الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 7 يونيو 2025    بينها «القسوة على الحيوانات».. منفذ حادث كولورادو يواجه 118 تهمة في أمريكا    هدد بوجود قنبلة ليلحق بالطائرة.. اعتقال شاب أمريكي بسبب مكالمة مضللة    زيزو يكشف المستور: كواليس رحيله عن الزمالك وتصريحات نارية عن الانتقال المجاني للأهلي    حسام المندوه: تعاقدنا مع الرمادي لهذا السبب.. وسنعيد هيكلة الإدارة الرياضية في الزمالك    نتيجة وملخص أهداف مباراة المغرب ضد تونس الودية    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    ريبيرو يحاضر لاعبي الأهلي بالفيديو    حمدي فتحي: التواجد مع الأهلي شرف لي.. وأثق في قدرتنا على تقديم بطولة مميزة    الشناوي: المشاركة فى مونديال الأندية إنجاز كبير.. وحزين لرحيل معلول    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس اليوم السبت.. والعظمى بالقاهرة 36    وفاة سائق سيارة إسعاف أثناء عمله بمستشفى بني سويف التخصصي    أجواء فرحة العيد في حديقة الحرية أول أيام عيد الأضحى| فيديو    تجارة الخدمات بالصين تسجل نموًا سريعًا في أول أربعة أشهر من عام 2025    سوزوكي توقف إنتاج سيارتها «سويفت» بسبب قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع في جلسة نهاية الأسبوع    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. 42 شهيدا بغزة منذ فجر أول يوم العيد.. انتخابات مبكرة بهولندا في 29 أكتوبر المقبل.. إسقاط مسيرة استهدفت موسكو.. وبوتين يهنئ المسلمين بعيد الأضحى    زيزو يفجرها: أنا اتهنت في الزمالك.. وده سبب اختياري الأهلي    فيفا يدخل ابتكارات تقنية غير مسبوقة فى كأس العالم للأندية 2025    ولي العهد السعودي: نجاح خدمة ضيوف الرحمن نتيجة جهود الدولة في رعاية الحرمين والمشاعر المقدسة    "الخارجية الفلسطينية" تُرحب برفع عضوية فلسطين إلى "دولة مراقب" في منظمة العمل الدولية    أخبار × 24 ساعة.. المجازر الحكومية تستقبل أكثر من 9800 أضحية أول أيام العيد    "ب3 جنيه" تتفسح بحديقة صنعاء فى كفر الشيخ خلال العيد.. ملاهى وخضرة.. فيديو    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    «الطقس× العيد».. استمرار الارتفاع في درجات الحرارة مع «اضطراب الملاحة والشبورة والرياح» بالمحافظات    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    فولودين: الحكومة الألمانية تثير الصدامات بين روسيا وألمانيا    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    بصورة مع والدته.. حسن شاكوش يحتفل بعيد الأضحى    اليوم.. فرقة رضا فى ضيافة "هذا الصباح" على شاشة إكسترا نيوز    عرض الفيلم المصرى happy birthday بمهرجان ترابيكا بحضور أوسكار إيزاك    فرصة مميزة على الصعيد المالي.. توقعات برج الحمل اليوم 7 يونيو    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    احذر من الإسراع في تخزين اللحوم النيئة داخل الثلاجة: أسلوب يهدد صحتك ب 5 أمراض    ترامب: ماسك فقد عقله ولا أنوي الحديث معه الآن    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    زيزو: جمهور الزمالك خذلني وتعرضت لحملات ممنهجة لتشويه سمعتي (فيديو)    بعد غياب 5 سنوات، مفاجأة في لجنة تحكيم "ذا فيوس كيدز" الموسم الجديد    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    رئيس الشئون الطبية ب التأمين الصحى يتفقد مستشفيى صيدناوي والمقطم خلال إجازة العيد    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    رواتب مجزية| 25 صورة ترصد آلاف فرص العمل الجديدة.. قدم الآن    المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يصوت بالإجماع لصالح رفع عضوية فلسطين إلى دولة مراقب    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    أهالي السويس يؤدون صلاة العيد في 123 ساحة وسط تنظيم وتأمين شامل (فيديو)    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقابر تتسع باطراد ! قصة قصيرة
نشر في شباب مصر يوم 03 - 10 - 2011

ظل سعيد طوال الليل ينتظر شمس صباح اليوم الثاني على حرارة شوق عاصف ، لم يحس بمثلها طوال عمره ، فهو على موعد مع حبيبته سلمى التي اتفق معها على لقائهما الأول في إحدى مقابر المدينة التي دارت فيها رحى أكثر من معركة بين جنود عبروا بحار ومحيطات وبين رجال وجدوا في قتالهم مآرب متفقة أحيانا ، ومتنافرة في أحيان أخرى .
بعد تلك المعارك الضارية اتسعت المقبرة اتساعا كبيرا ، وصارت تضم أمواتا معروفين من أهل المدينة، وآخرين غير معروفين كتب على شاهد كل قبر منها : مجهول الهوية ! هكذا هي طبيعة الحروب حين يستعر أوارها ، وتطول أيامها ، ويكثر المشتركون فيها ، عندها يتساقط ضحاياها من دون أن يتعرف أحدهم على هوياتهم ، وتكريما لهؤلاء المجهولين حملت ساحة عواصم دول هؤلاء نصبا تذكارية لهم تخليدا لذكراهم مثلما يزعم الساسة فيها ، ولكن تلك النصب لا يمكنها أن تغطي على وحشية الإنسان التي لا تختلف عن وحشية الحيوان أبدا في حال مثل هذا الحال.
كانت شمس الصباح تلك تحمل معها عيدا من أعياد المدينة ، مثلما تحمل معها أملا في لقاء حبيبين سيكون مكانه بين أجداث الموتى بعد أن أعدما وجود مكان آخر يلتقيان به ، فسجف ظلام التقليد الاجتماعي تمنعهما من الجلوس في مكان يقع تحت عيون الرقباء من أهل الحبيبة.
- عمدت أن أحضر مبكرا !
- وأنا كذلك .
- في لوعة شوق إليك يا سلمى ! كنت أحلم الليلة البارحة أننا نحلق في سماء صافية زرقاء ، ترف علينا فيها أجنحة السعادة ، ولكننا - كما تشاهدين - نلتقي بين قبور الموتى الذين سيظلون هم وحدهم شهودا على صدق مشاعرنا.
- منذ الليلة البارحة كنت أتطلع لطلوع شمس يوم العيد كي تحملنا معها الى هذا المكان الذي يرقد فيه آلاف من الموتى ، فهي فرصتنا الوحيدة التي يمكننا أن نلتقي بها . ردت سلمى ثم صمتت .
تقع مقبرة الشريف التي تتسع باستمرار على الضفة الغربية من نهر ديالى ، لا تبعد عن مدينة بعقوبة الجديدة كثيرا ، يطل عليها مستشفى البتول الخاص بالولادات الحديثة الذي يفتح فيه الكثير من أبناء المدينة عيونهم على الحياة ، وفي ذات الوقت تبتلع بطون مقبرة الشريف المجاورة الكثيرة منهم نتيجة معارك تدور رحاها على مدى سنوات بين أهل المدينة الواحدة ، تلك المعارك التي أشعلها القتلة القادمون من وراء البحار .
لم تكن المفارقة بين مستشفى البتول للولادة وبين مقبرة الشريف للموتى هي المفارقة الوحيدة ، فهناك مفارقات أخرى ، وتناقض حاد مثلما يبدو ذلك للبعض ، ففي الوقت الذي يبادل فيه سعيد حبيبة سلمى أحاديث الغرام واللوعة ، وهو في غامر الفرح والسرور ، تبث أم مصطفى على مقربة منه شكوى حارة ، وتباريح فيض من الحزن ، وهي تعطر قبر زوجها بأعواد من البخور .
- آهٍ يا حبيبي ! لقد تركتني وحيدة ، ها هم أطفالك الستة يدورون حولك ، يسألني صغيرهم لماذا أنت تنام دوما ، لماذا لا تخرج لتراه مرة ! نعم . يا عزيزي ! لقد انقلبت حياتي رأسا على عقب بعد موتك ، لا أحد يمد لي يدي العون والمساعدة ، لا قريب ولا بعيد .
- والحكومة !؟
- الحكومة مهتمة بحالها ، يلبس الواحد من رجالها كل يوم ملابس جديدة ، كل يوم يبدل الواحد منهم ربطة عنقه ، ويطل علينا من على شاشة التلفزيون مثل ديك نفخ ريشه مرات عدة ، ومن دون حياء يحدثنا عن هذا المشروع ، وذاك .
لا أمل يرجى من وراء حكومة ربطت مصيرها بمصير القراصنة القادمين من وراء البحار ، لا أمل يرجى منها أبدا ، أملي الوحيد هو في أطفالك الذين تركتهم لي ، فهم يتسولون في المقبرة على مقربة منك ، يستجدون هذا وذاك ، هذا هو حالنا مع كل عيد بل مع كل يوم تشرق فيه شمس ، وأنت على رقدتك هذه التي لا نهوض لك بعدها .
- لك أن تبيعي البستان بما فيه من شجر ونخيل !
- عن أي بستان تتحدث ؟ لقد دفنوا الشجر والنخيل مثلما دفنوك ، لم تبق فيه وفي غيره مما تعرفه من البساتين شجرة واقفة ، أو نخلة قائمة ، لقد أعدم النخل والشجر وفقا للمادة رقم ( 4 ) إرهاب ، ولهذا لم يبق من بستانك سوى أرض قاحلة لا نبت فيها ولا شجر .
رغم هذه المأساة المتصلة لكن سعيد وحبيبته سلمى ظلا يعيشان في الجانب الثاني من التناقض فهما لا يفكران إلا بالكيفية التي سيلتقي بهما جسداهما لقاء تهبط السعادة به عليهما و بعيدا عن مقبرة تضم ثلاثين ألف قبر اعتادا هما اللقاء بها ، حينما تهب الناس في صبيحة العيد للقاء الموتى .
- أنا أغادر البيت فجرا ، أهب نحو المقبرة ، فهذا هو قبر زوجي الذي كان يملأ حياتي بالخير والسعادة والأمل ، وها هو يرقد الآن تحت هذه الكومة من الحجر ، أتحدث له طويلا عما جرى لي بعد قتله ظلما وعدونا من قبل مجرمين عبروا المحيطات كي يهدوا بيوتنا على رؤوسنا ، هم الذين قتلوه وقتلوا معه أطفالي الذين لم يبق منهم غير هذه الطفلة من أبناء ستة ، وها أنا وإياها نستجدي أكف الناس القادمين في زيارة لقبور موتاهم ، فبدلا من أن يفرحوا في مثل هذا اليوم ، ها أنت تسمع أصوات العويل والبكاء يأتيك من كل جانب من هذا المكان الذي يتسع يوما عن يوم باطراد .
- يقولون أنكم تملكون أكبر مقابر في العالم !
- هؤلاء مفلسون ، صاروا يتفاخرون بإفلاسهم بعد أن باعوا وطنهم ، وارتضوا بالمال المغتصب الذي أخذوه مني أنا ، ومن الملايين غيري من فقراء العراقيين ، هذا كل ما جنيناه منهم ، مقابر تتسع باطراد .
صمتت أم وائل التي كانت تنوح هي الأخرى نواحا متصلا ، وتوقفت عن تعفير وجهها بالتراب ثم قالت : لقد بدلت الحرب حياة الناس هنا من حال الى حال ، وصار الجميع يخشى من قادم الأيام ، فأنا واحدة من مئات الألوف من الأمهات اللائي فقدن أزواجهن وأولادهن في نار الديمقراطية! المشتعلة منذ سنوات خلت ، ويبدو أن ألسنة نيرانها ستمتد طويلا ، وستأتي على ما تبقى من هذا الوطن المهدم ، لقد فقدت أولادي الثلاثة في يوم واحد ، وتركوا لي خلفهم خمسة عشر حفيدا ، مازال جلهم أطفالا صغارا تحطم مستقبلهم بمقتل آبائهم الذين كانوا يعملون ليلا ونهارا من أجل سد رمقهم ، فمن لهم بعدهم الآن ؟ تساءلت أم وائل ، ثم عادت للنواح ثانية.
آهٍ يا أم وائل ! ليست أنت الوحيدة التي ضاع مستقبل أحفادها ، هناك الكثيرات الكثيرات اللائي هدرت كرامتهن ، وسفحن ماء حياء وجوههن ، وعزت عليهن لقمة الخبز ، وصرن يتسولن في الشوارع ، وصرن عرضة لحراب أشرعها المستعمر البغيض ، وجعل منها حارسا لمصالحه وأهدافه الخاصة ، نعم . وجوههم مثل وجهك الذي لوحته الشمس ، ولكن قلوبهم ليس كقلبك النقي ، صاروا حراسا بعد أن دربهم عابرو المحيطات من أجل خدمتهم لا خدمتك أنت ، فأنت لا شيء بالنسبة لهؤلاء الخدم ، ثقي ! أنت لا شيء سوى أنك امرأة يلفها الحزن ، ناقص عقل ودين ، ليس لك تعريف آخر في قاموس هؤلاء الخدم ، مهما سمت مراتبهم ، وعلت ألقابهم ، هذا هو حكم التاريخ يا أم وائل ! أما أنت فلا تتأملي خيرا من هؤلاء ، ليس هناك من أمل ، ستظلين تزورين مقبرة الشريف في كل عيد ، تذرفين الدموع ، وتلطمين الخدود ، وتسمعين المسؤول عن المقبرة يقول :
" إن مقبرة الشريف المحاذية لنهر ديالى من الجهة الغربية تعد أكبر مقابر المحافظة ، وقد اتسعت بشكل لافت بعد أحداث العنف الدموية خلال الأعوام الماضية نتيجة للعدد الكبير من القتلى الذي وقع في صفوف المدنيين".
تلك هي مقبرة الشريف ، فكيف تكون سعة المقابر الأخرى ، في المدن الأخرى التي تتساقط فيها الناس يوميا ؟ سألت صديقي عن حاله - يا أم وائل - ! بعد أن نجا من موت محقق ، فقال : ربما سأذهب في التفجير القادم ! فأنا واقف في طابور الموت مثل آخرين كثيرين ! أعرفتِ ما قاله لي صديقي ؟ قال : إنهم " لازمين سره على الموت"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.