سعر الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025.. عيار 18 يسجل 4701 جنيها    بعد تصريحات ترامب.. ماذا يعنى تصنيف السعودية حليف رئيسى من خارج الناتو؟    اتصال هاتفى بين وزير الخارجية ونظيره الفرنسى يتناول التطورات الإقليمية    النيابة الإدارية بالمطرية تتحرك بعد واقعة تنمر على تلميذة ولجنة عاجلة للتحقيق    أردوغان: صادراتنا السنوية بلغت في أكتوبر 270.2 مليار دولار    اعتماد تعديل مشروع شركة إعمار مصر للتنمية في المقطم    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستقبل المستشار التعليمي التركي وتبحث سبل التعاون الأكاديمي    جامعة مصر للمعلوماتية تكشف عن برامج مبتكرة بالذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني والتعليم وعلوم البيانات    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيطالي الأوضاع في غزة والسودان    بيراميدز يعلن موعد المؤتمر الصحفي لفريق ريفرز يونايتد النيجيري    شوبير يكشف حقيقة تولي كولر تدريب منتخب مصر    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    19 نوفمبر 2025.. استقرار البورصة في المنطقة الخضراء بارتفاع هامشي    أولوية المرور تشعل مشاجرة بين قائدي سيارتين في أكتوبر    الداخلية تكشف تفاصيل مشاجرة بين قائدى سيارتين ملاكى بالجيزة    محمد حفظي: العالمية تبدأ من المحلية والفيلم الأصيل هو اللي يوصلنا للعالم    أحمد المسلماني: برنامج الشركة المتحدة دولة التلاوة تعزيز للقوة الناعمة المصرية    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    بعد أزمته الصحية.. حسام حبيب لتامر حسني: ربنا يطمن كل اللي بيحبوك عليك    خالد عبدالغفار: دول منظمة D-8 تعتمد «إعلان القاهرة» لتعزيز التعاون الصحي المشترك    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    محافظ المنوفية يشهد فعاليات افتتاح المعمل الرقمي «سطر برايل الالكتروني» بمدرسة النور للمكفوفين    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    نور عبد الواحد السيد تتلقى دعوة معايشة مع نادي فاماليكاو البرتغالي    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    الإحصاء: معدل الزيادة الطبيعية في قارة إفريقيا بلغ 2.3% عام 2024    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    جامعة قناة السويس تدعم طالباتها المشاركات في أولمبياد الفتاة الجامعية    موعد مباراة بيراميدز القادمة.. والقنوات الناقلة    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 6 عناصر شديدة الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه | صور    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    اليوم، حفل جوائز الكاف 2025 ومفاجأة عن ضيوف الشرف    ماذا قالت إلهام شاهين لصناع فيلم «بنات الباشا» بعد عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي؟    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الشاعرة العراقية فاتن نور- حاورتها الصحافية نعيمة الزيداني
نشر في شباب مصر يوم 18 - 09 - 2011

الثقافة هي المدخل والمعول لكل التحولات السياسية والاجتماعية وغيرها
"الطفولة مكون جوهري من مكونات الشخصية مثل الوطن، قد يشيخ ولا تشيخ مكوناته في دواخلنا"
"وراء كل إنسان عظيم فلسفة، وروافد شتى داعمة له"
حوار من إنجاز نعيمة الزيداني- صحافية من المغرب
ضيفتنا لهذا العدد من فرح الشاعرة العراقية المتألقة "فاتن نور" ابنة محافظة البصرة الفيحاء، حاصلة على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة البصرة. عملت بمجال تخصصها بعدة وزارات عراقية دون أن تعرف الاستقرار، وعن ذلك تقول" رُحلّتُ من وزارة إلى أخرى كالمساجين حين يُرَحلون لصراحتي في كشف الحقائق أمام الجهات العليا ."
هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبها تقيم حاليا، ثقافتها واسعة ومتنوعة فهي مهتمة بالفلسفة وعلم النفس والشعر والقصة، ولها فلسفتها الخاصة في القراءة، تقول" تنوعتُ في قراءاتي ما بين العربيّ والعالميّ، أبحثُ دوماُ عن الكتاب والكتاب الناقد للكتاب / لعبتي هي الشيء ونقيضه."
تكتب الشعر منذ كانت طالبة في المرحلة المتوسطة، لغتها الشعرية شديدة التفرد، وقصائدها تفيض فلسفة... يقول عنها الناقد الدكتور وليد سعيد البياتي "الشاعرة فاتن نور تمثل مسارا خاصا ومتفردا في الشعر الرمزي، وهي تحاول تقديم منظور فكري معاصر للمرأة."
أهلا بك في هذا اللقاء مع قراء فرح
س: في البداية، ورقة تعريفية للشاعرة فاتن نور؟
أهلا بكم. أنا كاتبة من هذا الوطن الصغير جدا: كوكب الأرض. من رقعة جغرافية منهكة بالشقاق والتوتر، رفعها الأقدمون بعقولهم وزينوها بقلوبهم، بينما داس عليها العابرون والمخمورون، ودنسها المناضلون الجدد صاعدين بها الى الدرك السفليّ، وتوضأ بها أرباب الشهوة والوهم، وصلوا صلاة الامتلاء على رؤوس الآبار والمعدمين، حاميلن الدلاء الكبيرة فوق رؤوسهم الموغلة في الصغر. أنا كاتبة فقط، يتشظى القلم معي في اللحظات الماكرة من فرط حبه لي. إجابتي غير تقليدية غالبا على مثل هذه الأسئلة فعذرا.
س: ماذا تقولين لنا عن فاتن نور في لحظاتها الإبداعية الأولى حين يسكنها وجع الكتابة ؟
قيل الكثير عن اللحظة الإبداعية، فقد ربطها الأقدمون بالجن، أو إلهام شياطين وادي عقر، قال امرؤ القيس: تخّبرني الجنُّ اشعارها / فما شئت من شعرهن اصطفيت
وفي بيت آخر يقول:
فاعزل مرجانها جانبا / وأخذ من درّها المستجادا
ومنهم من ربطها بالخبرة وتضافر عوامل التجربة والعزم والإستبصار أو بالحالة السيكولوجية وتداعياتها وما إليه. لكل منا تصوراته ورؤيته الخاصة عن اللحظة الإبداعية. أما عن تصوري فهي لحظة "الدهشة" التي تخلق مناخا إنفعاليا. لا سيما أن الدهشة ذاتها هي وليدة لمناخ إنفعالي قد يكون الكاتب فاعلا فيه أو مفعولا به بمستوى أو آخر. فالدهشة ك "القدحة أو الشرارة" تحرك السواكن وقد ينزاح عنها فعل كتابيّ. ولكن ليس بالضرورة، فلحظات الدهشة كثيرة ويكاد لا يمر يوم عقيما بهذا الإتجاه، فقد يصار الى تخزينها لا شعوريا لتظهر بفعل دهشة أخرى أو تطفو في خضم حالة ما من حالات الإنفعال أو السكينة. علما أن الدهشة نسبية، فما يدهشني وأنفعل به قد لا يدهش الآخر، أو قد يدهشه بشكل مغاير كليا أو نسبيا. لو تأملنا كل ما يقال عن توصيف اللحظة الإبداعية سنجده مازال عالقا لحد ما بتصورات العصور الغابرة، فحالة الوعي واللاوعي التي غالبا ما تُدرَج في تواصيف اللحظة الإبداعية، توحي بعالم مضبب، مزدحم باليقظة والحلم ويتداخل فيه المُدرَك باللامُدرَك والمحدوس بالمحسوس، يشبه ولحد ما ضبابية عوالم الجن والشياطين واخباراتها الشعرية.
الكتابة ليست وجعا، لو كانت هكذا لما كتبنا شيئا. أرى أنها مخاض يجمع بين حبور الرغبة في تفريغ شحنة ما، والتأهب لاحتضان ما ينزل من صلب النفس ومخاضات سيرورتها في الحياة والوجود. ولكل مخاض ثيمة من ثيمات الوجع، لكنه ليس وجعا صرفا.
س: في شعرك نلمس براءة الطفلة حينا، ونضج المرأة حينا، وكونية الإنسان حينا آخر...من هي فاتن نور من بين كل هؤلاء؟
في داخل كل إنسان طفل لا يكبر. الطفولة مكون جوهري من مكونات الشخصية مثل الوطن، قد يشيخ ولا تشيخ مكوناته في دواخلنا فهي من لبناتها الأساس. والنضوج مكون آخر لصقل ما يمكن صقله، والإنسان "سؤول عقول، مثلما قال الفراهيدي" سائح في هذا الوجود شاء السياحة ام أبى مادام فيه نبض أو نفس. وكلها مكونات متشابكة فلا فاصل مرئي أو محسوس ندركه بينها. وكل ما ينتجه الإنسان أو يقوم به هو نسيج معقد ومركب من مكونات شخصيته وقراءته للعالم، ولا يمكنه أن ينتج شيئا من مكون بعينه لتداخله مع بقية المكونات وانصهاره في بوتقة واحدة. جوابي المباشر عن سؤالك هو: فاتن نور تكتب مما في هذه البوتقة وبتحريض مباشر أو غير مباشر من العالم الخارجي، أو عالمها الخاص.
س: قصائدك غنية وجدانيا ولغويا تفصح عن أحاسيسك بعمق وشفافية رغم حضور مواقفك الفكرية بقوة في كتاباتك...كيف تمكنت من تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟
هذا السؤال، بتصوري، من طينة السؤال السابق، أو من خمير إجابتي عنه.لكنني سأوضح، كل المكونات التي تحدثنا عنها في السؤال السابق وما يتبعها من مكونات فكرية وفلسفية، ثقافية وسيكولوجية، عقلية وعاطفية وما إليه، هي طرف من المعادلة وحسب توصيفك، والطرف الثاني منها هو "إنسان ما"، يعادل الطرف الأول بمكوناته المذكورة. وهي متغيرات وليست ثوابت، فمثلا، مكونات الطفولة تتغير تبع فهمنا لها واحساسنا بها زمنيا، ولأن أي "فهم" لابد أن ينطلق من ثقافة ما أو وعي ما، ولأن الثقافة متغيرة فثمة إكتساب لها أو فقد وعلى امتداد الزمن، فهذا يؤثر في طبيعة إدراكنا لمكونات طفولتنا وطبيعة تواصلنا معها. وهذا التأثر سيؤثر بدوره على طبيعة فهمنا لشخصيتنا كون الطفولة من مكوناتها. لذا يمكنني القول هاهنا، المعادلة تتحقق عفويا أو لا شعوريا وعلى مدار اليوم والساعة، حينما نفعل، نفكر، نحب، نسلك، نكتب..الخ. يحضرني قول للفيلسوف الفرنسي والمحلّل النفسي فرانسوا روستانغ، مفاده أن الكثير من أفعال الإنسان وسلوكياته ما هي إلاّ تحولات مجازية عن عالم الطفولة.
س: من أين تنبع مفرداتك الشعرية؟ وما سر هذا التألق المدهش للرمز في كتاباتك؟
"تنبع"، أشكرك على هذه المفردة من الصميم. أجل، المفردات تنبع من وتطفو على سطح البوتقة، تلك التي تحدثنا عنها والتي تنصهر فيها مكونات الشخصية، واللغة مكون آخر، فعندما تراودنا لحظة الكتابة او تدخلنا الرغبة لتفريغ شحنة آنية تولدت بمؤثر ما، أو شحنة اختمرت أو تكثفت لفترة غير محددة او مُعرفة، يتدفق نبع المفردات كما تتدفق الآبار الإرتوازية وتفرض نفسها. فلا عناء أو جهد يذكر في هذا المجال لا سيما إذا كان الخزين المعلوماتي ثريا ومتنوعا. وربما تشكل المفردة عبئا على المتلقي إن لم تكن مألوفة أو شائعة. ولكن عن نفسي أقول، لا أكتب لإرضاء الآخر أبدا أو حتى لإرضاء نفسي بل أكتب بما يشبع لحظة الإنفعال وتصويرها أو التعبير عنها، وبما ينبع عنها أو يتفجر من مفردات قد تبدو رموزا للآخر، أو قد تكون رموزا فعلا تشبع الدلالة في سياقها وتمد آفاقها. وفيما ذكرته أجد جوابا شافيا عن الشق الثاني من السؤال.
س: كيف هي علاقتك بالنقاد؟ وما موقفك من استيراد المناهج النقدية الغربية لإسقاطها على النصوص الشعرية العربية؟
المتتبع لحركة النقد الأدبي العربي يجد أن العلاقة قديما تشي بعدم ارتياح، أو هجاء يصل حد الخصومة، وهي ليست بأفضل من هذا الحال في يومنا. أما في العالم الغربي فيحضرني ما قاله الشاعر الرومانسي الأنكليزي- بيرسي بايسش شيللي- في هذا الصدد: "ما عدا أمثلة نادرة، لا يمثل النقاد سوى سلالة غبية وخبيثة، وكما يتحول اللص المفلس الى خفير، كذلك يتحول المؤلف العاجز الى ناقد". والى مثل هذا المعنى ذهب الشاعر نزار قباني، والشاعر الناقد الأنكليزي - تايلر كولريدج- وغيرهم. عدم الثقة بالنقاد لعلها هي القربة التي تنضح منها مثل هذه التصورات وهي صائبة ولحد ما، وثمة مقولة تلخص الأمر وهي: اطلب الورد في كانون، والتمس الثلج في حزيران قبل أن تثق بالناقد.
من الضروري، بتصوري، أن ننصف النقاد ولا نوقع بعلاقتنا بهم في خضم مفهوم بعينه. فكل ناقد بما ينتجه في مجال النقد وما يختاره من نصوص بحيادية، وما تشي به قراءاته لها، يفرض علاقته الخاصة بالآخر المتلقي. أما اللجوء الى تعميم مفهوم بعينه لتوصيف العلاقة فلا يبدو لي إنصافا. عن نفسي، أكاد اقترب من الشاعر شيللي لأنه استهل قوله بعبارة منصفة وهي "ماعدا أمثلة نادرة".
أما عن استيراد المناهج النقدية، فلا يهم ما يسقطه الناقد على النص الشعري بتصوري، المهم فهمه للمنهج أولا، ومدى موضوعية قراءته للنص سواءً جاءت بتوظيف منهج بعينه أو مجموعة أو بدون، بعيدا عن آفة التقديس والتدنيس، أو ضخ دلالات وآفاق لا يحتملها سياق النص ثانيا.
س: يقول الناقد المغربي الكبير"عبد الفتاح كليطو":" كل كاتب يحاول إخفاء شيء ما."ما تعليقك؟
يبدو أنني سأختلف مع أحد رواد الحداثة النقدية الذي أثرى كلاسيكيات ثقافتنا العربية بمقاربات تحليلية جادة وهادفة. وانطلاقا من نظرته هو حول الأدب بصفته خرقا للمألوف والسائد من الكلم الدارج، الإخفاء إذن ليس "محاولة" إنما ضرورة فنية تكسب النص "أدبيته" بالتخريب والإيهام أو الإبهام والإنزياح، هذا من جهة. من أخرى، فإن ثمة مسافة بين قراءة المؤلف لنصه وقراءة المتلقي وإن جاء النص مكتوبا بلغة بيان جلية، فإن هذه المسافة قد تقترب من الصفر لكنها لا تكون صفرا بأي حال، فكل إنسان كيان مختلف عن الآخر وإن تقارب معه معرفيا ووجدانيا. وبوجود هذه المسافة قد يبدو خفيا ما لا يريد المؤلف إخفاءه في سياق نصه على مستوى الفهم والإستيعاب أو التقبل والتأمل. أما في المسافات الشاسعة فتطفو"علة الفهم" وتبرق الحاجة إلى تفسير أو تأويل لفتح مغاليق النص. يمكننا فهم مقولة كليطو على أكثر من محمل، ولكن مفردة "يحاول" حسب موقعها تشي ب "قصدية" يحاولها الكاتب لإخفاء شيء، ولا أجد في هذا صوابا مطلقا، فقد يكون"الإخفاء" تحصيل حاصل تفرضة المسافة بين فهم المتلقي وفهم الكاتب ولا يقصده الأخير أو يحاوله.
س: مالدوافع التي جعلتك تختارين الهجرة والحياة في الولايات المتحدة الأمريكية؟ أهي الحرب وافتقاد الأمان...أم أشياء أخرى؟
لم يكن اختيارا أو خيارا. فما حلمت قط بالولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن في حسابي أبدا الإقامة فيها وحمل جنسيتها كلاجئة.
أحلامي الكبيرة جدا لم تخرج أبدا عن الرقعة الجغرافية الصغيرة التي ولدت فيها وترعرعت، إنما الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن وقد دفعتْ بكل أشرعتي خارج الحدود، وحدود رغبتي وأحلامي أيضا. هكذا وجدتني على رقعة جغرافية فارهة تقطنها جنسيات مختلفة من شتى أرجاء العالم، رقعة تستوعب الرغبة والحلم بشكل أفضل وتمنح حدوة لمن يريدها لينطلق كالحصان. ومن هذا تعلمت بأن الظرف السيء قد يحملنا قسرا الى حيث لا نريد، وما لا نريد قد يكون أفضل من كل اختياراتنا أو ما نسعى إليه بأقصى طاقة ممكنة وجهد.
س: أي الإحساسين أقوى...الغربة أم الاغتراب؟ وكيف انعكس كل منهما على كتاباتك الشعرية؟
أحسنت بسؤالك هذا فشتان ما بين الاثنين. الغربة انزياح شعوريّ يولده التنقل في المكان، فالخروج عما نألفه في مكان ما إلى آخر، يشعرنا بالحنين لما تركناه خلف ظهورنا، وقد يشعرنا بالاضطراب والقلق ويشيع مسحة من حزن في دواخلنا، لكن الإحساس بالغربة يتضاءل بالتعايش والتقادم الزمني. في الغربة تجديد وصقل للذات واكتساب للمعرفة والخبرات، وفرصة مواربة لتحقيق الطموحات التي تعثر تحقيقها. فهي ليست سيئة تماما. أما الاغتراب فحليف ذات المكان الذي نألف، وبكل ما يفرضه من منغصات وقيود على كافة الصعد تصيبنا بالإحباط. بمعنى آخر، الشعور بالغربة في المكان الذي ألفناه منذ نعومة أظفارنا قد يحيلنا إلى اغتراب، إلى شعور بالكره والمقت وعدم الرضى لفقد التجانس والتوازن، ويؤدي الى الإنكفاء والعزلة. ولأني مقيمة في امريكا منذ 1995 أكاد لا أشعر بغربة المكان رغم الحنين الذي لا ينضب، ولا أشعر بالاغتراب في الداخل الأمريكي إنما أحمل في دواخلي إغترابات مكان آخر ولدت فيه وعشته بكل توتراته وسكناته المُحبِِطة، خزين كبير عالق في الذاكرة ومازال حيا نابضا يوجعني. وكل خزين له انعكاسات عفوية على المنجز الكتابي لا يدريها الكاتب بالضرورة أو يقصدها.
س: تشهد بلاد الرافدين تحولات كبيرة وخطيرة سواء اجتماعيا أو سياسيا، هل ترين أن ذلك سيساهم في إحداث تغييرات جوهرية في المشهد الثقافي العراقي ؟
الثقافة هي المدخل والمعول لكل التحولات السياسية والإجتماعية وغيرها، وهي المؤثر الأول لنجاح أنشطة التغيير والإصلاح والتنمية الاجتماعية لعلاقتها العضوية بكل صعيد ومفرق من مفارق الحياة. وأنا أتحدث هنا عن ثقافة تعددية أو سوسيولوجية حية ومنتجة، وليس عن ثقافة مركزية تقليدية أو رجعية. إلا أن المعادلة مقلوبة في بلاد الرافدين والبلدان العربية بشكل عام، فالأنظمة السياسية تكرس الثقافة التقليدية، ثقافة الثوابت وليس المتحولات، وترسخها عبر آلياتها المعروفة. يقول سارتر ،" المثقف هو الذي يتدخل فيما لا يعنيه"، وهذا ربما هو الفاصل بين فهم مجتمعاتنا "للمثقف" وفهم المجتمعات المتحضرة، فنحن نعيب من يتدخل فيما لا يعنيه لأن الثقافة في مفهومنا "اختصاص أو تخصص" ، لذا ننظر إلى حملة الشهادات الأكاديمية كشريحة مثقفة لأنها متخصصة في حقل ما وهذا فهم غير سوي. بينما لا نرى الفلاح، على سبيل المثال لا الحصر، مثقفا مع أنه يحمل معرفة متخصصة هو الآخر في شؤون الحرث والزراعة، وهذه ازدواجية مضافة إلى الفهم الخاطئ .
قطعا اقول، أي تحول سياسي أو إجتماعي في أي بلد، سيؤثر سلبا أو إيجابا في المشهد الثقافي للبلد وحسب طبيعة التحول ومرتكزاته السببية ، ومدى عقلانية قياداته ومستوياتهم المعرفية، وطبيعة الأهداف ووسائل بلوغها. يمكنني القول بأن طبيعة التحولات وسيرورتها تعكس ثقافة المجتمع والعكس صحيح، فإذا كانت الثقافة استبدادية تعسفية في أصغر مؤسسة في الدولة وهي الأسرة على سبيل المثال، فمن الصعوبة ان نحظى بثقافة ديمقراطية في المؤسسات الأكبر. ومن المؤسف أن تكون الثقافة تابعا للسياسة، أو أن تكون الأخيرة المنتج الأول لها، أو الرقيب على إنتاجها.
س: هل يمكن أن يفقد الشاعر العربي مصداقيته في زمن الثورات والانقسامات ليتحول إلى دمية تمسك خيوطها أياد سياسية لا علاقة لها بالفعل الثقافي؟
ليس فقط في زمن الثورات والإنقسامات، بل في كل زمن، ثمة شعراء يسخرون أقلامهم للسلطة ويقتاتون من فتاتها، أو تسخرهم السلطة وتقتات على حبر أقلامهم. والسلطة خير من يجيد الإغراء وتحمّل مسؤوليته المالية أو التحفيزية لا سيما أن المال العام متاح لها، بل في قبضتها، وقد تزحلق الكثير من الشعراء قديما على زلاجات الإغراء السلطوي فبين المديح والدرهم علاقة وطيدة في تراثنا العربي ومازال الحال قائما. أما "السلطة" حسب موقعها فليس بالضرورة أن تكون سلطة دولة، فقد تكون سلطة مؤسسة، أو سلطة شيخ قبيلة أو سلطة فرد وجيه ماليا ينقصه المديح أو الإطراء والثناء.
س: بمن تأثرت من الشعراء العرب؟ وهل تقرئين للشعراء الغربيين؟
التأثر بشاعر بعينه يعني التأثر بعموم منجزه الشعري أو غالبه بالنسبة لي، وهذا ما لم يحدث معي، فقد أتأثر بقصيدة لشاعر ولا أتأثر بأخرى، أو بمجموعة شعرية بعينها دون غيرها. اسم الشاعر ومهما بلغت شهرته ومكانته في الوسط الأدبي لا يجرني الى التأثر بكل ما ينتجه أو تذوقه، فما ينجزه الشاعر طوال حياته لا يمكن أن يكون بنفس الجودة والقيمة بتصوري. لا يمكنني حصر القصائد التي تأثرت بها سواءً لكبار الشعراء في الواجهة أو للصغار خلف الكواليس المنسية، وهكذا بالنسبة لشعراء الغرب.
ولكن من الشعراء الذين قرأتهم باهتمام وشغف، أذكر لك السياب ومحمد بنيس وأدونيس والشابي وجبران وسركون بولص ومحمود درويش وفدوى طوقان ووفاء العمراني، دانتي وبودلير ورامبو وريلكه وطاغور وبابلونيرودا وايليوت وبورخيس..وغيرهم. وقطعا الشعراء الأقدمون والفحول منهم في غنى عن الذكر.
س: هل يمكن أن تنطبق عليك مقولة وراء كل عظيمة رجل؟
عظيمة! من أين جاءتني هذه العظمة؟ عموما لو سألنا "من هو العظيم" ستتوارد إجابات كثيرة تختلف حسب مستوى الوعي والفهم والاهتمام، فمن يضع الأخلاق في المقدمة، ربما العظيم لديه هو صاحب الخلق العظيم وحسب تصوراته لماهية الخلق العظيم.
وربما آخر يرى العظمة في تحقيق أكثر الأشياء نفعا وتجنب أكثرها ضررا، وحسب فهمه للنفع والضرر أو الخير والشر وهذه ثنائيات متداخلة ونسبية. وقد تربط العظمة بالمنتج الثقافي والأدبي والفكري والفلسفي والعلمي وقيمته العالمية.
"العظيم حقا، هو من لا يحب أن يسوده أحد، أو يسود أحدا".. هذه مقولة لجبران خليل جبران، أجدها رائعة وشاسعة الأفق، وتضفي صفة العظمة على الكثير من البشر.
أما المقولة التي نتداولها بكثرة "وراء كل رجل عظيم امرأة" فهي تحتمل الصواب والخطأ إضافة لكونها مقننة بفرد. وبتصوري وراء كل إنسان عظيم فلسفة، وروافد شتى داعمة له أو ساندة. وقد يكون الإنسان الآخر أحد هذه الروافد وبغض النظر عن جنسه أو طبيعة علاقته بالإنسان العظيم. بمعنى، ليس بالضرورة ان يكون امرأة كما في المقولة. ومن الطريف، أذكر عندما كنت طالبة في جامعة البصرة أفاد أحد الزملاء وكنا بصدد هذه المقولة، بأنها لنابليون بونابرت، وهي منقوصة وأصلها "وراء كل عظيم امرأة، تجره الى الخلف"، ولا أدري مدى صحة هذه المعلومة.. لكنها طريفة فعلا من طرائف العقل الذكوري.
س: ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
في جعبتي الكثير من المشاريع العالقة دائما باللحظة القادمة: المستقبل. حرصت على جمع ما ذرفته من الحبر في كراريسي الصغيرة لتغادر معي خارج التخوم العراقية. أتمنى أن يتسع الأفق والمزاج لتهذيبها وتبويبها وتقديمها للقارئ الجاد. إضافة الى الخزين الكبير الذي لم أنشره إلكترونيا وعلى أمل نشره ورقيا.لا تقودني العجالة في هذا المضمار فأنا متأنية تماما وأمنح نفسي فرصة التأمل قبل القفز في بحر مضطرب لا تبدو أمواجه الصاخبة عالية الفطنة.
س: نشكرك جزيل الشكر، ونتمنى أن تكون هديتك لقراء فرح قصيدة من اختيارك؟
وجزيل شكري لكم لإتاحة هذه الفرصة الطيبة.
"من هنا" قصيدة قصيرة من ثلاث قصائد نُشِرت لي هذا العام. عادة لا أنشر إلاّ القليل مما أكتب إذ يطيب لي الاحتفاظ بالحبر لأجلٍ غير مسمى. يسعدني أن أهديها لك ولكل قراء فرح، وقد أخرجتها على اليوتيوب بحنجرتي المفخخة بالنيكوتين، والمدهش، لم يحدث أي تفجير خلال التسجيل والحمد لله مالك الملك.
رابط النص على اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=YdPN0sqUr9w
رابط الحوار على مجلة فرح
http://www.magfarah.com/index.php?option=com_content&view=article&id=978:2011-09-14-14-17-23&catid=41:waraa-kol-adim&Itemid=149


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.