أرجو في البداية أن أتوجه برسالة إلى الأخ الدكتور باسم نعيم رئيس مجلس إدارة العلاقات الدولية ، والأخوة أعضاء مجلس إدارة العلاقات الدولية ، والأخ الدكتور حيدر عيد الأستاذ المشارك لمادة الأدب الانجليزي الخاص بفترة ما بعد الاستعمار وما بعد الحداثة في جامعة الأقصى وعضو الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل ، والأخ احمد الكحلاوي رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة الصهيونية في تونس ، والأخ زاهر البيراوي الناطق الرسمي باسم الحملة العالمية لكسر الحصار عن غزة في بريطانيا ، على هامش ندوة المقاطعة للاحتلال الإسرائيلي : فلسفتها ، أدواتها ، جدواها ، وذلك يوم الأربعاء الموافق 25 شباط 2015 في فندق آدم على شاطئ بحر غزة . في البداية لا أجد على شفتي ما اهتف به سوى أهلا على هذه الروح المتحركة ، والروح هي أساس الإدراك والوعي والشعور ، وأهلا على هذه الأحلام ، والأحلام صورة متحركة لمشاعر الإنسان ، وأهلا على هذه الإرادة ، والإرادة لا تعني شيئا إلا اتخاذ القرارات بمعرفة الذات ، وأهلا على هذا الفعل ، والفعل أي فعل لا يمكن أن يكون فعل إلا إذا كان تنفيذا لقرار ذاتي ، وأهلا على هذا الإحساس ، والإحساس هو عملية تجميع المعطيات الحسية التي ترد إلي الجهاز العصبي المركزي من الحواس والخطوة التي تسبق الإدراك والنشاط النفسي الذي يترتب على هذا الإدراك ، وأهلا على الدعوة إلى المشاركة في صنع الوعي وتكوين الرأي والموقف السياسي ، وأهلا على هذه العواطف وما قيمه الأفكار بلا عواطف ، وأهلا على هذه الفلسفة النقدية التي تربط بين السمات الفنية الأدبية وبين العناصر الأيديولوجية التي تلغي القطيعة بين ثنائية الشكل والمضمون في الثقافة السياسية ، والفلسفة النقدية الموضوعية هي الفلسفة التي تقوم على التفاعل وليس على مجرد الفعل ، وعلى تقديم أراء صحيحة ووجيهة حول عمل الآخرين ، لأن نجاح أي فكرة لا يمكن أن يكون دون أن تكون الفكرة واضحة المعالم والأهداف ، ودون أن تكون الفكرة مبنية على جمل معلومة وليس على جمل مبنية على المجهول ، ودون أن تكون هناك قوة فعل إنساني تنقل الفكرة من المعاني إلى المعاني بواسطة المعاني إلى الانتقال من المعاني إلى الواقع بواسطة الفعل الإنساني ، والانتقال من الموجود بما هو موجود إلى الموجود المتحقق في التاريخ أي تحويل الموجود إلى سلسلة من الوقائع والأحداث التاريخية ، وبالفعل لقد غطت الأوراق الثلاثة كل ذلك ومن الأسلوب الذي اختزل الموضوع في العنوان إلى الموضوع الذي كان جامعا لمحتواه ومانعا لما سواه ، ولكني كنت أتمنى على ألاح الصديق الدكتور حيدر أن يطرح موضوع ماهية الموضوع ، والماهية هي أصول الموضوع وبطاقة تعريفه ومظاهره وقوانينه وأهدافه والبحث في جذوره الأولى ، والدكتور حيدر مثقف عضوي وهو وبلا شك يمتلك الإمكانيات الثقافية والإرادة في الحديث في هذا الموضوع ، وموضع الماهية يعني أول ما يعني أن المقاطعة شكل من أشكال المقاومة السلبية والايجابية في نفس الوقت ، وهي شكل من إشكال المواجهة مع العدو على كل المستويات الثقافية والأكاديمية والسياسية والاجتماعية والقانونية والإعلامية والنقابية والرياضية والفنية وخاصة الاقتصادية ، وذلك لأهمية الاقتصاد بالنسبة للعدو من جهة ، وارتباط كل أشكال المقاطعة الأخرى بالموضوع الاقتصادي من جهة أخرى ، ونحن نعرف ومن خلال دراسة موضوعية تتطابق معرفيا مع التاريخ والواقع أن الراية كانت دائما تسبق الدبابة ، وأن المقاطعة هي امتناع عن الفعل وفعل في نفس الوقت ، الامتناع عن فعل أي فعل يحقق الأمن والاستقرار والمصلحة للعدو في الداخل والخارج ، والفعل هو القيام بكل فعل يمكن أن يهدد الأمن والاستقرار والمصلحة للعدو قي الداخل والخارج ، والأمثلة على ذلك كثيرة ومن ابرز هذه الأمثلة المقاطعة الأمريكية وحفلات الشاي التنكرية في ميناء بوسطن في عام 1773 حيث قام حوالي خمسون شخصا يتنكرون في زي الهنود الحمر من جماعة الشاي من الصعود إلى ثلاث سفن بريطانية تحمل 342 حاوية وإلقاء حمولتها من الشاي في مياه ميناء بوسطن في المحيط الأطلسي استنكارا لسياسة بريطانية الاقتصادية وقانون الملاحة ( التجارة ) والضرائب ، وفي موقف روزا باركس ( 1913 – 2005 ) وهي ناشطة أمريكية من أصول افريقية كانت قد رفضت التخلي عن مقعدها في حافلة عمومية لشخص ابيض ، وقد شكل هذا التحدي للقانون العنصري الأمريكي والشرطة الأمريكية بداية حركة مقاطعة للحافلات الأمريكية في ولاية مونتغمري ، وبداية عملية إلغاء قانون التمييز العنصري الذي كان سائدا في وسائل النقل في الولاياتالمتحدةالأمريكية في ذلك الوقت ، وقد أدى اعتقالها إلى بدء الإضراب ومقاطعة الحافلات الذي نظمه مارتن لوثر كينغ جونير والذي استمر 381 يوما وانتهى بصدور قانون الحريات المدنية الذي حرم التمييز العنصري على أساس اللون في عام 1964 . وفي موقف غاندي الذي طلب من الهنود الكف عن دفع الضرائب وخاصة ضريبة الملح والسير إلى ملاحات الشواطئ حيث يجف الملح ، واستجاب الهنود وساروا 300 كيلومتر سيرا على الأقدام الى أن وصلوا إلى الملاحات بعد 24 يوما وحصلوا على الملح بدون ثمن ، وفي مقاطعة الملابس القطنية البريطانية ، خاصة وآن غاندي كان يرى أن بريطانيا كانت تحتكر شراء للقطن الهندي بثمن بخس لتعيده إلى الهنود كملابس قطنية بأسعار مرتفعة ، ولذلك قرر غاندي أن يغزل ثيابه بنفسه ، وطلب من الهنود أن يغزلوا ثيابهم بأنفسهم ، واطلق مبادرته الشهيرة احمل مغزلك واتبعني ، واستجاب الهنود وجمع غاندي ملابسة وملابس عشر ألاف هندي واحرقها ، ولكن النار التي أحرقت الملابس البريطانية أحرقت الاقتصاد البريطاني ومصانع الغزل والنسيج البريطانية في يوركشير ولانكشير ومانشستر وادنبرة ، وركضت بريطانيا تستجدي الانسحاب التدريجي من الهند الذي تحقق بعد عامين في عام 1948 . والحقيقة أن كلمة ابارتهايد كلمة ترجع في الأصل إلى اللغة الافريكانية وهي لغة المستوطنين البيض الكالفنيون الهولنديون والألمان والفرنسيون ، ولأنه لا يوجد لها بديل لذلك نرى أنها تستعمل في كل لغات العالم ، وقد كان أول من استعمل هذه الكلمة في عام 1917هو السير جان كريستيان سماتس الذي سوف يصبح رئيسا لاتحاد جنوب أفريقيا في عام 1919 ، وهي تعني مجموعة القوانين التي كانت تنظم سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ، ولكن نظام الابارتهايد قي الحقيقة يرجع إلى ما قبل سماتس وخاصة إلى القرن التاسع عشر عندما أصدرت بريطانيا مجموعة من القوانين التي تنظم حركة السود في الانتقال من المناطق القبلية إلى المناطق التي يحتلها البيض في ألكاب والناتال والى مناطق الملونين ومن ابرز مظاهر الابارتهايد في جنوب أفريقيا القانون الذي كان يحظر على السود الاشتراك في الأحزاب البيضاء أو تشكيل أحزاب مختلطة مع البيض ، والقانون الذي كان يحظر على السود تشكيل النقابات العمالية أو القيام بالإضرابات ، والقانون الذي كان يحظر على السود تسلم أي وظائف عالية أو ممارسة أي عمل ماهر ، والقوانين التي كانت تقسم الأفراد إلى مجموعات عرقية وهي السود والبيض والملونين والأسيويين المكونة من الهنود والباكستانيين والفصل بينهم بحيث يسكن السود في بانتوستانات ( معازل ) وهي أوطان ذات سيادة اسمية ولكنها كانت في الواقع تشبه معازل الهنود الحمر في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، والقوانين التي كانت تحظر على السود حق الاقتراع في غير البانتوستانات ، وقد كانت وثيقة الباس واحدة من أهم رموز نظام الابارتهايد في جنوب أفريقيا وهي وثيقة تعريف تلزم كل بالغ اسود بحملها في جميع الأوقات ، لأنها كانت تحدد خطوط الباصات المنفصلة للبيض والسود من جهة ، ولأنها كانت وسيلة السيطرة الأساسية بيد البيض على السود لكونها كانت تتضمن الأماكن التي يسمح لحاملها بالسكن والعمل فيها من جهة أخرى ، وعدم إبرازها يؤدي إلى الاعتقال ، وكان السود يكرهون هذه الوثيقة ويسمونها دومباس أي الوثيقة الغبية ، ولذلك دعا روبيرت سوبوكاوي المحاضر الجامعي ومؤسس الكونغرس الأفريقي الشامل السكان السود إلى ترك هذه الوثيقة في البيوت والذهاب إلى اقرب مركز شرطة في مدينة شاربفيل في 21 آذار 1960 ، ولكن الشرطة البيضاء تصدت للمتظاهرين السود بكل قوة وشراسة مما أدى إلى سقوط 69 مواطن اسود بينهم ثمانية نساء وعشرة أطفال وإصابة مائة وثمانون شخصا ، ولم يستسلم السود أمام هذا الإفراط في استخدام القوة الغبية وردوا على هذه القوة الغبية بأن حرقوا وثائق الباس وردت الشرطة باعتقال عشرون ألف مواطن ، وكانت شاربفيل نقطة تحول دفعت بالابارتهايد إلى الصفحات الأولى في كبريات الصحف العالمية والى تشكيل الحركة المناهضة للابارتهايد التي بدأت تعمل في بريطانيا وتدعو إلى مقاطعة كل شيء في أفريقيا الجنوبية وخاصة في مجال التجارة والاستثمار والجامعات والموسيقى والرياضة إلى أن تطورت الأمور إلى إلغاء نظام الابارتهايد في جنوب إفريقيا في الفترة من 1990 – 1993واخيار أول رئس اسود لرئاسة جنوب أفريقيا وهو الرئيس الرمز حقيقة وليس قولا نلسون مانديلا الذي رفض وهو في السجن أن يصدر تعليمات بوقف الكفاح المسلح ، وحتى بعد خروجه من السجن عندما طلب منه ذلك الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قال له لن اصدر مثل هذه التعليمات إلا بعد أن يحصل شعبي على كافة حقوقه الإنسانية والاجتماعية في الحرية والمساواة والعدالة ، وبعد ان طلب منه كارتر ان يتفاوض من اجل حقوق شعبه قال له الأحرار هم وحدهم الذين يتفاوضون . .