قد يكتسب شخص عداءنا لأنه لا يروق لنا ..حتى يصلح أن يكون مشجبا لتعليق كل الأخطاء برقبته وسببا مقنعا لحدوث كل شر يلم ، هذه الفكرة تناولها بشكل سلس موضوعي الفيلم السلوفيني " عدو الفصل " إنتاج 2013 للمخرج "روك بيتشك "في 112 دقيقية مترجمة للإنجليزية ، والذي عرض ضمن عروض بانوراما الفيلم الأوروبي في دورته الحالية والتي تستمر حتى يوم 29 نوفمبر الحالي ، وقد حاز الفيلم على 16 جائزة عالمية، من ضمنها جائزة أفضل عمل من أسبوع النقاد الدولي في مهرجان فينيسيا ،هذا العدو هو مدرس لغة ألمانية في مدرسة ثانوية في سلوفانيا ، حازم وقور ، يحب النظام والجدية ، حدث أن تحاور يوما مع " سابينا " الطالبة المنطوية الحزينة والتي تعاني من الكثير من الضغوط النفسية والحياتية ، كان منهجه مواجهة الواقع ومساعدتهم على مواجهة أنفسهم ، ما حدث أن سابينا بعدها زاد اكتئابها حتى فوجىء الجميع بانتحارها ، حزن زملاؤها ، ثم بدأوا يحاولون المبالغة تقديرا لها وتعويضا لتقصيرهم في حقها ، وبدأت تتكشف أمور يبدو منها كم اللامبالاة وعدم المشاركة منهم لسابينا حين كانت بينهم، لكنهم بدأوا يسقطون ذلك الشعور بالذنب والتقصير تجاهها على السبب الأسهل لوما الأقرب لميلهم وهو ذاك المدرس " مستر روبرت زوبان " ويسمونه بالنازي ، بينما كان يحاول الاستماع لهم ودفعهم للتنفيث عما يشعرون تجاه زميلتهم المتوفاة ، لكنهم كان كلما مضى الوقت وافتقدوها زاد إحساسهم بالذنب وإحساسهم بالرغبة في التخلص من ذلك بإسقاطه على مدرسهم غير المحبوب ، بل إنهم تطرفوا ولاموا مدرستهم المحبوبة أنها مسؤولة أيضا لنها لم تكن موجودة في ذلك الوقت ، يستمرون في التطرف فيهاجمون مدرسهم ويتمردون عليه ويتركون حصته ويحاولون الضغط على أعصابه بإثارة إحساسه بالذنب مستعينين بقوة تكتلهم كمجموعة ، يواجهونه بما يرون في الإذاعة المدرسية .. فالصوت العالي وسيلة ضغط ، ويرتدون جميعا ماسكات أو أقنعة لوجه " سابينا " فيفاجأون بارتدائه معهم أيضا ، ويستمر الوضع في ازدياد حتى يتم التحقيق معه ويستعد لمغادرة المدرسة ليواجههم قبل ذهابه بأن يتعاملوا مع الواقع بشجاعة أن الحياة لا تؤخذ بهذا التطرف فهي ليست إما أبيض أو أسود ..، وتظل في لقطة أخيرة روح سابينا معهم غريبة لا يشعرون بها .. فتنظر للبحر وهو المشهد الخارجي الوحيد ، وكأنها تفكر في الانتحار من جديد .. فالحقيقة أن الجميع شركاء فيما حدث لها . قدم الفيلم فكرة تكون التطرف وإن كان مستندا على وهم ومغالطة وعدم قدرة على المواجهة .. وتغذيتها بالتكتل الجماعي والثورة الجماعية كما تكبر كرة الثلج حين دحرجتها على الجليد .. وقد تجرح وتسبب الحوادث لكنها تبقى مجرد ثلج ، قدمها بشكل جيد خاصة حين جعل شخصية المدرس الجادة المتحفظة والمختلفة عن غيرها ، ربما تكوّن انطباعا سلبيا لدى المشاهد لكن رغم ذلك لم يكن المسؤول عما حدث ولا المستحق لكل هذه الإدانة ، بل على العكس بدأنا نرى جانبه الآخر من صبر حكيم على التلاميذ ومحاولة مناقشتهم في رؤيتهم هذه وإن كان قرر الانسحاب من المدرسة إثر هذا الغضب ، ليخجلهم في النهاية بحجته الهادئة ولا يستطيعون ردا ، لتتحول تدريجيا نظرة المشاهد له من التحامل حتى التعاطف والاستياء من قسوة التلاميذ . اسم الفيلم نفسه بالمقارنة بما نستكشفه موح بمدى إمكانية الظلم بمناصبة العداء لمن لا يستحق وإن كان فيه بضع صفات سلبية ، وقد برع الممثل " إيجور ساموبور " في دوره " مدرس اللغة الألمانية" واستطاع أن يملأ دوره تماما بشكل مقنع جذاب الأداء قويا صارما هادئا لحد البرود كما يوجب الدور ، أحيانا يخفي ما يعتمل داخله وهو مطلوب في بعض مراحل الفيلم وفي أحيان أخرى نشعر بما يخفيه ، كما كانت الممثلة " داشا كوبفسكي " المؤدية لدور " سابينا " شديدة الحضور حتى بعد غيابها بالانتحار ، موحية بطبيعة شخصيتها وظروفها وإن لم نعرف عنها شيئا ، وكذلك كان مزيج شخصيات الطلبة طبيعيا مقنعا في تنوعه ، في النهاية كنا أمام فيلم جيد الفكرة متزن الإيقاع جيد الحبكة ذو رؤية مميزة .