قرر مجلس القرية أن يعرض دكانا شاغرا، يحتل أفضل موقعا تجاريا بوسط القرية للإيجار، لكنه اشترط أن يكون النشاط المدار من الدكان، نشاطا نفعيا بالدرجة الأولى، يستفيد منه جميع سكان القرية. تقدم لطلب الإستئجار عدة تجار وحرفيين من أهالي القرية، وكان دائما الطلب يرفض لأن النشاط المطروح كان عادة ما يخدم شريحة ما دون أخرى من السكان ، حتى تقدم أحد التجار بطلبه استئجار الدكان لغرض استغلاله في بيع الزيت - زيت المصابيح - وتم قبول الطلب . قبل مجلس القرية الطلب لعلمهم بأهمية النشاط وليوفروا لأنفسهم مصدرا ذاتيا للزيت، بدلا من مشقة جلبه من القرى المجاورة ، فرح الجميع وعم السرور ارجاء القرية وظن أهلها أن قريتهم لم تعد لتغرق في الظلام بعد اليوم . بدأ العمل بالدكان وبيع الزيت وانتشر الزيت وأسرجت المصابيح، وصارت شوارع القرية وأزقتها وبيوتها،ملأى بالضوء . هذا المناخ الجديد وفر للسكان بيئة غضة لكي يلتقوا مساء في المقاهي وبدأ التفاعل بينهم وبدؤوا يحتكون ببعضهم البعض ، حتى صار الجدال أحد أهم الحاضرين في كل مساء . إشتد الحال وتحول الحوار من مجرد وسيلة للتنوير وتبادل الخبرات، وطموح في أن تفوق القرية جاراتها في العلم والثقافة والأدب نظرا لامتلاكها امكانات افضل من سواها، ليصبح سببا رئيسيا في نشوب الصراعات بين العائلات المختلفة وانهارت الاجواء الحميمة التي كانت تجمعهم . ازداد الصراع حدة بين مختلف الاطراف، وتغيرت وسائل الصراع من المشادات الكلامية، إلى أن صارت تفننا في وسائل الاذى المختلفة، فلم يجد الجميع أكثر من الزبت بين أيديهم ، وصار اصحاب المعاصر يتسابقون في تقديم الزيت بابخس الاثمان لتاجر الزيت -الغير نزيه- فاستغله سكان القرية في غفلتهم لأحراق ممتلكات بعضهم البعض. عم الخراب أرجاء المكان ، وصارت القرية رمادية شاحبة المعالم ، وضجت برائحة الدخان، ولم يعد أحد من سكانها يأمن على نفسه ، على ماله أو حتى على عرضه ، لم تسلم حتى دور العبادة في القرية من نزيف الزيت وبركان الصراع بين ابناء القرية الواحدة . كفرت هذه القرية بأنعم الله وذاقت مغبة كفرها نارا أتت على الأخضر قبل اليابس ، إلا مكان واحد ظل بعيدا عن طائلة النار .... لأن الجميع كان يخشى أن يدنو منه حاملا شعلة نار كالتي يستخدمونها في اشعال الزيت في كل زوايا قريتهم المنكوبة. إنه دكان الزيت المشؤوم ..... هكذا هو إعلامنا الذي لم يراد له إلا أن يكون وسيلة دمار واحتراق وخراب لأمتنا بدلا من أن يسهم في نشر الثقافة والعلم وتنوير العقول . لا عاش تاجر الزيت المقيت فيك يا وطني !!! بقلم: عصام الكحلوت