنيران و الاحجار دون خشب...و النجوم شهب... و الارنب الناعم الوديع كلبا عقورا... و الحمل ذئبا جسورا...و الفراش الناعم الجميل و النحل جرادا ياتي على كل شيئ بلذة و طرب ...
"يدوي انفجار هائل"
الرجل:"يخر صاعقا"
− ماذا حدث؟...من المتكلم؟
الصوت:
− انا
الرجل:يرتجف "بصوت متقطع"
− م...ن ان..ت؟
الصوت:"متعجبا"
− الم تتدرك بعد انني الحرب ...انا من كنت تتحاور معه
الرجل:"يفرك جبينة بانامله"
− افصحي من انت.
الصوت:
− اكنت غائبا عن الوعي... ام انسيتني بهذه السرعة؟
الرجل:"غارق في التفكير"
الصوت:
− لا تتعب نفسك في التفكير...ساريحك انا الحرب التي تنساها بعد دوران رحاها بربع قرن او حتى اقل.
الرجل:"ينتفض مفجوعا كالمباغت"
− من قلت الحرب؟..."يضرب راسه بكلتا يديه...يصرخ" يا ويلي
الصوت: ساخرا
− مالك؟...ما الذي اصابك؟ انا الحرب صديقتك و عدوتك
الرجل:
الرجل:"يفرك وجهه و راسه بعصبية شديدة...يصرخ متسائلا"
الا اخبريني لم الحروب.
لم الدمار.
لم الخراب
لم الدماء
لم الايتام
لم الثكالى
لم الاعاقة؟...لم الحرمان...لم...لم...لم...تهوين الخراب و الشر و العذاب؟...لم؟؟؟
الصوت:"يدوي بقوة"
− اوتسالني؟...الست المخطط لها و المدبر وفاعلها المنفذ.
الرجل:"بتهكم ممزوج بحسرة"
− ليست لك فيها ناقة و لا جمل ...انت بريئة براء الذئب من دم يوسف...لم تتهمينني وتنكرين؟...الست الحرب...الست الزلزال من صنع الانسان...الست البركان الاصطناعي...الست المقوضة للاركان؟...الست الماحقة للعمار...الست المخربة للديار...الست فاعلة الشر و صانعته؟؟؟...
الصوت:
− بلى انا الحرب...لكنني من صنع الانسان كما قلت
الرجل :"صارخا"
− لم اردت كل هذا؟...لم؟
الصوت:
− لست الذي اراد...انما انت الذي فكر ودبر وحينما اراد اختار المكان و الزمان و قرر ونفذ...وفعل و على جبين التاريخ بصم و سجل... وبارواح الناشئة و بالاجيال جازف و ضحى...انت اذا صاحب القرار...انت الفاعل و المفعول به.
الرجل : "غاضب"
− اووتقتلين زوجتي و ابني و تنسفين بيتي... ثم تتهمينني... ايتها الكاذبة الظالمة المتجبرة... ايتها القاتلة المتغطرسة... ايتها السفاحة المتكبرة...
الصوت:"بتهكم واستهزاء"
− لم اكذبك...ما قلت الا الصدق و عين الصدق... تلك هي حقيقتك...واجه نفسك...ام انك تخاف المواجهة.
الرجل:
− اوتدينينني؟؟؟
الصوت"بفضاضة"
− كلا، انت المسؤول عن الدمار الذي حولك...الذي اصاب الانسان و الحيوان... و كل الكائنات...الكل على حد السواء ...كله من صنع يدك...من تدبير فكرك... من صنع طمعك...ومن خستك و نبلك...من ظلمك و جورك...من حنانك و حرمانك...انت الذي خطط وفعل...وانت للسلاح الذي صنع وابتكر
الرجل :"يزمجر غاضبا"
− انت مصرة على اتهامي اذا
الصوت:
− نعم انت الجاني و المجني عليه... الست الغاضب الغشوم... الست الظالم الحقود الست الطامع الحسود ...الست القاتل ...الست العدو اللدود... الست الكانز الكنود...الست صانع الاسلحة و مخترعها و المتاجر فيها...الست بصانع تجارة الدم و الموت...؟؟؟انت الانسان وانت بشر...لو انك حذفت حرف ال"ب" لادركت انك شر وان معظم فعالك شر... ايها الانسان المكرم بالعقل على الحيوان..."يدوي الصوت مقهقها في الفضاء مزعزعا الاركان...مرجرجا الارض...يملأ السحاب السماء فيلفها بنقاب رمادي...تهب عاصفة هوجاء...يختفي اثرها الصوت رويدا ...رويدا يتلاشى متداخلا في غيهب الغيوم...مسافرا على مطيتها السوداء".
الاديبة و الكاتبة و الناقدة و الشاعرة فوزية بن حورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.