مستشار / أحمد عبده ماهر هذا الموضوع من أهم الموضوعات التي يجب على المسلم تفهمها، وهو لا يقف عند حدود إطلاق اللحية أو عدم إطلاقها حتى تتصور بأنه أمر تافه لا يجب أن نشغل تفكيرنا به، بل هو أمر جلل وخطب عظيم لتبيان طريقة تدبر المسلمين وإدراكهم لأمور دينهم ودنياهم، فهو يخص طرق التفكير وإدراك حقائق الأمور..فالأمر يخص طرق التفكير والإدراك. أعلم تماما بأن فضيلة شيخ الأزهر أطلق لحيته حين تقلد المنصب، وأعلم تماما بأن أغلب السادة المشايخ المتخصصين يطلقون لحاهم. وأعلم تماما بأن هناك زخما شعبيا ضخما يتصور بأن إطلاق اللحية سُنَّة نبوية، وأتصورهم يفعلونها يتقربون إلى الله بها، وهناك ضباط شرطة رفعوا دعوى قضائية لإطلاق لحاهم ويتصورون بأنهم يجاهدون في سبيل الله، ويتصورون أن اللحية من الشريعة المطلوب تطبيقها. وما أرى كل هذا إلا انه الضلال بعينه، لكن دعونا نتناول الأمر بهدوء لنعلم إن كان تصورهم بأنها ديانة هو أمر صواب أم خطأ، وسننتهي بأنهم جميعا خلطوا الدين بالدنيا واعتبروا الجميع دينا وشريعة واجبة التطبيق. وما استفزني لمناقشة جمعية دين اللحية أو لحية الدين، إلا أن دعاتهم قالوا بأن حلقها حرام، وأنا واحد من حليقوا اللحى حيث لا أعتبر أبدا بأن لها علاقة بدخول الجنة ولا هي تبعد صاحبها عن النار، ولا هي شريعة، ولا حُرْمَة في أمر حلقها مطلقا، بل ولا هي حتى سُنّة نبوية أصلا..... لكن المطلوب بعضا من التعقل وحسن الإدراك لنفهم ما هو آت بدلا من ابتداع شرائع في الإسلام ثم نستصرخ لنطالب بتطبيقها أو تعميمها أو تأثيم المخالفين لها. فلقد سبق وأطلق كل من أبو جهل وأبو لهب لحيتيهما، وأطلقها كل من تزيا بزي الدين على مر العصور من أتباع كل الرسالات [قساوسة ورهبان وغيرهم]، فأين تخصيص إسلامية اللحية في هذا؟؟؟، وما دور اللحية في دخول الجنة؟؟. وهل يتبرز الإنسان حين يتبرز أو حين يتبول فيكون يؤدي نُسُك سُنّة لأنه تَحَقّق أن النبي بال وتبرز، وهل لك في برازك أجر ودرجة بالجنة؟؟. وهل حين تأكل التمر فأنت تصيب سُنّة!!؟، وهل أكل السبانخ والبرتقال ليسا سُنّة؟؟، أتكون البطاطس بدعة والباشاميل علمانية كافرة. وما يتناقلونه من أن النبي أعفى اللحية وجذّ الشارب، أكان ذلك منه ديانة ووحي سماوي، أم كان عادته وعادة أسلافه؟، هل أنزل الله جذُّ الشارب بوحي سماوي أم ماذا يتصور هؤلاء؟؟، وهل إطلاق اللحية يدخل في إطار الاتباع المحمود للنبي صلى الله عليه وسلم، أم هو تقليد أعمى لرجل لم تكن له حيلة إلا إطلاق اللحية؟. ولو كان النبي تكلف حلقها لناله من المشقة ما ناله لأنه لم يكن لديه شفرات تصلح لتلك المهمة، ولم يعرف قومه حلق اللحية ولا حتى حلق شعر الرأس بانتظام للتزين كما نفعل نحن. وما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بجذ الشارب إلا ليعرف المؤمن من غير المؤمن في وقت دعت الحاجة لهذا التعريف، فهل نحن بحاجة لهذا التعريف الآن؟...هل نغلق مصلحة الأحوال المدنية وبطاقات الهوية حتى نعرف المسلم من غير المسلم بلحيته الطويلة وشاربه المحلوق.. وهل جذّ الشارب من مقاصد الشريعة؟؟، وهل إطلاق اللحية أيام سيدنا رسول الله كان ديانة تُقرّب صاحبها من الجنة أم كان عادة الناس في زمانهم؟. ثم ألم يدرك أولئك الفارين من فهم الفرق بين التقليد والاتباع بأنهم يُنشأون حكما شرعيا مزعوما بتصورهم أن اللحية ديانة، والله أمرنا بالاتباع ولم يأمرنا بالتقليد، حيث قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31. فالاتباع أن تُقلِّد مع فهم مقاصد أوامر النبي، أما التقليد فهو أن تُقلِّد دون أن تستشعر أو تفهم مقاصد الشريعة أو مقاصد الآمر في أمره الذي أمر الناس به. بما يعني أنه الفرق بين التعقل وانعدام التعقل حين إتيان أي فعل أو قول، أو قل هو الفرق بين الإنسان والشمبانزي، فالإنسان يفكر ثم يتبع، والشمبانزي يقلد دون أن يفكر. والذين تجرءوا من الأئمة والدعاة وأفتوا بأن حلق اللحية حرام، إنما هم مشركون بالله حكما يتصورونه صدر عن رسول الله ديانة. فهم يتصورون بأن أمر النبي ونهيه ما هو في زعمهم إلا أنه تحريم فوق تحريمات الله، وفريضة فوق فرائض الله، وما كان النبي مُشرِّعا ولا كان مُحرِّما إلا عند من يشركون بالله رسول الله في الحكم. لذلك أنصحهم بأن ينتهوا عن تلك الفتاوى وأن يجددوا إيمانهم بوحدانية الله وأنه سبحانه فقط له الملك، وأنه فقط هو صاحب التحريم المطلق، وأن باقي تحريمات من يقولون بتحريم أي أمر إنما هو تحريم قد يصيب وقد يخطئ لذلك فهو تحريم نسبي يجوز مخالفته حتى ولو كان صادرا عن النبي وحتى لو كان النبي يقصد به التحريم فعلا، فهو في غالبه فتوى بالتحريم وتكون لحالة بعينها أو لمناسبة بذاتها ولسبب قائم وقتها، فلا يجوز تعميمه. كما أن هناك فرق بين الأمر والنهي من جانب، والتحريم والتحليل من جانب آخر لذلك لابد أن يفهم المتخصصون والسادرين في فلكهم أمر الدين حتى لا يقوموا بتصدير عادات أناس في عصور قديمة ويحولونها لتكون دينا يتقربون به إلى الله بينما هم يتقربون به من الطاغوت. كالذين تصوروا بأن الإفطار على التمر سُنّة، وما كان التمر سُنّة أبدا لكنها عقول الناس التي فقدت الكثير من الرشاد تحت حجج ومزاعم منها محبة رسول الله وغيرها من التهوكات التي لا تصلح للوصول والحصول على الجنة. وهم يتناولون مخدرات فقهية من نوع • [لا اجتهاد مع النص]، • ويقولون [ صحيح المنقول قبل صريح المعقول]. بينما المشكلة فكرية قبل أن تكون فقهية، إنها في إدراك المسلمين للفروق اللفظية بين الطاعة والأسوة والاتباع من جانب والتقليد على الجانب الآخر. فالإسلام لا يريد قرودا مقلدة بلا عقل ولا وعي ولا علم، بل يريد عقولا متفتحة تفهم المغزى وتنفذ بالوسائل المناسبة لكل عصر. ولم ينهانا الإسلام عن اتباع العرف والأخذ به، وطبعا من المعلوم بأن الأعراف تتغير من عصر إلى عصر، والأخذ بها والتطوير محمود طالما لم نُحرِّم حلالا ولم نُحلِّل حراما لذلك يقول تعالى:( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الأعراف199. فالإسلام يريد منا أن نتبع الرسول ونتبع نبي الله إبراهيم والذين معه ولا يريد منا تقليدهم. فلو أدركت الفرق بين الطاعة والأسوة والاتباع من جانب..... والتقليد في إطلاق اللحية وشراء نبات الأراك والتداوي بأبوال الإبل على الجانب الآخر، لعلمت بأن من يفعلون هذا إنما هم يقلدون بلا عقل . فلو كان من يطلق لحيته علم بماذا أمر الرسول ولماذا ....لعرف بأنه أخطأ في إطلاق لحيته وأنه لن يثاب عليها لأنها لا تُقَرِّب إلى الله بإطلاقها ولن يبتعد عن الجنة من لم يطلقها، لأنه لم يقف على الحكمة من أمر الرسول، إنما راح يقلد ويقلد بل وينعت الآخرين الذين يحلقون لحاهم بأنهم يرتكبون حراما، وكأن الجنة تنتظر شعيرات لحيته بينما تلعن من يحلقون لحاهم. بل يطلق الملتحون على أنفسهم بأنهم ملتزمون، بينما أراهم ومشايخهم متزمتون فقدوا الإدراك القويم. وهناك عنصر آخر يجب طرحه على بساط البحث، ....لقد أمر الرسول بجذ الشارب ولم يأمر المسلمين بإطلاق اللحية لأنه لم يكن بينهم حليق لحية، إنما كان يريد أن يميزهم عن اليهود بالمدينة الذين كانوا يطلقون لحاهم وشواربهم، فطلب الرسول من المسلمين أن يجذوا الشارب ويعفوا اللحي ....أي يتركوا اللحى على حالها لكن يجذوا الشارب حتى يتميز المسلمين عن اليهود بالمدينة. ولقد عاتب الله نبيه حين حرّم على نفسه أمورا لم يحرمها الله، فكيف نفهم بأن النبي حرّم على الأمة حلق اللحية، واقرأ معي قول ربنا تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم) التحريم1.... فهذا يعني بأن النبي ليس له حق التحريمات. ويقول تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }النحل116. ولعلي أقول لأهل اللحية ما قاله الله لأهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }المائدة68. لذلك أقول لأهل اللحية لستم على شيئ ....أريد من المسلمين أن يفهموا الإسلام بصورة صحيحة حتى يكونوا مثلا يحتذى به، فديننا دين عظيم بيد محامين فاشلين. • فمن قصروا الجلباب..... • وأصحاب السواك..... • ومن يرخون عذبة تتدلى على أقفيتهم من عمامة يضعونها فوق رءوسهم. • والمنتقبات......... • والمؤذن الذي يتلفت يمينا بالأذان حينما يقول حي على الصلاة، ويسارا حين يقول حي على الفلاح ويضع إصبعيه في أذنيه وهو يؤذن بميكروفون لا يميز بين اليمين واليسار........ • والذين يصممون أن يكون منبر المسجد ثلاث درجات فقط. • والذين يقومون بتحريك أصبع اليد حين يقرءون التشهد بالصلاة،.... • كذلك من يتصورون بأن التختم بالذهب حرام بينما لم يعلموا لماذا قال النبي هذا والظروف التي قيلت فيها فراحوا يحرمون التختم بالذهب للرجال بلا ضابط. لقد قال النبي ذلك في عام كانت فيه مجاعة بالمدينة وحتى لا يقهر المسلم الغني خاطر المسلم الفقير فقد نهى النبي الرجال عن التختم بالذهب وليس في الأمر حرمة في معدن الذهب بذاته ولا الحرير بخصوصه، لذلك فإن كثيرا من الصحابة تختموا بعد ذلك بالذهب لأنهم فهموا سبب الأمر الذي أمره النبي، ولهذا أيضا تجد علماء لا يقولون بحرمة تختم الرجال بالذهب إنما يقولون بأنه مكروه كراهة تنزيه، وكراهة التنزيه قريبة من الباحة وبعيدة عن التحريم. فيجب العلم بأن هناك أبعاد مرتبطة بأسباب ورود الحديث [البعد الزماني/البعد المكاني/البعد المخاطبي/ البعد الحاليّ في أسباب ورود الحديث]، وهناك كتب ومراجع في أسباب ورود الحديث الشريف لفقهاء مثل جلال الدين السيوطي والبلقيني وغيرهما. وقد قام أحد الباحثين واسمه /حمادة يوسف عبد المولى بتقديم رسالة ماجستير في هذا الصدد عام 2007 بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، لكن جهلاء الدعاة يتناولون الحديث على أنه مطلق لكل زمان ومكان كالقرءان تماما بتمام، وهذا من الضلال. ولقد أصدرت وزارة الأوقاف المصرية كتابا كانت طبعته الرابعة عام 2006 واسم الكتاب [حقائق الإسلام في مواجهة المشككين]، وفي صفحة652 مدون بشأن التختم بالذهب أن البعض قال بأن التختم بالذهب حُكمُه كراهة التنزيه وقريبة من الإباحة وليس بها تحريم واعتمدوا في ذلك على أن هناك عددا من الصحابة قد تختموا بالذهب منهم سعد ابن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وصهيب، وحذيفة، وجابر ابن سمرة، والبراء بن عازب الذين فهموا أن النهي للتنزيه وليس للتحريم [وراجع فقه السنة للشيخ سيد سابق المجلد الثالث ص482 وما بعدها، و488 وما بعدها]. • وحين قال سيدنا رسول الله [ تسعة أعشار الرزق في التجارة ] لم يكن على عهده صناعة ولا بحث علمي ولا مخترعات من تلك التي تقوى بها اقتصاديات الدول أكثر من التجارة، ولعله صلى الله عليه وسلم، علم بأننا شعوبا كسولة، وأن تسعة أعشار رزقنا سيكون من تجارة البترول، أي الإنتاج الريعي وليس الإنتاج العلمي والتقني. فهل نترك الصناعة ونعمل جميعا بالتجارة كي نكون على سُنة الملتحين، وهل نمنع إطلاق اللحى لغير المسلمين لأنها سنة المسلمين، كما كان السلف يجبرون أهل الكتاب على ارتداء لباس بعينه تحقيرا لهم، أليس هذا من فقه السلف الذي نادى به ابن تيمية والشافعي من قبله، هل أمر الإسلام بهذا الذي قال به السلف وأئمة السلفية؟!. والذين....والذين، كل أولئك عليهم أن يراجعوا طريقة إدراكهم للأمور، لأنهم صنعوا أصناما وظلوا لها عاكفين وقاموا بتحريم ما أحل الله ويحسبون أنهم مهتدون. لذلك أدعوكم ناصحا حتى لا تختلط الشريعة في الأدمغة لا فائدة في لحاكم حتى تقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، ولا تنشئوا زعامات وفرق دينية بلحاكم التي تتصورونها دينا وما هي من الدين في شيء، ولا بد أن تفيقوا جميعا فهي ليست من الدين وما أطلقها النبي لكي تقلدوه بلا عقل وتزعموا بأنكم على دين، فهناك فرق بين التقليد والاتباع.... فنحن جميعا مأمورون بالاتباع ولسنا مأمورين بالتقليد...وقد سبق بيان الفرق بينهما....ولا يتصور أحدكم بأنه سيحظى بثواب على إطلاقه اللحية ....بل أراه يقيم بدعة إضافية في دين الله ويذم من لا ينتهج نهجه لذلك فكل مطلق للحية على انها دين فهو آثم، وكل من تصور بأنه سابق إلى الجنة بلحيته فهو واهم، فهي لن تقربك شبرا، فلا تبتسم حتى تبدو نواجذك كما كان النبي يبتسم فتقليد ابتسامته لن تدخلك الجنة وإياك أن تترك عقلك ليعبث به غيرك. --------------------- مستشار/ أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي