د . مصطفى خميس السيد فيلم سيما نظرا لأنها ليست بالضرورة أيام جيدة بالنسبة لى ولكثيرين مثلى ، جلست لمراجعة أحداث أربعة أعوام منذ يناير 2011 حتى فبراير 2015 ، فوجدتها مثل فيلم سينما متعدد الكوادر لكنه يحتوى على أربعة مشاهد رئيسية تم تصويرها بالفعل و مشهدين لم يتم تصويرهما بعد لخلاف بين المخرج والمؤلف على التفاصيل ! المشهد الأول يقف البطل العجوز مغترآ بحكمه مستهزئآ بمعارضيه « خليهم يتسلوا » ، لم يدرك أنه منعزل و أنه أصبح مجرد رقم ثقيل فى معادلة سياسية معقدة بين أجهزة سيادية وشبكات مصالح انتهازية و أسرة ملكية و شعب منهك . ينهار قائد الجيران فيعطى أملآ لتحريك المياه الراكدة فى بحيرة الوطن ، يتحرك الشباب من كل التيارات لحسم المعادلة ، بعض الأجهزة أبدت ترحيبآ بما يحدث لتقليم أظافر القائد الكهل ، لكن فجأة تخرج الأمور عن السيطرة ، بعد أن انضمت الجماعة ذات الخصومة التاريخية ضد الأجهزة للمعادلة ، تنقلب الأمور رأسا على عقب ولا يجد القائد الكهل بدا عن التنحى . المشهد الثانى القائد تنحى ، صحيح أنها كانت رغبة الجميع ، الشعب ، الشباب ، الأجهزة ، و الجماعة ، لكن التوقيت كان مفاجئا للجميع أيضا ، الفراغ كبير ، و البيت يجب إعادة ترتيبه سريعا ، تتحرك الأجهزة رغم إنهاكها فى كل اتجاه لإقناع الشعب أن مطالبه تحققت وأنه حانت ساعة العمل ، ولإقناع الشباب أن مطالبهم تحققت وأنه حانت ساعة تنظيف الميادين ، و لإقناع الجماعة أن لحظة التفاوض قد حانت ، يستجيب الجميع فى سذاجة يحسدون عليها ، و تبدأ المسارات المختلفة تسير كما كان مخططآ ، صحيح كان هناك موجات هبوط و صعود لأن الكهول يسيطرون على مراكز صنع القرار عند جميع الأطراف ، لكن فى النهاية تم الاتفاق مع الجميع بنجاح منقطع النظير ، غادر الشباب الميادين و تشرذموا بين مشاهير ونشطاء ومناضلين و سياسيين ، انصرفت الجماعة للصفقة المنتظرة و حصلوا على قطع متناثرة من الكعك ، حاول عواجيز الفرح من كل الاتجاهات الحصول على أكبر قدر من المكاسب المتوقعة ، وراحت الأجهزة تعيد ترتيب البيت . المشهد الثالث حانت لحظة انتخابات استبدال الكرسى الشاغر ، تحمس الجميع ، رجل واحد انسحب من المشهد بأسره لاعتراضه على قواعد اللعبة المغلوطة لأنه أدرك مبكرآ الصفقة المرتبة بين الجماعة و الأجهزة ، مرت الجولة الأولى بلا مفاجأت إلا للحالمين ، رجل الأجهزة فى مواجهة رجل الجماعة ، اقتسما الشارع تقريبا ، أعلنت النتيجة بفارق ضئيل لمرشح الجماعة البائس بعد أن راهن عليه بعض الشباب والقوى الثورية والليبرالية اعتقادآ منه أن جماعته تعلمت دروس المشاهد الفائتة ، لكن هيهات فالجماعة و اصلت بؤسآ مختلطا بانتهازية وسذاجة هكذا فى خلطة سحرية ، واصل الرجل الجديد تخبطه ، أدرك الجميع أنه راحل قريبا إلا هو وجماعته حتى كانت لحظة السقوط مدوية و مؤلمة للجماعة التى عجزت أن ترى الواقع أو أن تقرأ التاريخ . المشهد الرابع اقتربت الأجهزة من إعادة ترتيب البيت ، تخلصت من البؤساء السذج ، لكن تبقت مجموعة القوى الثورية والليبرالية التى تحمس معظمها للحظة التخلص من الجماعة ، لكن هذا المشهد كان سهلآ إخراجه ، فهذه القوى جميعا وعلى عكس الجماعة بلا تنظيم ولا قدرات على الحشد ، تم استدعاء قادة هذه القوى وحصلوا على المناصب المؤثرة ( أو هكذا اعتقدوا واعتقد جمهورهم ) ، بالتوازى كان يتم إعداد الرجل القوى للمشهد ، لم ينتبه الكثيرون ، الرجل أكد أنه ليس طامحا فى السلطة وأنه قام بدوره الوطنى فحسب ، و بدأ العد التنازلى ، التخلص من نائب الرئيس المؤقت بسهولة وعنف ( وهو نفسه الرجل الذى كان قد رفض المشاركة فى المشهد الثالث ويالسخرية القدر) ، ثم تم التخلص من باقى الرجال تدريجيآ و بهدوء وحسم ، حانت اللحظة الحاسمة ، عفوا لم تكن حاسمة بل كانت محسومة و بقت بعض الرتوش ، تطوع البعض لتأدية الدور المرسوم ، فاز الرجل الجديد غير الطامح للسلطة بالمنصب بتأييد شعبى واضح ، وخرست ألسنة الجميع فقد أدركوا حجمهم فى الشارع ! المشهد الخامس يأتى الرجل القوى بأجندة واضحة لاستعادة الدولة وترتيب البيت من الداخل ، يقسو على جميع المخالفين و المعارضين و الممانعين ، و لكنه يحنو على الشعب ( أو هكذا يبدو ) ، يفوت القائد الجديد أن يقرأ التاريخ و الواقع الحالى جيدآ ، فالأرض منقسمة عكس ما تبدو على الشاشات والنار تحت الرماد ، و الظروف التاريخية مختلفة ولا يمكن أن تسمح بتكرار قواعد لعب قديم ، والأجهزة التى تعاونه فى إعادة ترتيب البيت مختلفة الرؤى والمصالح إلى حد التصارع أحيانآ وعليه فى النهاية مهما حاول المقاومة أن ينحاز للبعض دون الآخر فتنتهى سريعا فترة الاستقرار الحالمة ونبدأ موجات جديدة من الصعود والهبوط . المشهد السادس ( لم يصور بعد ) تزداد موجات الصعود والهبوط على مدى الشهور و السنوات ، ويقرر القائد الحسم بالقسوة والعنف أحيانا لفرض هيبة الدولة ، لكن فى كل مرة يقرر الحسم لا يأتى الأخير بالنتائج المرجوة لأنه لم يقرر قراءة الواقع بعمق منذ البداية لإدراك التناقضات ، تتدافع موجات الهبوط و الصعود مع ضغوط إقليمية ودولية لتسديد الفواتير ! ينادى البعض للمرة الأولى القائد بأن يغادر المشهد ، فيرد بمزيد من القسوة . وهنا يقف المخرج و المؤلف و المشاهد حائرين كيف نكتب مشهد النهاية ؟ هل نجعل القائد يتنحى بشكل دراماتيكى عنيف ؟ وإذا تم المشهد بهذا الشكل فمن يكون أبطال المشهد السابع ؟ الجماعة التى ستعود أكثر عنف و رغبة فى الانتقام ؟ أم الشباب المحبط غير الجاهز بأى مشروع حقيقى لتقديم بدائل ؟ أم نستعين بكومبارس لتأدية دور القائد الجديد ؟ أم نقدم رجلآ أقوى من داخل الأجهزة ؟ الخلاف يطول بين الجميع على نهاية هذا المشهد ، وأمام الحيرة يختار الجميع الخيار الأمن . النهاية المفتوحة ! د . مصطفى خميس السيد الباحث فى شئون الاحزاب